تعرف على أصول الكتابة عبر التاريخ

كان اختراع الكتابة علامة فارقة مهمة في تاريخ البشرية، وقد عبر عنها المؤرخ والمستشرق الأمريكي جيمس برستد، عندما قال: «إن اختراع الكتابة بعدِّه نظامًا مناسبًا لوضع علامات على الورق، أدى دورًا أساسيًّا في تطور الكتابة، والجنس البشري، ما لم يحققه أي إنجاز فكري من قبل».

آراء المفكرين الذين عدوا اختراع الكتابة

ولا يمكن إنكار آراء المفكرين الكبار، كارلايل وكانط وميرابو ورينان، الذين عدوا اختراع الكتابة نقطة انطلاق حقيقية لولادة الحضارة، ويدعم هذه الآراء أيضًا القول المأثور الشائع لعلماء الأنثروبولوجيا: «كما تميز اللغة بين البشر والحيوانات، فإن الكتابة تميز بين البشر المتحضرين والبشر المتوحشين».

ما مدى أهمية هذه الآراء من منظور تاريخي؟ فهل الكتابة حقًّا هي العامل الرئيس الذي جعل الهمجي متحضرًا؟ إن الإجابة على هذا السؤال لا تخلو من المخاطر؛ لأن ظهور الكتابة في المجتمعات القديمة تزامن مع تطور هذه المجتمعات في مختلف مجالات الحياة، وارتبط تقدمها بصعود القوة والفنون والتجارة والمناجم والزراعة وجميع أنواع الاتصالات.

وهو وضع لم نلاحظه في العصور السابقة دون الكتابة، لكن لا يوجد ما يشير إلى أن ظهور الكتابة كان السبب الرئيس لولادة هذه الحضارات الجديدة، ويبدو واضحًا أن كل هذه العوامل مجتمعة -الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية- سهلت بناء صرح الحضارة كوَّنت وحدة متماسكة لم تكن لتتحقق لولا الكتابة، والحضارة لم تكن لتوجد لولا وجود الكتابة.

يبدو من الصعب أن نجد في مجتمعنا الحديث إنسانًا متعلمًا وذكيًّا يجهل أصول الكتابة والقراءة؛ لأن فن الكتابة منتشر جدًّا وجزء لا يتجزأ من ثقافتنا.

ماذا يحدث إذا فقدنا قدرتنا على الكتابة؟

لقد قطعنا شوطًا طويلًا منذ العصور الوسطى عندما رسم الأميون الرموز، أما اليوم فلن يكون لدى الأمي أمل في المشاركة في تقدم البشرية، وهذا صحيح بالنسبة للفرد وجميع الفئات والفئات الاجتماعية، وقد تكون هذه القضية أكثر حساسية بالنسبة لمجتمعاتنا الغربية.

من السهل جدًّا إدراك أهمية الكتابة، عليك فقط أن تتخيل عالمًا دونها، كيف سنكون في عالم دون كتب، ودون صحف، ودون رسائل؟ ماذا سيحدث لوسائل تواصلنا وتفكيرنا إذا فقدنا فجأة قدرتنا على الكتابة ولم نتمكن من قراءة الرسائل التي تحكي ماضينا؟ الكتابة هي مصدر رزقنا، قد تكافح حضارتنا من أجل البقاء في غياب المال والمعادن والإعلام والقاطرات والكهرباء، لكن قوتها ستنهار في غياب الكتابة.

إن ظهور الكتابة وانتشارها في حضارتنا أدى إلى غياب تقاليد لا تقل أهمية، ونعني بها التقاليد الشفهية، كما يظهر ذلك بوضوح بمقارنة ما نعرفه عن أسلافنا بالمعرفة التي يمتلكها البدوي الأمي من أسلافه.. يفتقر هذا البدوي إلى وثائق مكتوبة لمعرفة تاريخ عائلته أو قبيلته ويعتمد فقط على ذاكرته، وبالحفاظ على أحداث الماضي، يمثل الكلام الوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها نقل معرفته إلى الآخرين.

أهمية الاستخدام المكثف للسرد

إن الاستخدام المكثف للسرد الشفهي يساعد في الواقع على تقوية الذاكرة، وهذا أمر مؤكد، فقد كان حكماء الهند يتلون les vedas عن ظهر قلب، وكان اليونانيون قادرين على الاحتفاظ بالإلياذة والأوديسة في ذاكرتهم، أما نحن، فلا نحتاج إلى الاعتماد على ذاكرتنا للحفاظ على أدبنا الكلاسيكي.

إذ يمكن العثور عليه في هيئة مخطوطة في الكتب، وهي صيغة ex libro doctus التي تنطبق على معظمنا، فالثقافة الحديثة ليست المعرفة الموجودة في العقل فحسب، بل هي أيضًا القدرة على العثور على ما نحتاج إليه بالاعتماد على الكتب والمكتبات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة