في رحلة تربية الأبناء، قد يجد الآباء أنفسهم عن غير قصد يُرسخون سلوكيات مدللة لدى أطفالهم، ما يؤثر سلبًا في تفاعلاتهم مع الآخرين وقدرتهم على مواجهة تحديات الحياة، لكن أين يقع الخط الفاصل بين الحب الصحي والتدليل المفرط الذي يضر أكثر مما ينفع؟ نوبات الغضب المتكررة، عدم احترام القواعد، وتوقع تلبية كل الرغبات فوراً.. هي علامات قد تشير إلى أن طفلك يسير في طريق التدليل، هذا السلوك لا يرهق الوالدين فحسب، بل قد يؤثر سلبًا على مستقبل الطفل وقدرته على مواجهة الحياة. هل تشعر بالعجز والإحباط؟ لست وحدك.
يتناول هذا المقال بعمق العلامات الواضحة التي تدل على تدليل الأطفال، محللًا مظاهر هذا السلوك في تعاملهم مع الأهل والأقران واستجابتهم للمطالب والحرمان، ويستعرض المقال آراء علماء نفس الأطفال حول الآثار السلبية للتدليل المفرط على المدى الطويل، ويقدم خطوات عملية وفعالة لمساعدة الآباء على استعادة السيطرة وكبح جماح السلوك المدلل لدى أطفالهم، فلننطلق في استكشاف هذه القضية التربوية المهمة، ونستلهم من آراء الخبراء إستراتيجيات تربوية سليمة لبناء شخصيات متوازنة وقادرة على التعامل مع العالم بواقعية.
«إذا كنت تُدلل أطفالك»، فستعرف ذلك من طريقة تعاملهم معك ومع الآخرين، لن يُشاركوا أطفالًا آخرين ألعابهم، سيتصرفون بتسلط ويطالبون بأن يكونوا أول من يقف في الصف، لا يُجيبون عن أسئلتك ويتجاهلون تعليماتك، إذا حرمتهم من لعبة أو مكافأة جديدة، ستواجه عاصفة من البكاء والعويل وضربات الأيدي الصغيرة على الأرض.
الآثار السلبية للتدليل المفرط على الأطفال
يقول ريتشارد برومفيلد، الحاصل على درجة الدكتوراه، وهو طبيب نفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب «كيف تُزيل تدليل طفلك بسرعة»: «أعتقد أن معظم الآباء يعرفون متى يكون أطفالهم مدللين، لكنهم يشعرون بالعجز عن فعل أي شيء حيال ذلك».
خلال أكثر من 25 عامًا في ممارسة استشارية خاصة في منطقة بوسطن، شهد برومفيلد كل أنواع التدليل. طفل صغير يُصدر الأوامر لأمه ويوبخها بشدة لإعطائه الزبادي. طفلة أخرى في الثامنة من عمرها تبكي وتصرخ عندما يذهب والداها لتناول العشاء أو لمشاهدة فيلم بدونها، ما يدفع جليسة الأطفال إلى مكالمات هاتفية محمومة تُجبر والديها على العودة إلى المنزل. أو أطفال يوبخون والديهم لرفضهم أي شيء: «أنتِ كريهة الرائحة»، «أنتِ أم سيئة»، «أكرهكِ».
عواقب التدليل المفرط على الأطفال في مرحلة المراهقة!
عندما يصل الأطفال المدللون إلى مرحلة المراهقة، يصبحون أكثر عرضة للانغماس المفرط في الذات، وفقدان السيطرة على النفس، والقلق، والاكتئاب، كما يقول دان كيندلون، الحاصل على درجة الدكتوراه، ومؤلف كتاب «الكثير من الخير: تربية أطفال ذوي شخصية في عصر التدليل».
ويضيف كيندلون، وهو أيضًا طبيب نفساني وباحث في جامعة هارفارد: «إذا منحت الأطفال الكثير في سن مبكرة، فسيصلون إلى مرحلة لا يرضون فيها بأي شيء».
يقول برومفيلد إنه عندما يتوقف الآباء والأمهات عن تدليل أطفالهم، فلن يشعروا فقط بالإحباط كآباء، بل سيُهيئون أطفالهم أيضًا للتعامل مع تقلبات الحياة - وهي مهمة صعبة للأطفال الذين اعتادوا تحقيق رغباتهم.
من أين تبدأ إذن؟
إليك خطوات يمكنك اتخاذها لاستعادة السيطرة على طفلك:
التزم التزامًا كاملًا بالتوقف عن تدليل أطفالك
يقول برومفيلد: «عليك الالتزام. إن فعلتَ نصفَ الأمر، فهو أفضل من ألا تفعلَ شيئًا على الإطلاق، لكن الأمر لن ينجح إلا إذا فعلتَه بجدية». على سبيل المثال، على الوالد الذي يريد طفله أن يبدأ بتنظيف غرفته أن يتأكد من إنجاز المهمة على أكمل وجه. ويضيف: «إذا التقط قلم تلوين وقطعة ملابس فقط، فلن ينجح الأمر».
من تجربة برومفيلد، يرى الآباء الذين يأخذون مهمتهم الجديدة على محمل الجد تحسنًا سريعًا نسبيًا في سلوك طفلهم. «الطفل المدلل البالغ من العمر عشر سنوات لا يحتاج إلى عشر سنوات من التراجع. الأطفال أذكياء ومرنون ويريدون النمو بشكل صحيح، لذا لا يزال الوقت مناسبًا».
استبدل التهديدات الفارغة بتعليمات واضحة وهادئة وموجزة
يسمع الأطفال آباءهم يقولون: «توقفوا، لا، إنها المرة الأخيرة، ولكنهم يعلمون أنهم في اللحظة الأخيرة سيحصلون على ما يريدون»، لذا يقول برومفيلد: «أنصح الآباء أن يقولوا ما يقصدونه. إذا نطقتم الكلمات فقط وقلتم ما سيحدث والتزمتم به، فهذا ما له القوة.. النتيجة. لستم مضطرين حتى للصراخ».
وكذلك، تجنبوا فخ الإفراط في الشرح أو المساومة بلا نهاية على الأمور الروتينية، مثل تنظيف الأسنان، أو إيقاف ألعاب الفيديو، أو وقت النوم. يقول برومفيلد إن طفلك سيجادلك كمحامٍ صغير الحجم. ويضيف: «فكروا في الأمر، هل يحتاج ابنكم البالغ من العمر 11 عامًا حقًا إلى مئات التذكيرات الليلية بفوائد نظافة الأسنان إذا كان ذكيًا بما يكفي لحفظ 493 نوعًا من البوكيمون؟».
العواقب الثابتة والملموسة.. الأفعال أبلغ من الأقوال
يقول عالم النفس: «الأفعال أبلغ من الأقوال». لذا، يقترح تجنُّب الثرثرة وتحديد عواقب ملموسة. «هل يُشكِّل تنظيف أسنان طفلك مشكلة؟ جرّبوا الامتناع من تقديم المكافآت طوال اليوم التالي. لا تحذيرات، لا تهديدات، فقط منع تام للسكر والحلويات لمدة ٢٤ ساعة. هل يرفض التقاط ألعابه؟ ضعوها جميعًا بعيدًا لبضعة أيام، لا أكثر». في البداية، قد يتذمر طفلك ويبكي، لكن لا تستسلموا لنوبات الغضب. «يحتاج الأطفال إلى التعود على التعامل مع الحدود المعقولة دون الشعور بالدمار أو الرفض أو عدم الحب».
توقف عن الإنقاذ.. دع طفلك يواجه العواقب الطبيعية
هل ابنتكِ تتأخر دائمًا عن المدرسة؟ ينصح علماء النفس الأمهات بالتوقف عن التذمر وترك الابنة تعاني عواقب تأخرها المستمر. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكن معظم الآباء يسارعون إلى التدخل لإنقاذ الموقف والحيلولة دون تعرض الابن للعقاب، فالأبناء إن لم يشعروا بالخطر المحدق بهم، فعليهم الغرق في الفوضى التي يسببونها.
يقول الخبراء إن الآباء الذين يحمون أطفالهم مرارًا وتكرارًا من العواقب يُعيقون نمو شخصياتهم نموًّا سويًّا.
التدليل المادي المفرط يحرم الطفل من دروس الحياة
يقول الخبراء إن العديد من الآباء يُغدقون على أطفالهم الهدايا ولا يُطالبونهم أبدًا بكسب شيء ما بأنفسهم. لكن تدليل أطفالكِ بكل الألعاب والملابس والأجهزة الإلكترونية التي يريدونها، يحرمهم من دروس حياتية مهمة، مثل الادخار لشراء شيء ثمين. فالطفل حين يحصل على كل شيء، لن يتعلم الامتنان، إذا لم يضطر للانتظار أبدًا، فلن يتعلم الصبر.
يقول عالم النفس إنه يرى أمهات يشترين لأنفسهن فساتين بـ 12 دولارًا من متاجر التخفيضات، لكنهن لا يكترثن لإنفاق 200 دولار على أحذية أطفالهن. بدلًا من ذلك، حاولي الحد من الإنفاق المفرط، وحوّلي بعض المسؤولية إلى طفلكِ للقيام بالأعمال المنزلية أو توفير مصروف الجيب للمشتريات أو حث الطفل على التبرع والصدقات للفقراء والمحتاجين والضعفاء، لا سيما المقربين منهم.
في هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة، قد يُجبر المزيد من الآباء ببساطة على الرفض، كما يقول برومفيلد: «إن معاناة الناس ليست أمرًا جيدًا، ولكن قد يكون هناك جانبان متعارضان. فبسبب القيود المالية، ربما يُقلل الناس من عطائهم لأطفالهم. أرى الكثير من الآباء يعانون هذا لأنهم يشعرون بضيق شديد. لكنني أرى هذا كفرصة، فكما أن سوق الأسهم وأسعار العقارات تُصحح أوضاعها، أعتقد أن الإفراط في تدليل الأطفال يُصحح أوضاعه أيضًا».
البقاء على المسار الصحيح.. لا تتراجع
على الرغم من حسن نوايا الوالدين في التوقف عن تدليل أطفالهم، فإن العديد من الأمور قد تُعيق جهودهم، كما يقول الخبراء، بما في ذلك التعب أو الإرهاق من مسؤوليات العمل أو المشكلات الزوجية. يقول برومفيلد: «سيتراجع الآباء ويُقوضون تقدمهم».
ما سر العودة إلى المسار الصحيح؟
يمكن للوالدين تذكير أنفسهم بأن سبب استسلامهم هو سبب أناني - لأنه أسهل، ذكِّر نفسك بأنك لم تتردد عندما أراد الطفل، وهو في الثانية من عمره، شرب الكلوروكس، كان عليك أن تحرمه منه، أليس كذلك؟ حتى لو قالوا إنهم يكرهونك وصرخوا، لم تشعر بالسوء حيال ذلك، عليك أن تنمّي نفس العقلية وأن تدرك أن هذا هو الأفضل لهم.
السؤال الآن: لماذا ندلل أطفالنا؟
لا يُدلل الأطفال لأنهم سيئون بالفطرة، بل إن الوالد «المدلل» الذي لا يضع حدودًا ولا يُنظِّم سلوك الأطفال، قد يُعزز السلوك الأناني لديهم. فعلى مدار أكثر من عقدين من الزمن، لاحظ علماء النفس من تقديم الاستشارات الأسرية ازديادًا ملحوظًا في انتشار الأطفال المدللين.
اليوم، يُدلل الآباء أطفالهم لأسباب لا تُحصى. فهم غير متأكدين من كيفية تأديب أطفالهم، أو أنهم مُرهقون ومُجهدون لدرجة تمنعهم من بذل أي جهد، أو يخشون الإضرار بثقة أطفالهم بأنفسهم، أو يخشون أن يغضب أطفالهم ويكرهوهم، وهنا تكمن المشكلة: يقول برومفيلد إن بعض الآباء يُدللون أطفالهم عمدًا لمجرد الشعور بالسعادة.
«إنهم يجدون أن رؤية طفلهم سعيدًا تُسعدهم حقًا، وهم يتمنون ذلك دائمًا».
لا أحد يدعو إلى العودة إلى أسلوب تربية الأطفال الصارم والمنعزل من الماضي. لكن علاقات الآباء والأبناء اليوم، التي تتميز بقرب عاطفي أكبر وعفوية وصداقة، تحمل مزايا وعيوبًا في آنٍ واحد.
يقول برومفيلد: «يميل آباء اليوم إلى الشعور بعدم الارتياح تجاه سلطتهم. فبدلًا من أن يُملوا على أطفالهم ما يجب عليهم فعله، فإنهم يسألون. وتصبح المطالب أسئلة. وتصبح الأسئلة اختيارات خاصة».
على سبيل المثال، يقول: انظروا إلى تأثير قول «من فضلك أعطني تلك العصا» إذا تحول إلى: «هل يمكنك من فضلك أن تُعطي أمي العصا، ثم نذهب إلى متجر الحلويات؟».
لكن الطفل الذي يتحكم في والديه يكون في الواقع خارجًا عن السيطرة، رافضًا للأوامر والتعليمات التي يقولها الأب أو الأم.
ويتذكر زوجان كانا «يتعاملان بحذر شديد» مع طفلهما في مرحلة ما قبل المدرسة لتجنب إثارة غضبه. لماذا كان غاضبًا جدًا؟
يقول برومفيلد: «كان يشعر بالخوف من عدوانيته، لأن والديه، بدلًا من مواجهته، كانا يستسلمان له».
ويضيف برومفيلد: «يريد الأطفال أن يكون آباؤهم آباءً». وكما كتب في كتابه: «يحتاج الطفل إلى حدود وهيكلية لينمو، وسيسعى إليها عند غيابها. الطفل الذي يُلحّ على والديه باستمرار قد يبحث عن الحدود التي يحتاجها لينمو نموًا سليمًا. سلوكه المُتطلب والمُدمر يهدف، إلى حد كبير، إلى اختبارك، أنت والدك، لمعرفة رد الفعل الصارخ الذي سيجعلك في النهاية تتصرف بشكل بناء».
خلاصة القول
إذا لم يُكبح جماح شعور الطفل بالاستحقاق وسلوكه المُدلل، فقد يمتد إلى الفصل الدراسي، والفريق الرياضي، ومواعيد اللعب، مما يُسبب الرفض من الأطفال الآخرين، فحتى الأطفال المدللون يكرهون أن يكونوا مدللين، سيكونون أول من يدرك أن أنانيتهم تُعيقهم، سيُظهرون لك، حتى وهم يدافعون عن أنفسهم، أنهم يحسدون الأطفال غير الأنانيين.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، حول الأسباب التي تدفع الوالدين إلى تدليل الأبناء والاستجابة لكل مطالبهم.
ممتازة جدا وفعلا بناء شخصية الأطفال اساسية يترتب عليه بناء مجتمع جيدا وافضل للجميع أن يأخذ المقال بعين الاعتبار لانه موضوع مهم جدا دومت موفقا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.