التربية الجيدة -أو لنقل المصطلح الذي لا يروق لكثير من الآباء والأمهات، التربية الإيجابية- تهدف في المقام الأول إلى تنشئة طفل سوي في بيئة آمنة صحيًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا، فيشب مقبلًا على الحياة محبًّا للآخرين.
ولأنه طفل فالأخطاء لا تتوقف، وكلما زادت أخطاؤه، كان ذلك دليلًا على تفاعله مع البيئة المحيطة به من الأسرة والأصدقاء والزملاء بالنادي والمدرسة والشارع وغيرها.
تقوم التربية الإيجابية بالأساس على فكرة الحوار والنقاش، ورفض الضرب وكل ما من شأنه أن يلحق الأذى البدني أو حتى النفسي والعاطفي بالطفل.
لذلك يعد أسلوب الخصام من الأساليب التربوية الفعالة التي برزت مؤخرًا لنتائجها الفعالة والمبهرة في تقويم سلوكيات الطفل.
قد يهمك أيضًا لماذا لا تجرب هذه الطريقة في العقاب بدلًا من الضرب؟
ماذا يعني العقاب بالخصام؟
الخصام هو أسلوب عقابي يستخدمه الآباء والأمهات والمربون يهدف إلى تحقيق التأثير التربوي في الطفل دون اللجوء إلى العنف البدني أو النفسي.
وهو أحد الخيارات التي تتيح للوالدين والمعلمين التأثير في سلوك الطفل على نحو أكثر هدوءًا وفاعلية.
حيث يتم فيه التوقف عن التواصل مع الطفل مدة قصيرة؛ بهدف التأثير فيه دون المساس بكرامته أو صحته النفسية.
خصام الأم لطفلها المخطئ عقاب لا يمكن للطفل تحمله، لا سيما إذا كانت العلاقة بينهما قوية ومتينة، ويرتبط الطفل بأمه ارتباطًا عاطفيًّا يجعله لا يستطيع التخلي عنها أو مفارقتها دقائق.
غير أن الخصام لا يعني معاقبة الطفل بالحرمان من الأشياء المادية أو إظهار مشاعر الغضب تجاهه، بل هو أسلوب لتوجيه الطفل إلى أهمية سلوكياته بواسطة الابتعاد عنه مدة زمنية محددة؛ ما يمنحه فرصة للتفكير في تصرفاته وسلوكياته بطريقة هادئة، في حين أن ذلك لا يكون مصحوبًا بالضرب أو الصراخ.
قد يهمك أيضًا لا للضرب.. تعرَّف على أسلوب العقاب بالزجر وفوائده التربوية
ما الهدف إذن من العقاب بالخصام؟
الخصام -بصفته أسلوبًا عقابيًّا- يحقق كثيرًا من الأهداف التربوية التي تُسهم في نمو شخصية الطفل على نحو إيجابي.
فرصة للتفكير
الخصام يعطي الطفل فرصة للتفكير في الأخطاء التي وقع فيها، ومن ثم يحاول إصلاحه أو تعديله بهدف كسب ود الوالدين، وهو فرصة لأن يفكر الطفل بهدوء بعيدًا عن أي مؤثرات، وبذلك يعيد ترتيب الأفكار، بدلًا من الانفعال اللحظي.
الوعي بالخطأ
كثير من الأخطاء التي يقع فيها الأطفال تكون غير مقصودة أو متعمدة منه على عكس ما يتوقع كثير من الآباء والأمهات والمعلمون، الذين مروا بهذه التجارب في هذه السن المبكرة عندما كانوا صغارًا، فأصبحت آراؤهم ووجهات نظرهم التي تشكَّلت اليوم وهم آباء، نتاج هذه الأخطاء والتجارب التي مروا بها عندما كانوا أطفالًا صغارًا.
هكذا الأطفال يتعلمون من الأخطاء التي يقعون فيها، ويهدف الخصام إلى جعل الطفل يدرك أنه ارتكب خطأ ما، وأن سلوكه هذا غير مقبول، ما قد يدفعه إلى التفكير قليلًا ومحاولة التصحيح.
احترام الحدود
من بين الأهداف التي نسعى لتحقيقها بالخصام، أن يتعلم الطفل أنه توجد عواقب لتصرفاته الخاطئة تجاه الآخرين، ممن لديهم حقوق علينا، وهو ما يجعله يدرك ضرورة احترام حدود الآخرين.
هذا فضلًا على كون العقاب بالخصام أسلوبًا تربويًّا بديلًا عن أسلوب الضرب والإيذاء البدني الذي يمس بكرامة الطفل وحريته.
قد يهمك أيضًا النظرة الغاضبة.. هل تكفي لعقاب الأطفال على تصرفاتهم الخاطئة؟
السؤال الآن: كيف يمكننا تطبيق العقاب بالخصام على نحو فعال؟
علينا أن ندرك -نحن الآباء والأمهات- أن العبرة ليست بالطريقة أو الأسلوب التربوي الذي نتبعه في العقاب، وإنما بالطريقة والكيفية التي نطبقه بها.
بمعنى أنه ولكي يكون الخصام بالعقاب فعالًا، ويحقق أهدافه التربوية على نحو فعال وناجح، يجب تطبيقه بحيث نحدد للطفل السلوكيات المقبولة وغير المقبولة بوضوح تام ودون لبس على الطفل؛ فهذا من شأنه أن يُسهم في زيادة فهم الطفل للخطأ الذي ارتكبه.
للأسف بعض الآباء والأمهات تحديدًا يبالغون في الخصام، وهو ما يزيد المشكلة ولا يساعد في حلها؛ لأن الطفل وقتها يشعر أنه مرفوض أو منبوذ من والديه، وهذا يضر أكثر مما ينفع. لذلك يجب أن تكون المدة محددة وواضحة، قد تكون دقائق، ولكنها لا تزيد بأي حال من الأحوال عن ثلاثة أيام، وذلك على حسب الخطأ الذي ارتكبه الطفل.
أيضًا يجب التنويع في وسائل عقاب الطفل دون ضرب، بحيث لا نستخدم العقاب بالخصام دائمًا، وذلك حتى لا يفقد تأثيره ويضر بالعلاقة بين الوالدين والأبناء.
من الجيد بعد انتهاء العقوبة أن نوضح للطفل الخطأ الذي ارتكبه، وأسباب رفض هذا التصرف أو السلوك بطريقة هادئة.
ما يجب أن يدركه المربون أن التربية بالأساس تقوم على الصبر والنفس الطويل، لا مكان فيها للعصبية واستعجال النتائج، فالتربية أشبه بالبذرة التي يغرسها الفلاح في التربة، ويتعهدها بالسقيا والرعاية إلى أن يقطف بعد أشهر الثمرة المرجوة، وهكذا التربية، تحتاج لصبر ومثابرة.
قد يهمك أيضًا 7 خطوات للتقليل من مشكلات الأبناء
لماذا العقاب بالخصام؟
تبدو أهمية هذه الطريقة التربوية في العقاب للفوائد المتعددة التي تتحقق من ورائها، فهي توفر للطفل الحماية والتمتع بالصحة النفسية، على عكس الضرب والإيذاء البدني الذي يترك ندوبًا لا يمحوها الزمن.
لذلك تنعكس هذه الطريقة التربوية إيجابيًّا على العلاقة بين الوالدين والطفل، كونها تحترم كرامة الطفل وتقدره ولا تقلل شخصيته.
العقاب بالخصام كذلك، يعلم الطفل الاستقلالية والتفكير المنطقي، وتحليل المواقف من أجل الوقوف على الأخطاء التي ارتكبت، ومن ثم اتخاذ القرار السليم.
أيضًا من الفوائد التربوية للعقاب بالخصام، تعليم وتدريب الطفل ضبط النفس والتحكم في انفعالاته؛ لأن هذه الطريقة التربوية لا تتضمن أي صراخ أو خصام أو قسوة في المعاملة، فيكتسب الطفل هذا الأسلوب في تعامله مع الآخرين، ويكون أكثر قدرة على ضبط انفعالاته والتحكم بها.
ختامًا، العقاب بالخصام يمكن أن يكون أسلوبًا فعالًا في تقويم سلوكيات الطفل الخاطئة، وبديلًا رائعًا للضرب والإيذاء البدني، إذا ما أحسن الوالدان تطبيقه على النحو الذي ذكرناه في هذه المقالة، بما يساعد في تنمية شخصية الطفل وتفكيره وعلاقته بوالديه وزملائه وأقرانه.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات والمعلمين، شاركونا آراءكم، في التعليقات أسفل هذه المقالة، من واقع تجربتكم وخبراتكم، حول فوائد استخدام طريقة العقاب بالخصام بدلًا من الضرب.
اعتقد أنه لا بأس بالضرب الخفيف
البعيد عن الوجه
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.