تعرف على بيئة التعلم في منهج منتسوري

في هذه المقالة رقم (2) ضمن سلسلة التعريف بمنهج الطبيبة والمربية الإيطالية ماريا منتسوري في التربية، سوف نلقي الضوء على بيئة التعلم في هذه الفلسفة التي تهتم بتنمية وتلبية احتياجات الطفل ورغبته في التعلم، والأدوات والوسائل التعليمية المستخدمة فضلًا على الأنشطة المتنوعة داخل فصل المنتسوري.

بيئة التعلم في فلسفة منتسوري

بيئة التعلم في فلسفة ماريا منتسوري ذات طبيعة خاصة ومعدة على نحو محدد من أجل تحقيق الأهداف التربوية التي رسمتها منتسوري التي شرحته في كتابها الشهير (العقل الممتص)، تطرقت فيه إلى فلسفتها عن كيفية تعلم الطفل.

تعتمد هذه الفلسفة بالأساس على المتعلم كونه محور العملية التعليمية، وتطلق لقدراته ورغباته العنان في اختيار نوع وطريقة التعلم التي تناسبه دون فرض أو إجبار؛ لذلك نجد أن بيئة التعلم مصممة على النحو الذي يضمن التعلم الذاتي للطفل دون النظر إلى السن، يدمج الأطفال بأعمار متفاوتة داخل الفصل الواحد.

ولتحقيق هذه الغاية -التعلم الذاتي- صممت بيئة التعلم على نحو فريد لكي تكون عنصرًا فعالًا في عملية التعلم واكتساب الخبرات، من منطلق رؤيتها بأن التعليم يجب أن يناسب الطبيعة البشرية، ويعزز نمو الطفل على نحو شامل.

بيئة التعلم في هذه الفلسفة من شأنها أن تشجع الاستقلالية والإبداع عند الطفل، كونه يختار ما يتعلمه وفقًا لاحتياجاته ورغباته، واللافت في هذه الفلسفة في هذه النقطة تحديدًا احترام رغبة الطفل وتلبية احتياجاته، فالشخص العادي يبدع ويخرج أفضل ما لديه إذا فعل الشيء الذي يحبه، فما بالنا بالأطفال الصغار عندما تعطيهم الحرية في اختيار ما يتعلمونه دون فرض أو إجبار!

اقرأ أيضًا: ماريا منتسوري.. عندما يقودك الشغف إلى الطفل

الفصول الدراسية

من هذا المنطلق صممت الفصول الدراسية على نحو مرتب ومنظم بما يتوافق واحتياجات الأطفال النمائية من الجوانب كلها معتمدًا على التجربة والاستكشاف، فنجد الفصل الواحد يضم عددًا من الأنشطة الحسية والرياضية والفنية، وأيضًا اللغة، مزودة بالأدوات والمواد التعليمية الخاصة بكل نشاط بهدف تعزيز التفاعلية من المتعلم وتنمية الجانب الاستقلالي لديه.

التنوع داخل الفصل الدراسي ليس فقط في الأنشطة والأدوات المستخدمة التي تعزز التعلم الذاتي وتشجع الاستقلالية لدى الطفل، لكن أيضًا التنوع في المتعلمين نفسهم، فنجد أنه يضم ثلاث فئات عمرية من 3 – 6 سنوات، يدمجون بهدف تنوع الخبرات وتعزيز الإثراء اللغوي وإدارة الحوار والمناقشة، فضلًا على أن هذا النوع من التعليم يأخذ الشكل الطبيعي "نظام الأسرة".

أدوات التعلم من بيئة الطفل

الجميل في الأدوات والمواد المستخدمة أنها أشياء حسية ملموسة، ومن بيئة الطفل تتناسب مع مستوى تفكيره؛ على سبيل المثال، في ركن الحياة اليومية أو العملية يضم أربعة أنماط مختلفة من التمرينات، منها ما يتعلق بأنشطة الرعاية الشخصية؛ مثل: شماعات الملابس، تلميع الأحذية، ربط الحذاء، قفل أزرار القميص.. إلخ.

 وتوجد أنشطة رعاية البيئة؛ مثل تلميع الترابيزة، إرواء النبات، وإزالة الأتربة وغيرها، فضلًا على الأنشطة الحركية التي تتضمن المشي في خط مستقيم والاتزان في أثناء الجري، والوقوف على قدم واحدة، وتوجد أيضًا أنشطة الرعاية الاجتماعية؛ مثل: المشاركة في زيارة المرضى، والعطف على الحيوان، وغيرها من الأنشطة التي تنمي مهارة التواصل الاجتماعي لدى الطفل.  

لا شك بأن هذه الوسائل من شأنها مساعدة الطفل على اكتشاف أخطائه بنفسه، وهو ما نسميه التصحيح الذاتي والتعلم من الأخطاء، فقد صممت لتنمية مهارة واضحة ومحددة لدى الطفل، وتساعد على التفاعل الإيجابي مع أقرانه، فضلًا على جاذبية الوسائل المستخدمة لأنظار المتعلمين كونها من بيئة المتعلم وتغرس فيه الاستقلالية في التعلم والاعتماد على النفس.

اقرأ أيضًا: منهج مونتسوري لتعليم الأطفال بالطرق الحديثة

حمل الكرسي

أحد أنشطة الحياة العملية في فلسفة منتسوري على سبيل المثال حمل الكرسي، أدواته كرسي أطفال صغير، وكتاب أو لعبة، وترابيزة صغيرة لعمر عامين أو أكثر، يهدف هذا النشاط إلى تدريب الطفل على النظام والهدوء، وتنمية الحركات الكبرى، فيضع المتدرب يده على ظهر الكرسي من الخلف، واليد الأخرى تحت قاعدة الكرسي من الأمام، ثم يرفع الكرسي عن الأرض بهدوء ويسير ببطء حتى يصل إلى الترابيزة، قبل أن يضع الكرسي على الأرض ابتداء بالأرجل الخلفية بهدوء، ثم الأرجل الأمامية أمام الترابيزة.

ثم يختار المتدرب كتابًا أو لعبة -حرية المتعلم- يتصفحه ويشاهده وبعد الانتهاء منه يقول: "انتهيت"، يقف المتدرب بعدها ويدفع الكرسي إلى الخلف ببطء ودون ضوضاء، ثم يرفع الكرسي ويدفعه بهدوء نحو الترابيزة، قبل أن يعيد الكتاب أو اللعبة التي شاهدها إلى المكان المخصص لها.

هذا واحد من ضمن أنشطة كثيرة في مجال الحياة العملية، من شأنها تدريب الطفل على الاستقلالية والاعتماد على النفس، وتعويده من صغره على النظام والترتيب، وهي واحدة من المشكلات التي تشكو منها كثير من الأمهات، وهي غياب الترتيب والنظام، والفوضوية التي يعيشها أبناؤها في مناحي الحياة كلها.

تشكو من عدم ترتيبه لغرفته بعد استيقاظه من النوم، ومن عدم ترتيب كتبه ووضعها في درج المكتب المخصص لها، وعند العودة من المدرسة يلقي بشنطة المدرسة وملابسه في أي مكان، وتتضح أهمية منهج منتسوري في تعويد أطفالنا منذ الصغر على النظام والترتيب.

المشي على الخط

في هذا النشاط المختلف تمامًا عن النشاط السابق في أهدافه وأدواته والجوانب التي ينميها في شخصية الطفل، أدواته هي: شريط لاصق عريض ملون، يسير الطفل في طريق مستقيم، وبتوازن في أثناء السير، فلا يميل يمينًا أو يسارًا، ويناسب هذا النشاط الأطفال بدءًا من عامين فأكثر.

يلصق الشريط اللاصق على الأرض بطول متر ونصف أو متر تقريبًا في منتصف الغرفة -الفصل الدراسي-، يقف الطفل على بداية الخط، ويسير إلى الأمام مع وضع قدم أمام الأخرى وفرد الذراعين للحفاظ على التوازن، يمشي على الخط إلى نهايته، قبل أن يستدير، ويعود مرة أخرى ويسير على الخط نفسه.

اقرأ أيضًا: السنوات الأولى في عمر الطفل كما تراها ماريا منتسوري

يوجه سؤال للطفل: هل أحببت هذا النشاط؟

لاحظوا أن النشاط يحترم رغبة المتعلم فهو من اختاره أولًا، ثم بعد الانتهاء منه، يتحقق مرة إذا كان النشاط محببًا له أم لا.

توجد إضافات لهذا النشاط يمكن عملها، كأن توضع سلة في نهاية الخط وجانبها كرة يلتقطها الطفل عند الوصول إلى نهاية الخط ليضعها في السلة، إن هذا النشاط يمكن تطبيقه بسهولة داخل البيت، فالأدوات كما أسلفنا من بيئة الطفل وفي المتناول، يمشي الطفل على الخطوط الموجودة على السجادة أو البلاط في غرفة البيت.

ويمكن رسم دائرة أو مربع على الأرض بدلًا من خط مستقيم، عندما نتحقق من زيادة مهارة الطفل يمكن عندها حمل كوب ماء بشرط ألا يقع السائل، ويفضل أن يكون الكوب من البلاستيك، أو أي مادة أخرى غير قابلة للكسر، أو حمل الكرسي الخاص به بدلًا من كوب المياه.

تعليق الجاكيت

من الواضح جدًا للأمهات أن هذه الأنشطة وتدريب الطفل عليها من عمر عامين فأكثر، لا شك أنها تعوده منذ نعومة أظافره على النظام والترتيب، فينشأ مبغضًا للفوضوية، محبًّا للنظام، مطيعًا للتعليمات والأوامر، وهذه كلها مبادئ وأسس أساسية في تربية الطفل.

في هذا النشاط تبدو أدواته بسيطة ومن المنزل، جاكيت وشماعة حائط أو علاقة لتعليق الشماعة داخل الدولاب، يهدف هذا النشاط إلى تنمية الجانب الاستقلالي لدى الطفل، والاعتماد على النفس فضلًا على تنمية المهارات الكبرى والصغرى سواء في خلع الجاكيت أم تعليقه على الشماعة.

يأخذ الطفل الشماعة بالجاكيت عن العلاقة، ثم يضع الشماعة التي بها الجاكيت على الترابيزة أو السرير، ويسمى النشاط من قبل المدرب أو المعلم، يجلس الطفل على الكرسي على نحو تكون السوستة في مواجهة الطفل، يفتح السوستة من أعلى إلى أسفل، ثم يفتح طرفي الجاكيت طرف ناحية اليمين والآخر ناحية اليسار، ثم يخلع الشماعة من الجاكيت.

يرتدي الجاكيت، ثم يضعه على الترابيزة أو السرير وتكون السوستة في مواجهة الطفل، ثم توضع الشماعة داخل جوانب الجاكيت، ثم نغلق السوستة ونمسك الشماعة بالجاكيت، ويضعها الطفل على علاقة الحائط أو الدولاب، ثم نسأل الطفل: هل أحببت النشاط؟

هل رأيتم التآزر الحركي البصري في هذا النشاط؟ هل لاحظتم الحركات الكبرى والصغرى في تعليق الجاكيت؟ هذه بعض من المهارات التي يكتسبها الطفل من ممارسة نشاط كهذا ضمن فلسفة منتسوري في التعليم.

اقرأ أيضًا: تعرف على تأثير ألعاب المنتسوري على الأطفال

نقل الماء بالإسفنج

هذا النشاط مهم جدًا للأمهات التي ترغب في تعويد طفلها على مسك القلم وتعلم الكتابة في سن مبكرة، أدواته صينية، ووعاءان متوسطا الحجم أحدهما به كمية من الماء والآخر فارغ، وقطعة إسفنج ومفرش بلاستيك ومريلة وفوطة.

يهدف النشاط إلى تدريب الطفل الاعتماد على نفسه، وتنمية المهارات الدقيقة، وتدريبات الكتابة، وتناسب عمر أربع سنوات، يوضع المفرش على الترابيزة، والصينية فوقها وتكون في مواجهة الطفل.

يمسك الطفل قطعة الإسفنج ويضعها في الوعاء الأول الممتلئ بالماء حتى تتشرب كمية كبيرة من المياه، يرفع يده بقطعة الإسفنج الممتلئة بالماء لأعلى حتى يتساقط منها الماء الزائد، قبل أن ينقلها إلى الوعاء الثاني الفارغ.

يضغط الطفل بالضغط على قطعة الإسفنج حتى تنزل المياه منها داخل الوعاء الفارغ، تكرر هذه العملية حتى تنقل كمية المياه الموجودة بالوعاء الأول إلى الوعاء الثاني، يجفف الوعاء الفارغ ثم تعاد المياه من الوعاء الثاني إلى الوعاء الأول، ويقول "فاضي أو فارغ".

يمسك الطفل قطعة الإسفنج ويعيد المياه من الوعاء الثاني إلى الوعاء الأول، ويقول: "فاضي أو فارغ"، ثم يعيد قطعة الإسفنج إلى مكانها في الصينية أمام الوعاءين، وفي نهاية النشاط، نسأل الطفل: هل أحببت النشاط؟

اقرأ أيضًا: تعرَّف على دور المعلم وفق منهج منتسوري

الخلاصة

خلاصة القول، تنبع أهمية منهج منتسوري كونها تنطلق من اهتمامات الطفل، وتنمي الجوانب كافة، بعدّه محور العملية التعليمية، حتى الأنشطة والأدوات المستخدمة، من بيئة الطفل، ويمارسها في البيت والمدرسة على السواء، فيشب على حب النظام والترتيب، مبغضًا الفوضى والعشوائية، ومطيعًا للوالدين، وهذا ما تتمناه الأمهات في طفلها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة