الشاعر : عباس محمود العقاد .. ولد بأسوان 28 من يونية 1889م ... لم يحصل إلا على الابتدائية ... ولكنه ظل متصلا بأسباب الثقافة والعلم حتى صار شاعرا وأديبا له مكانته ... وهو أحد أعلام التجديد الشعري والفكر النقدي .. وصاحب العبقريات .. وقد اتجه للصحافة.
وغلبت عليه المقالة ... له قصة واحدة "سارة" وديوان شعر إلى جانب مؤلفات
أخرى ... توفى 12 من مارس 1964م .
(المَرثية) مي زيادة: هي ماري إلياس زيادة. . .ولدت في فلسطين في مدينة ( الناصرة ) من أب لبناني وأم فلسطينية. . وقد تعلمت في مدرسة من مدارس الراهبات. . . أخذت في القراءة في زمن مبكر. . وأخذت تكتب في الصحف والمجلات. . . ثم جاءت إلى مصر وكان لها ( صالون ) يجتمع فيه كبار الأدباء والكتاب كل يوم ثلاثاء أمثال ( طه حسين /إسماعيل صبري / لطفي السيد / العقاد / الرافعي ). . وكانت أديبة رائعة الأسلوب غزيرة المعاني. . . قد مرت بمحنة قاسية في أخريات حياتها. . . توفيت 1941م.
التجربة الشعرية :
رحلت مي زيادة فتأثر العقاد لذلك تأثرا شديدا فنظم هذه القصيدة في رثاء صديقته الشاعرة الإنسانية مي زيادة
نوع التجربة: ذاتية؛ لأنه يتناول في هذه القصيدة مشاعره الحزينة ويتناول مكانتها وأوصافها بعينه هو.
أين في المحفل مي يا صِحَاب؟
عودتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يُدعى مستجاب
أين في المحفل مي يا صحاب؟
***
سائلوا النخبة من رهط النديّ
أين مَيّ؟ هل علمتم أين الندى مي؟
الحديث الحلو واللحن الشجي
والجبين الحر والوجه السني
أين ولى كوكباه؟ أين غاب؟
***
شيم غرّ رضيات عَذَاب
وحجي ينفذ بالرأي الصواب
وذكاء ألمعي كالشهاب
وجمال قدسي لا يعاب
كل هذا في التراب. آه من هذا التراب
***
ويك ما أنت براد ما لديك
أضيع الآمال ما ضاع عليك
مجد مي غير موكول إليك
مجد مي خالص من قبضتيك
ولها من فضلها ألف ثواب
المقطوعة الأولى
أين في المحفل مي يا صِحَاب؟
عودتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يُدعى مستجاب
أين في المحفل مي يا صحاب؟
في هذه المقطوعة:
- يتساءل العقاد في حزن وألم عن الأديبة الراحلة مي زيادة التي اعتاد الأدباء سماع كلماتها البليغة، ورأيها السديد فهي أديبة ذات مكانة عالية يلبي دعوتها كبار الكتاب والأدباء.
المقطوعة الثانية
سائلوا النخبة من رهط النديّ
أين مَيّ؟ هل علمتم أين الندى مي؟
الحديث الحلو واللحن الشجي
والجبين الحر والوجه السني
أين ولى كوكباه؟ أين غاب؟
في هذه المقطوعة:
يتساءل الشاعر في حزن وألم وحيرة متوسلا بسؤاله إلى استعراض صفات مي فيسأل عن جمال مي وحديثها العذب الجميل وجبينها البراق ووجهها المتلألئ (وهذه صفات حسية) ثم في نبرة حزن يتساءل أين ذهب كل هذا؟
المقطوعة الثالثة
شيم غرّ رضيَّات عَذَاب
وحجي ينفذ بالرأي الصواب
وذكاء ألمعي كالشهاب
وجمال قدسي لا يعاب
كل هذا في التراب؟ آه من هذا التراب
في هذه المقطوعة
يعود الشاعر إلى سرد صفات مي (المعنوية) فيقول: إن مي تتحلى بكثير من الأخلاق الحميدة التي يحبها الجميع والرأي الصائب والعقل السديد، والذكاء الحاد، أما جمالها القدسي فصفة تجمع بين الحسية والمعنوية، فللجمال جانبه المحسوس – ربما بأكثر من حاسة – ومع ذلك فهو (جمال قدسي) والقدسي هو الطاهر، نسبة إلى القدس وهو الطهر، وهو صفة لها طابعها المعنوي ثم يعود إلى الواقع واقع الموت والفناء الذي قضى على كل تلك الصفات الحسي منها والمعنوي، وقد وأرها جميعها التراب على نحو لا يكاد يصدق.
المقطوعة الرابعة:
ويك ما أنت براد ما لديك
أضيع الآمال ما ضاع عليك
مجد مي غير موكول إليك
مجد مي خالص من قبضتيك
ولها من فضلها ألف ثواب
في هذه المقطوعة:
يدرك الشاعر أن التراب لن يرد ما غيبه في جوفه، وأن من العبث أن يأمل أحد في ذلك، ومع هذا لا تفارقه روح التحدي وهو يخاطب التراب، فهذا التراب وإن وارى من مي جسدها.. غير قادر على أن يحجب مآثرها وفضلها وإبداعاتها التي لا سلطان له عليها، ولا قدرة له على إخفائها لأنها فوق سلطانه وأكبر من قدرته.
تعليق عام على القصيدة:
يلاحظ أن المقطوعات الأربع التي يتألف منها النص تتماسك بقوة على المستويين اللفظي والمعنوي فعلى المستوى اللفظي يتوزع عدد من الأساليب وبخاصة الإنشائية على مساحة النص فتشيع الإحساس بتماسك أجزائه من هذه الأساليب الاستفهام والأمر.
أما الاستفهام فيلاحظ وروده بكثرة كما أنه تختتم به المقطوعات الثلاث الأولى حيث يتكر ورود أداة السؤال عن المكان أين وهناك أداة أخرى للاستفهام هي هل جاءت مرة واحدة في الشطر السابع كما جاء الاستفهام بغير أداة في نهاية المقطوعة الثالثة.
وأما الأمر فقد جاء في أول المقطوعة الثانية على نحو لا ينفصل عن الاستفهام سائلوا النخبة من رهط الذي. . . أين مي. . . هل علمتم أين مي) كما جاء بصيغة غير شائعة في أول المقطوعة الأخيرة- صيغة اسم فعل أمر
وعلى المستوى المعنوي جاء النص متماسكا تسلم بدايته إلى الانتقالات التي عبر خلالها إلى نهايته في البداية – وفي المقطوعتين الأوليين خاصة – تعبر مواضع الاستفهام المتتابعة التي تكرر بعضها بألفاظه غير مرة أين في الحفل مي؟ أين مي؟ أين ولى؟ أين غاب؟ . . . تعبر هذه الاستفهامات عن صدمة الشاعر بمفاجأة الفقد لتلك الأديبة الذائعة الصيت فراح يتساءل وكأنه غير مصدق أو كأنه لا يستوعب أن تخلف عادتها في احتلال صد المجلس في منتداها والتحدث إلى رواده من صفوة الأدباء والمثقفين.
ويأتي السؤال في البداية ب | أين متبوعة باسمها (أين مي) وكأنه لا يتصور موتها وإنما يسأل عن مكان وجودها فحسب ثم يتغير التابع بعد أين فإذا به يقول: (أين ولى كوكباه أين غاب.!) بمعنى. أين ولت وأين غابت.
وتعمل دلالة الفعل ولى، وغاب) بعد أين (عملها ليتحول الاستفهام من السؤال عن غياب مقلق إلى سؤال عن رحيل إلى نهاية زينة محتومة، ونهاية لم تعصمها منها كل صفاتها الحميدة من خلق وفصاحة وذكاء وجمال ليصبح الشاعر متسائلا – في الظاهر – ومؤكدا - في الواقع - هذه النهاية المؤلمة كل هذا التراب ثم ليتبع هذه الصيحة صيحة التساؤل التعجبي الإنكار الرافض - بصيحة أخرى تحمل إقرارا وتسليما بالحقيقة الصادمة وتحمل – في الوقت ذاته - شكوى من هذه الحقيقة آه من هذا التراب.
و (آه) كلمة تعبر عن الشكوى والتوجع من أمر مؤلم فظيع هو - في هذا النص - الموت الذي يأتي على كل شيء ولا يفلت منه شيء هذه الصيحة - صيحة الشكوى والتوجع - تصور الضعف والإقرار بالهزيمة وتحمل في ثناياها، يتولد منها روح من المقاومة والثورة.
ويتطور الموقف في المقطوعة الأخيرة إلى استخدام اسم فعل الأمر و الذي حل معاني متعددة ومتداخلة من التعجب والزجر والتهديد أيضا ولكها معان موجهة إلى هذا التراب الذي يرى لنفسه القدرة على مواصلة انتهاب النفوس والأعمار ويك.. ما أنت براد ما لديك؟) ناسيا أن مجد مي (غير موكول إليه)، ولا هو مما يستطيع أن يغيبه أو يحجبه
هكذا تدرج بينة الدلالة الشعرية من صدمة المفاجأة بالفقد إلى التحسر على الفقيدة والتوجع لخسارتها باستخدام الصيغة الدالة للتعبير عن هذا الإحساس. . . إلى الثورة على الموت، ثم تحديه والتأكيد على الخلود الأدبية الكبيرة.
ثم جاءت الصور لتعكس مدى الألم لفقدان مي / من خلال ذكر محاسنها ومنزلتها فمن الصور عرشها المنبر والذي يوحى بما كانت عليه من مكانة، وذكاء كالشهاب والذي يوحى بما كانت عليه من ذكاء، وشيم غر: ورضيات عذاب وجمال قدسي وكل هذا التراب نلاحظ أن الصور جاءت في موضعها غير متكلفة تعكس حسرة المشاعر وألمه.
وقد نوع العقاد في قافية القصيدة وهو مظهر من مظاهر التطوير في موسيقاها قد اختار قافيته ملاءمة للحالة النفسية.
ويتضح لنا الترابط الواضح والبنية المتماسكة والناجمة عن وحدة الفكر ووحدة الشعور والجو النفسي الحزين مما حقق للقصيدة الوحدة الفنية.
مما سبق يمكن القول إن:
- موضوع القصيدة: الرثاء (وهو الحديث عن الميت وذكر محاسنه)
- المَرثية: مي زيادة
- إلى أي مدى يرتبط عنوان النص بمضمونه؟
حيث إن القصيدة تبدأ بسؤال لا ينتظر له الشاعر جوابا ولكن الشاعر يلقيه ليتولى بنفسه الإجابة عنه في صورة حديث عن الأديبة مي التي رحلت وأخلفت ما اعتاده رواد ندوتها من البيان الرائع تلقيه معتلية عرش بيانها الذي ملكت ناصيته فاستجاب لها، وراح يزهو بها ويتسامى.
- الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر:
- سهولة الألفاظ وبعدها عن الغرابة.
- روعة الصور وعدم التكلف فيها.
- التنوع في القافية (مع اختيار القافية الملائمة للحالة النفسية)
- الوحدة العضوية المتمثلة في وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي.
- كثرة الأساليب الإنشائية.
نوفمبر 26, 2021, 10:44 ص
مقال مفيد
ارجو ان تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
ديسمبر 16, 2021, 9:23 ص
أرجو أن تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
مارس 23, 2022, 7:38 ص
أحسنت التحليل بأسلوب أدبي راقي مراعي جمال ورونق الكلمة فخرجت الدراسة والتحليل بطريقة سهلة وواضحة المعاني والصورة الشعرية مزيد من النجاحات شاعرنا
ديسمبر 16, 2021, 6:55 م
مفيد
يناير 5, 2022, 9:08 ص
الف شكر على هذا التحليل الرائع
ولى ملحوظة
اسم الفعل فى المقطوعة الأخيرة ليس للامر ولكنه مضارع بمعنى أتعجب
ويك
يناير 14, 2022, 1:31 ص
نص مفيد
أتمنى أن تقرؤوا كتاباتي وتتابعوني، سأردها لكم
يوليو 14, 2022, 5:01 م
رااائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.