تربية الأبناء من الأشياء التي تحتاج إلى الصبر والمثابرة وطول البال، لذلك، توجد مقولة جميلة تقول: "يمكن لأي شخص أن يكون أبًا، لكن ليس أي أحد يكون مربِّيًا."
من أجل تربية جيل من الأطفال سليم نفسيًّا وعاطفيًّا، يجب مراعاة عدد من القيم والمبادئ التي تسهم في النمو المتوازن للأطفال. لكن للأسف، هناك بعض الأساليب السلبية التي قد تؤدي إلى تدمير صحة الطفل النفسية والعاطفية، ما يعيق نموه على نحو سليم.
من بين هذه الأساليب الخمسة السلبية التي تُعدُّ من "المدمرات" الكبرى للتربية: الشتم، التهديد، الضرب، التفرقة في المعاملة، والعصبية. وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل في هذه المقالة.
المدمر الأول السب
من أسوأ الأفعال التي يمكن أن يقوم بها الأهل تجاه أطفالهم السب والشتم بأقذع الألفاظ، فلا يكتفي المربِّي فقط بالإهانة والتجريح، بل أيضًا يُعلِّم طفله ألفاظًا بذيئة. فالطفل، لا سيما في السنوات الأولى من حياته، كالإسفنج، يتشرب كل ما يسمعه، خاصة من والديه.
الأطفال، تحديدًا في مراحل الطفولة المبكرة، حساسون للغاية لكلمات وآراء من حولهم، وبخاصة عندما تصدر هذه الكلمات من الأشخاص الذين يحبونهم ويراعونهم، مثل الوالدين أو المعلمين.
لا شكَّ أن اللغة السلبية المليئة بالسباب والشتائم تترك أثرًا سيئًا في نفس الطفل، ما يعزز شعوره بعدم التقدير أو تقليل احترامه لذاته.
عندما يتعرض الطفل للسباب والشتائم على نحو متكرر من الوالدين أو من يقوم مقامهما من الجد والجدة والخال والعم وغيرهم، يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، مثل القلق والاكتئاب.
ليس هذا فحسب، ففي الوقت الذي يبحث فيه الوالدان عما يقربهما من أطفالهما، بهذا التصرف والسلوك الخاطئ، تزيد الفجوة بينهما، فتتدهور العلاقة وتكثر المشكلات، لا سيما في مرحلة المراهقة.
لذلك، من الضروري جدًّا على الأبوين أن يُحسِنا اختيار الكلمات بعناية. واستخدام أسلوب الحوار البنَّاء هو أمر حيوي لضمان نمو الطفل صحيًّا.
المدمر الثاني التهديد
التهديد من الأساليب التربوية التي تُستخدم أحيانًا في عقاب الطفل إن أخطأ، غير أن الإفراط فيه يؤدي إلى نتائج عكسية، ويصبح جزءًا من أساليب التربية القاسية.
التهديد الذي نقصده هنا هو الذي يعتمد على استخدام الخوف للتأثير في سلوك الطفل. كأن يقول الأب أو الأم لطفله: "إذا لم تفعل هذا، سأعاقبك" أو "لن أتكلم معك إذا قمت بهذا التصرف." هذه أمثلة على التهديدات التي قد تترك آثارًا سلبية على شخصية الطفل.
التهديد لا يُعلِّم الطفل كيف يتعامل مع مشاعره أو كيف يكتسب القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، بل يزيد من شعوره بالضعف والخوف. كما أن التهديدات المستمرة قد تؤدي إلى فقدان الثقة بين الطفل ووالديه.
المدمر الثالث الضرب
واحدة من أسوأ أساليب التربية التي، وبكل أسف، لا تزال سائدة إلى يومنا هذا، بل ويدافع عنها من يؤمنون بأنها الأسلوب الأمثل لتربية الأبناء على الطاعة منذ الصغر، متعللين بأنهم تربوا أفضل تربية بفضل هذا الأسلوب في التربية.
غير أن الحقيقة التي يجب أن يدركها المربُّون أن الضرب من أسوأ الأساليب التي يمكن أن يستخدمها الأهل في محاولة لتوجيه سلوك أطفالهم.
هذا ما تؤكده الدراسات التي أثبتت أن الضرب يؤدي إلى تأثيرات سلبية طويلة الأمد، فالأطفال الذين يتعرضون للضرب يصبحون أكثر عرضة للسلوك العدواني في المستقبل، وقد يعانون مشكلات في التفاعل الاجتماعي والعاطفي، ثم إن الضرب يؤدي إلى تدمير العلاقة بين الأهل وأبنائهم، ويزرع مشاعر الغضب والكره في قلب الطفل.
