«تساؤلات السيد ضفدع».. قصة قصيرة

لم تكن حياة السيد ضفدع سهلةً أبدًا، فقد كان يستغرق يومه في صيد الذباب على ضفةِ البركة، يختبئ من الجوارح التي تنقضُّ عليه لتفترسه، لا يلوي على شيءٍ غير الهرب وصيد الذباب، لا يكف عن القفز والنقيق كأي ضفدعٍ. لكنَّ السيد ضفدع تميِّزه عن غيره من الضفادع خصلةٌ شارك فيها بني الإنسان، ونالها بأن جعلناه السيد ضفدع لا مجرد ضفدعٍ بلا سيادة، ألا وهي خصلةُ التفكير.

السيد ضفدع ما توقف قط عن سؤال نفسه أسئلةً عجيبةً على ما علمتم من مشقته في اصطياد الذباب، والفرار من الجوارح. من أمثلة تلك الأسئلةِ أنه ذات يومٍ وبينما هو جالسٌ على دفة البركة مطلقًا لسانه يمنة ويسرة، يلتقط كل حشرةٍ تلمحها عيناه ويدركها لسانه، خطر خاطرٌ بباله الهلامي يقول: لمَ نحن الضفادع كائناتٌ أقل شأنًا من بني الإنسان؟! ألأنهم يفكرون ويعملون؟ أم لأنهم قد كُلِّفوا ما لم نُكلَّف؟!

نحن الضفادع نعمل كما يعملون، فنسعى جهدنا لنأكل أقواتنا، حشرةً من هنا على حشرةٍ من هناك، إلى أن نفي بحق أجسادنا علينا، وهم يجمعون المال بلهفةٍ كلهفةِ ألسنتنا على الذباب، غير أنَّ أنفسهم تذهب حسراتٍ على ما يفوتهم من مالٍ، ونحن لا تذهب ألسنتنا حسراتٍ على ما يفوتنا من ذباب!

نحن الضفادع نفكر، غير أن تفكيرنا لا شبه بينه وبين تفكير الإنسان، نحن نفكر لننجو من مخالبٍ تترصدنا لتفترسنا، والإنسان يفكر لينجو، ويفكر ليقتات، ويفكر لا لشيءٍ إلا ليهلك نفسه بالتفكير!

فنحن وبنو البشر نعمل ونفكر، وفرقٌ بين عملنا وعملهم، وتفكيرنا وتفكيرهم. إننا نأكل الذباب على الحقيقةِ بلا كذبٍ أو خداع، وهم يأكلون الذباب على مجازٍ تصنعُه عقولهم، فتجعل من الأمرِ حقيقته الذبابةُ أمرًا عظيمًا شريفًا كأنما المباهاة بذبابةٍ توهموها صقرًا يجعل منها صقرًا على الحقيقةِ، وهيهات أن تصير الحشرة إلا حشرة، والصقر إلا صقرًا!

فإن كانوا قد كُلِّفوا ما لم نُكلَّف فذلك أنهم أُعطوا ما لم نعطَ!

وختم خاطرُ السيد ضفدع دفقته: ألستُ على حقٍّ في ما قلتُ يا نفسي؟

 ولعل خاطرًا يأتي فيبَصِّرني مكمن خطئي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقارنة لطيفة ومعبرة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة