عندما نظرت إلى اللوحة بتأمل استشعرت عدة معانٍ بارزة ومنسجمة مع بعضها البعض، فقررت أن أتحسس بعضًا من آثار الإبداع، وأنسج قصة رائعة بتفاصيل ممتعة، وأكتبها لكم حتى يتسلل هذا الشعور الدافئ إليكم مثلما تسلل إلى قلبي من النظرة الأولى للوحة.
اقرأ أيضاً تحليل لوحة "كارثة تايتنك".. للفنان فريد خطاب
الذكريات المشوشة في لوحة اللاجئين
عندما نظرت إلى اللوحة للمرة الأولى بدأ عقلي يسترجع بعض الذكريات المشوشة، كأنه يحاول أن يخبرني أني رأيت مشهدًا كهذا من قبل، ثمة أصواتٌ بعيدة وصور مشوشة الرؤية داخل عقلي.
شعرت أن الأمر يحتاج مني مزيدًا من التريث فيما أرى حتى أمسك طرف الخيط الذي سيرشدني إلى المكان الذي رأيت فيه هذا من قبل، وبعد بضع دقائق من الصمت والتأمل بعمق توسعت حدقة عيني لا شعوريًا، وأخذت شهيقًا عميقًا مصاحبًا لشعور الدهشة الذي يلازم كلاً منا عندما نتذكر شيئًا كنا نفكر فيه، وأخيرًا قد عثرنا عليه، ثم نعود إلى حالتنا الطبيعية مرة أخرى.
لقد تذكرت يا عزيزي أين رأيت هذا من قبل، بل لست وحدي من رأيته، بل رأيناه جميعًا في المحطات التلفزيونية منذ القرن العشرين وحتى القرن الواحد والعشرين عبر شاشة التلفاز؛ إنها تلك المشاهد المصورة من البلدان التي تدور بها الحروب ويحيطها الخراب والدمار من كل اتجاه.
اقرأ أيضاً الفنان جمال قطب.. فنان الواقعية التعبيرية
قصة لوحة اللاجئين
حين تحول سكان تلك البلاد من شعوب آمنة مستقرة تعيش حياة آمنة مستقرة لم يخطر ببالهم يومًا أنهم سيتحولون إلى لاجئين يفرون بحياتهم خوفًاً من أن يبتلعهم الخراب والدمار مثلما ابتلع بيوتهم وتراثهم وآثار أجدادهم.
فإذا نظرنا إلى جهة اليسار كاملة من اللوحة سنجد النساء والرجال والأطفال الهاربين خوفًا وهلعًا من أهوال الحروب باحثين عن وطن آخر يؤويهم ولو داخل خيمة هشة مرقعة بأقمشة من بقايا ثيابٍ قديمة بالية، فبعض من قليل كفيل أن يعيد لهم السلام الذي غادر نفوسهم مرة أخرى.
فهم أبطال يا عزيزي؛ يقفون كل يوم في وجه الرياح العاتية، والبرد القارس، والأمطار المتناثرة فوق الرؤوس، أبطال في وجه الجوع والعطش، واكتب ما شئت يا عزيزي بين السطور.
أرأيت الخط البرتقالي الفاصل في منتصف اللوحة؟ هذا هو الخط الحدودي الذي يقفون على أعتابه منتظرين إشارة الأمل التي ستُمنح لهم عندما يفتحون لهم الأبواب، ويسمحون لهم بالعبور إلى مكانٍ آمنٍ جديد.
وبالنظر إلى يمين اللوحة رأيت وطنًا آخر ينعم بالسلام والاستقرار، كان ممتزج الألوان ما بين زرقة البحار الهادئة واللون الأخضر الذي يكسو الأرض في كل مكان، وتحتضن داخلها شعبًا آمنًا لديه حظٌ وفيرٌ منع عنه الحرب التي طالت جيرانهم بالبلد المجاورة لحدودهم.
حقاً هذا مثير للألم والشفقة والدهشة في آنٍ واحد، إلى متى أيها الآدمي ستشقي نفسك بنفسك، وتقتل وتغدر بأقرانك من بني جنسك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.