وأذكِّركم ونفسي بالمقولة التربوية القائلة: "كثرة المساس تميت الإحساس"، ولا أدل على ذلك من بعض الكلمات المعبرة من الآباء الذين يسلكون هذه الطريقة في التربية، عندما يصفون طفلهم بالمتبلِّد الذي لا يشعر بالضرب، بل ربما يتلذذ به.
المدمر الرابع التفرقة في المعاملة بين الأبناء
تُعدُّ التفرقة في المعاملة بين الأبناء من الأساليب التربوية الخاطئة التي تخلق مشاعر الحقد والغيرة بين الأشقاء.
فالطفل عندما يشعر بأنه يُعامل بطريقة غير عادلة مقارنةً بإخوته، سوف يشعر بالظلم والرفض، وهو ما يؤدي إلى ظهور مشاعر الغيرة وتدهور العلاقات الأسرية.
ليس هذا فحسب، بل إن التفرقة بين الأبناء في المعاملة تجعل الطفل يشعر بأنه غير محبوب، ما يؤثر على ثقته بنفسه، ويقلل من تقديره لذاته، ويؤثر على صحته النفسية بوجه عام.
لا يوجد مبرر للتفرقة بين الأبناء؛ لأن تأثيراتها في النهاية تكون مدمرة على المدى الطويل، فالطفل الذي يشعر بالتفرقة يلجأ إلى سلوكيات عدوانية للتعبير عن مشاعره، وقد تؤدي إلى التمرد والعصيان في محاولة لجذب اهتمام الوالدين.
هذه الأجواء من شأنها أن تُخلِّف صراعًا داخل الأسرة، بين الأبناء بعضهم البعض من جهة، وبين الأبناء والوالدين من جهة أخرى؛ لذلك من المهم أن يتم التعامل مع جميع الأطفال بالقدر نفسه من الحب والاحترام.
لتجنب التفرقة بين الأبناء، يتعيَّن على الوالدين العدل والمساواة بين جميع الأبناء في المعاملة دون تفرقة أو تفضيل لأحد الأبناء على الآخرين. أيضًا، التواصل الفعَّال بين الوالدين والأبناء، والاستماع إليهم ومعرفة ما يؤرقهم أو يقلقهم، أمرٌ في غاية الأهمية.
على الوالدين الاعتراف بوجود فروق فردية بين الأبناء، وأن لكل طفل قدراته وإمكاناته الخاصة به، وعليه احترامها.
من الوسائل الفعالة في تجنب الوقوع في فخ التفرقة بين الأبناء، تشجيع الوالدين الأطفال على التعاون ودعم بعضهم البعض، ما يساعد في تقوية الروابط الأسرية وتجنب الصراعات.
المدمر الرابع العصبية
ربما جاز لنا أن نطلق عليها "وباء العصر" المتفشي في معظم بيوتنا للأسف الشديد، إذ لا يكاد يخلو بيت من أم عصبية أو أب عصبي.
العصبية ورفع الصوت على الأطفال باستمرار تُعدُّ من أسوأ الأساليب التي يمكن أن تؤثر سلبًا على النمو النفسي للطفل.
فالطفل الذي يتعرض لتهديدات أو صراخ من والديه يشعر بالإحباط والتوتر، ويبدأ في الابتعاد عنهم. العصبية المستمرة تولِّد بيئة من القلق والخوف في الأسرة، ما ينعكس على سلوك الطفل وقدرته على التأقلم الاجتماعي.
قد تؤدي العصبية أيضًا إلى شعور الطفل بالعجز عن تلبية توقعات والديه، ما يؤدي إلى تدني مستواه الأكاديمي والعاطفي.
التأثيرات النفسية
هذه المدمرات الخمسة للطفل تؤدي إلى تداعيات نفسية شديدة الخطر على الأطفال؛ لذلك نجد هؤلاء الأطفال دائمًا ما يعانون فقدان الثقة بالنفس والشعور بالدونية، وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب.
أيضًا، صعوبة في العلاقات الاجتماعية: التفرقة بين الأطفال أو استخدام أسلوب الضرب قد يجعل الطفل يعاني في علاقاته بأقرانه وأفراد عائلته.
الأطفال الذين يتعرضون للضرب أو الشتم قد يكتسبون سلوكيات عدوانية تقلل من قدرتهم على التفاعل صحيًّا مع الآخرين، كون الأطفال ينفرون منهم بسبب عدوانيتهم اللفظية والجسدية.
ختامًا، تعتمد التربية الصحيحة على الحب، والاحترام، والتفاهم، والتوجيه بإيجابية. من أجل تربية جيل سليم، يجب على الآباء والمربين تجنب هذه الأساليب والتركيز على تعزيز الثقة بالنفس، وتقديم الحب غير المشروط، وتوجيه الأطفال بالطرق الإيجابية التي تساعدهم على النمو والتطور الصحيحين.
معلومات قيمة ومفيدة جدآ
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.