تعرف على حل مشكلة الوقت لدى طفل طيف التوحد

بسؤال الآباء والأمهات لأطفال طيف التوحد عن أكثر المشكلات التي تواجههم مع أطفالهم، تختلف الإجابات وتتباين، ما بين شكوى من عدم النطق والكلام، وأخرى من عدم التواصل مع المحيطين به، وثالثة من إصدار الأصوات وهكذا.

تتعدد المشكلات التي يعاني منها أطفال طيف التوحد، وهذا يعود لانفراد كل حالة بسمات تختلف عن الحالة الأخرى ولا يمكن أن تتشابه معها، ولذا كانت التسمية "طيف التوحد"؛ أي إن طيفًا واسعًا من الاختلافات والعلامات والمظاهر الخاصة بالتوحد تختلف من حالة لأخرى.

غير أن هذه المشكلات ومع التشخيص والاكتشاف المبكر، والبدء في جلسات التأهيل والانتظام بها، ومتابعة ذلك في البيت عبر الوالدين، لا تُعدُّ مشكلة كبيرة. المشكلة الحقيقية تكمن في عامل الوقت، بمعنى: متى يتحسن طفل طيف التوحد؟

أهمية التدخل المبكر

التدخل المبكر يُعدُّ الأساس الذي يعتمد عليه تحسين حياة طفل التوحد، إذا أخذنا في الاعتبار نتائج الدراسات التي تظهر أن دماغ الطفل في السنوات الأولى من الحياة يكون في أقصى درجات مرونته، وهذا يسهل عملية تكوين الروابط العصبية؛ لذلك عندما يبدأ العلاج في سن مبكرة (من عمر 2-3 سنوات)، تكون الفرص أكبر لتحسين تطور الطفل في جوانب متعددة.

على سبيل المثال، إذا بدأ الطفل التوحدي في تعلم النطق والكلام في وقت مبكر، فمن الممكن أن يبدأ في استخدام الكلمات والجمل للتعبير عن احتياجاته. في المقابل، إذا تأخر العلاج حتى سن السادسة أو السابعة من عمره، فقد يواجه صعوبة في تعلم اللغة بشكل طبيعي مقارنة بالطفل الذي حصل على دعم لغوي مبكر.

إذًا يُعدُّ عامل الوقت من العوامل الأساسية والمهمة في علاج وتأهيل طفل التوحد، إذ يُعدُّ التدخل المبكر أحد أبرز مفاتيح النجاح في تحسين حياة الطفل المصاب بالتوحد، ولذلك فإن للوقت دورٌ محوريٌّ في تحديد مدى فعالية العلاج والتأهيل.

ما يجب أن تعرفه أمهات أطفال طيف التوحد أن مشكلات طفل طيف التوحد السلوكية حتى المتعلقة بالنطق والكلام يمكن حلها، لكن ما يجب أن تركز عليه الأمهات هو: متى يكون الطفل مستعدًا لأن يكون عضوًا مقبولًا في المجتمع يتواصل معهم ويتحدث إليهم؟

على سبيل المثال

في حالة طفل يبدأ العلاج السلوكي المبكر، مثل العلاج السلوكي التحليلي التطبيقي (ABA)، يمكن تعديل سلوكياته مثل تكرار الأفعال أو رفض التفاعل مع الآخرين، ويساعد ذلك على تعزيز التفاعل الاجتماعي بشكل أكبر.

أما الأطفال الذين لم يتلقوا هذا العلاج في مراحل مبكرة فقد يكونون أكثر عرضة لاستمرار هذه السلوكيات حتى مرحلة متقدمة من العمر؛ ما يزيد من صعوبة تعديل السلوك لاحقًا.

بالنسبة للمرحلة الأولى

المتمثلة في صفات التوحد والكلام أمرها سهل ويمكن تجاوزها إذا ما التزم الأهل بالجلسات والعمل مع الطفل في البيت، وتنفيذ الإرشادات التي يوصي بها الاختصاصي المعالج، والنتائج هنا تكون سريعة وتظهر المجهود الذي تقوم به الأسرة في التعامل مع الطفل.

أفضل الطرق لاكتساب الخبرات

لكن ما يتعلق بالتواصل مع الآخرين وتكوين علاقات وصداقات، هي مرحلة أعلى من المرحلة الأولى وتحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد من قبل الأسرة من أجل أن يتقبل الطفل الخروج من حالة التوحد وقبول التواصل مع الآخرين.

الأطفال المصابون بالتوحد عادة ما يعانون صعوبة في التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين. هذا يشمل ضعف القدرة على التواصل البصري بالعين، وفهم الإشارات الاجتماعية، والقدرة على تكوين صداقات؛ لذلك يساعد التدخل المبكر الطفل في تعلم كيفية التفاعل مع الآخرين طبيعيًّا.

على سبيل المثال، إذا بدأ الطفل الذي يعاني طيف التوحد بالانخراط والمشاركة في أنشطة جماعية مع أطفال آخرين في سن مبكرة، مثل العلاج باللعب أو مجموعات العلاج الجماعي، فهذا يساعده على تعلم المهارات الاجتماعية مثل الانتظار في الطابور، تبادل الألعاب، وفهم إشارات الآخرين. ويمكن أن يساعده العلاج على تعلم كيف يعبر عن مشاعره بشكل لفظي أو غير لفظي.

علاج طيف التوحد باللعب مع الآخرين

بالطبع ليست هذه رسالة يأس وإحباط للآباء والأمهات لأطفال طيف التوحد، على العكس تمامًا، ربما تكون نقطة كاشفة لأن يتعرف الأهل على أن مراحل ودرجات طيف التوحد تختلف فيما بينها من حيث السهولة وسرعة التأهيل، فيكون بذلك لديهم معرفة وعلم بطبيعة المرحلة ومن ثم لا يصابون بالإحباط واليأس إن تأخرت النتائج مقارنة بمراحل سابقة.

هذا ببساطة لأن الخبرة لا تُتعلم ولكنها تُكتسب، بمعنى أن طفل طيف التوحد لا يمكنه تعلم العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين وهو جالس في بيته، ولكن يكتسب هذه التعاملات بالخبرة والتعامل الحقيقي والتواصل مع الآخرين في كل مكان، الأسرة، النادي، الشارع، المدرسة وغيرها.

كلما زادت تعاملات الطفل، اكتسب خبرات أكثر، وهنا يقع على الآباء والأمهات مسؤولية تصحيح الأخطاء التي يقع فيها الطفل في أثناء التفاعلات الاجتماعية، وتعريفه بما هو مقبول وما هو غير مقبول، لكي لا ينفر منه الأقران ويرفضون صداقته.

تخيل مثلًا أنك بدأت اكتشاف التوحد لدى الطفل في عمر عامين وبدأت معه رحلة التأهيل، بالطبع ستكون النتائج أفضل، والفوارق مع أقرانه أقل، عما إذا تأخر ذلك لحين بلوغ الطفل سن الرابعة أو الخامسة، وهكذا كلما كان التشخيص والاكتشاف في وقت مبكر، كلما كانت النتائج أفضل وأسرع.

اكتساب هذه الخبرات عن طريق التعامل لا شك أسهل بكثير من تعليم الطفل الكلام، لكنه يحتاج لمزيد من الوقت، لأنه وكما قلنا سابقًا، الخبرات تُكتسب ولا تُتعلم. يجب أن يمر طفلك بالمواقف المختلفة والتفاعلات مع المحيطين به لكي يكتسب هذه الخبرات بواسطة التعاملات اليومية.

ماذا عن قدرات الطفل المعرفية؟

التأهيل المبكر لا يقتصر على تحسين المهارات الاجتماعية أو اللغوية فقط، بل يشمل أيضًا تعزيز القدرات المعرفية مثل التفكير النقدي، والانتباه، وحل المشكلات لدى طفل طيف التوحد؛ فالأطفال الذين يتلقون دعمًا في مراحل مبكرة يمكنهم تطوير مهاراتهم العقلية على نحو أكثر فعالية.

على سبيل المثال، يمكن استخدام أساليب مثل التعليم الموجه لتحسين قدرة الطفل على التركيز على مهمة واحدة لأوقات أطول. مثلًا، يمكن للمعالج استخدام ألعاب تعليمية بسيطة لتدريب الطفل على تقليد الأنماط أو حل الألغاز. هذا التدريب المبكر يساعد على تقوية الدماغ ويعزز تطور مهارات التفكير المنطقي.

ختامًا، فإن عامل الوقت ليس مجرد عنصر أساسي في علاج أطفال التوحد، بل هو العنصر الفارق بين النجاح والإخفاق في عملية التأهيل لطفل طيف التوحد، فعن طريق التدخل المبكر والملائم في الوقت المناسب، يمكن تحقيق تطور ملحوظ في حياة الطفل الاجتماعية واللغوية والمعرفية.

وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم أسفل هذه المقالة في تجربتكم في تأهيل طفل طيف التوحد في سن مبكر، والنتائج التي حققها في تطور الطفل مقارنة بالأقران العاديين.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة