تساؤلات حول سؤال الهوية

شغلت قضية الإصلاح منذ اللحظة التأسيسية الأولى -الحملة الفرنسية على مصر- بما خلفت من آثار وما أدته إلى تباين الرؤى وتعدد القراءات فيما حدث.

متى ظهرت الدعوة للحداثة

تعددت الدلالات ونتج عن تلك اللحظة إشكالية الحداثة، وهل وجب علينا أن نتبع الغرب الغازي اتباعاً خالصاً، وننحو المنحى الحضاري ام نتمسك بما هو يؤكد الهوية الخالصة دون التأكد بما هو موجود لصلاحيته أو محاولات التوفيق بين ما هو حالي أو مستقبل عبر تلك الأفكار الإصلاحية.

وحتى هذا التيار أخذ من النموذج المفروض عليه وذهب نحو التطور الحداثي الغربي، وكانت التيارات بمختلف اتجاهها تنمو داخل الثقافة العربية، وتزداد الهوة بين العربي والغربي، هزمت تلك الهوية الخالصة، وهوت فلم تتمكن من الاندماج العضوي في مجتمعنا العربي، ولم نفهم الإشكالية الحقيقية من سؤال الحداثة، فأنتجنا وعياً غير مطابق مجتمعياً.

الحاجة كانت للتقدم من خلال النسق الأوروبي بما يحمل من شعور الدونية للتفوق الغربي المعاش، بدت القراءات للتراث كسمة مميزة للمشاريع الفكرية العربية، لكن ما أهمية طرح مناهج غربية بثياب عربية أغفلت فيها الشروط التاريخية، مع تعالٍ واضح لدور العقل، وكأنه ذلك الإله الفاعل والمنتج والممارس للحداثة، فالرؤية الجديدة للفكر العربي انطوت على سياقات ومناهج أراد أصحابها اختبارها في الثقافة العربية مبرهنين لنا ضرورة اتباع ذلك الطريق الواحد الأوروبي كشرط للنهضة.

ستجد أيضاً على منصة جوك العدو و العدوى..صناعة الحكومات

تاريخ هيمنة الفكر الأوروبي 

وتم اختزال الأفكار جميعها في آلية اللامعقول الأوروبي في لحظة تأسيسه للحداثة الديكارتية، والذي شطر العالم والكيان الإنساني إلى عقل ومادة؛ ليغدو عالماً جديداً، عالم ثنائياتٍ، عالماً لا يؤمن بالميتافيزيقا، ولكن يؤمن  بحضوره الكلي والشامل في عالم الطبيعة والمادة، فلا وجود هناك لعالم متعدد الأبعاد.

فالحقيقة المطلقة في عالم الأرضي المحسوس بعدما انتفى المتعالي في العلم، ونزل على الأرض باعتبار الشرط الإنساني الفاعل، ولم يكن اندماجاً، بل انتفاءً للمتعالي في عالمٍ اندمج فيه الآلي بالبشري؛ ليشكل عالماً طبيعياً تاماً محكوماً بقوانينه، حتمياً قادراً على التنبؤ بمجريات أموره.

فلا غرو ألا يرى هيجل تاريخاً بعد تاريخ القومية الروسية باعتبارها نهاية للتاريخ الإنساني، فهذا واقع الأوروبي الذي أعاد تشكيل العالم مرة أخرى كسلعة أو كقيمة استعمالية قيمتها تكمن في مردودها النفعي كدلالة هيجل في معناه، فلا يتحقق الشيء إلا في أثره المتعين، فينطلق الرجل الأوروبي كمتحايل على كل الكون باعتباره المهيمن الأوحد.

ليبدأ تاريخاً يمنحنا فيه التجارب الاستيطانية، ولا شك أن عوالمنا فُرض عليها تشتت هويتها في اختزال ما وصل إليه الرجل الغازي، وهي التكنولوجيا بما هي واجب لا نتيجة، فمن حضارة راهنة لرأس المال محتكرة في مجموع مؤسساته تتلألأ في فتوحاته الاستيطانية في العالم كفاعل ممارس لهيمنته من خلال فرض المعاني الخاصة به فرضاً قسرياً أو غير ذلك.

فلا خصوصية تاريخية لتراث ثقافي، وانتهينا إلى المعيارية كدول مقسمة من قبل المستوطن تعبث في صنميتها بوجوب واقع مهيمن لتثبيت أقدام السلطة القائمة الممارسة على رعاياها لسلطة أكبر -سلطة الاستعمار- تمارس سلطتها بإرادة الفاعل المتمتع بالسلطة.

ستجد أيضاًعلى منصة جوك الجزء الأول من قصة الدم المقدس

استيطان في لحظة حرجة تمارسه سلطة غير مرئية تشير إلى وقائع غير ثابتة -جمود الفكر الغربي- كعلامة لوقائع ثابتة للتفوق الغربي مستعينة بنموذجها التفسيري الحتمي المفروض قسراً في مرحلة التوسع الاستعماري الكولونيالي كزمن متوقف عند العرب، ولن ينحروا تلك اللحظة الميتة في تاريخ العرب إلا من خلال التشكل المفروض -الخارجي-، ولا أتصور تلك العلاقة إلا كعلاقة زواج مدعومة بعنف مشروع.

هيمنة الدولة لصالح أصحاب النفوذ

الإنسان الأوروبي المهمش من قبل الدولة المسيطرة عليه تماماً من خلال العقد الاجتماعي الذي لا يتوانى في معيشة صراعه الفردي، فسلم أموره تماماً للدولة، فذلك رسخ حضور الدولة في أذهان مواطنيهم، وتم تكريس ذلك من خلال تبرير أولي لسياسة الدولة في السيطرة على شعبهم، وإخضاعهم لهيمنة الدولة، وإطاعتهم لأصحاب النفوذ داخلها.

الاستيطان المتفوق قد شطر ذواتنا وجعلها في لحظة مصيرية في السؤال المفروض: ما النهضة؟ وتكاثرت الأسئلة حول التنمية، والحداثة، والأصالة، و......، ولكن المضمون واحد، ولكن السؤال الأهم من طرح ذلك السؤال؟ هم مفكرو الاستغراب -الاستيطان- الذين يتكلمون بلغة الاستيطان الذين خدعوا بالسطح اللامع الخادع للدولة الكولونيالية.

ونسوا أن حركات الاستيطان تلك تغدو أن تخرجنا من التاريخ الحي لفوضى التساؤلات، وإدخالنا في هوة التراث، وجعلنا نعدم الطريق إلا الطريق لذلك التراث باعتباره هو الحل الوحيد والناجع للخروج من تلك الأزمة.

 

سؤال الهوية سؤال مفروض من تلك القوة الخارجية، وإلا فمن منا لا يعرف ذاته، وإلا كيف هزم المصريون بنادق ومدافع الفرنسيين، وهم يشعرون بذلك الضعف في حين أن نابليون هو فاتح أوروبا ورجلها المنتصر، وما زاده هؤلاء المتنورون  المغتربون إلا تأزماً  من قبل أسئلة مفروضة قسرياً، فلا سبيل للنجاة إلا سبيل الأوروبي، بوصفه ممتلكاً للحقيقة الدائمة، وتلك الحقيقة لن تتحقق إلا عندما يتحقق الوعي التاريخي بأي عملية للتحديث، وعلينا أن نعي قوة مجتمعنا، وليس قوة مستوطنيها، فعملية التحدي والتغيير هي فعل ثوري يرافق جميع التحولات الكبرى.

ستجد أيضاً على منصة جوك أقدم وأقوى الحضارات في العالم عبر التاريخ

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة