تاريخ ملخص للعربية وأدبها في 14 قرنًا من الزمن

الاطلاع على القالب الكلي لتواريخ العربية لغة وأدبًا هو من الموضوعات المهمة التي تفيد طلاب الأدب من كل حدب وصوب، وهذا الأمر يدخل ضمن مباحث تاريخ الأدب العربي تلك المباحث التي كثيرًا ما نراها في الكتب المعنية بهذا الشأن.

كانت كل دورة تأتي كان الأدب في قبلها شبه المنعدم فقد جاء الإسلام فسكتت الأقلام والألباب والأفواه أمامه هُنيهة لتنهي عصرا من عصور العربية، ثم استأنفت الكلام فكان عصرًا إسلاميًّا متكاملًا، وصل القرآن إلى جميع العرب، فمنهم من أعرض عن قول الشعر تواضعًا منه أمام عظمة هذا الكتاب الجديد، ومنهم من استأنف هذا الفن الذي طُبع عليه، ولكن بصبغة دينية وفكرية جديدة في أدبه.

نخرج حتى مئة ونيف من الأعوام بعد قيام دولة وسقوط أخرى فكانت العصور الأموية الأخيرة، فأسس كثير من العلماء المدارس، وألفوا الكتب وربوا طلبة العلم تلاميذهم، وأرسلوهم للمدن والأمصار، وكان الإمام جعفر بن محمد الصادق وقومه في طليعة هؤلاء.

ورأى الملوك الجدد لدولة الإسلام التي اتسعت رقعتها كثيرًا أن يؤسسوا لهذا المشروع الحضاري الجديد، فأسهموا بدورهم فأنشأوا دور الحكمة والكتب والمدارس، وحرصوا على تأليف الكتاب والعلم وتقرب بعضهم إلى الأئمة بمختلف طبقاتهم، وكانوا يحضروهم كثيرًا بينهم وفي مجالسهم، وكانوا يعقدون مجالس العلم وبعض هذه المجالس دونت إلى زماننا.

فاستمر هذا الأمر بين ظهراني الناس حتى قامت دولة بني العباس الثانية والثالثة والرابعة التي كانت تشاركها أقوام آخرون، وإن أضروا بالثقافة العربية والإسلامية نظرًا لعجمتهم وحديث عهدهم بالدين الإسلامي، ولكن لم تخلوا تلك العصور من شيء مفيد، ومع بداية هذا في المشرق ستقوم في المغرب في الوقت نفسه دولة سياسة وعلم وأدب أخرى يقوّمها أحد من بقي من بني أمية هاربًا من فتكة الدولة الجديدة، فيُبدئ عصرًا جديدًا في الأندلس حاضرة الإسلام، فكانت تسابق المشرق بعلمها وأدبها على الرغم من بعدها قليلًا.

واستمر هذا إلى أن اجتاح المغول أو التتر بغداد في عام 656 هجرية، وهي سنة سيئة كانت حقًّا قد عصفت على أمة الإسلام جميعها فأحرقت المكتبات وجوامع العلم والدين وقتل العلماء، ومن لم تصله أيادي المغول كأهل الشام ومصر والحجاز انشغل في الجهاد والدفاع عن باقي أراضي الإسلام أمام هذا الطوفان العارم الذي أكل بلاد ما وراء النهر ثم فارس ثم العراق، فلم يصل إلى ما دونها ومن كان في المغرب الأقصى وإفريقية من أهل الإسلام فقد وصلته الأنباء بدورهم فاجتاحت حالة سكوت وصمت لم تدم كثيرًا حتى استمر أهل القلم والعلم بالعطاء مجددًا، ولكن ليس كثيرًا وبالوقت نفسه انخفض الشعور العلمي بالأندلس رويدًا رويدًا حتى ذهبت الأندلس غارة قومها الأولين الذين سيعيدون فيها صكوكًا يبيعون بها بيوتًا وأراضي في الجنة مقابل المال، وينجون أنفسهم من الجحيم بالمال وأشياء أخرى.

مؤرخو الأدب العربيّ يسمون هذا العصر بعصر الانحطاط مع أنه ظهر في ابن خلدون والنميري والقلقشندي وابن بطوطة وموسوعاتهم كبيرة جدًّا في مختلف أنواع العلوم والفنون وشهيرة، وهذا الوضع كان سيئًا حقًّا بين العرب، فلم تعد الكتب لتُشترى وتُبتاع لغلائها، فالأمية منتشرة والجهل مستمرّ، وإن ظهرت بعض المحاولات التي أبقت على العربية وعلى الإسلام والمسلمين، ويسميها بعض المؤرخين العصور الوسطى للإسلام وللأدب والفكر العربي يدوم ستة قرون أيضًا، فلا أدري ما علاقة أدبنا وفكرنا بالرقم ستة، فمنذ عصر إسماعيل وقومه جرهم والعماليق إلى زمن العباسيين ستة قرون ثلاثة في مئتين (عصر الجاهلي) في قرن (الإسلام ثم الخلافة الراشدة ثم الخلافة الأموية).

وبعدها ستة قرون عصر بني العباس (موزع في أربعة أدوار كذلك)، وبعدها ستة قرون عصر ما بعد سقوط بغداد ستستمر حتى لحظة حاسمة للعرب يهاجم فيها نابليون بونابرت أرض مصر أرض الأهرام والنيل والتاريخ والقلم، وذلك في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري).

وبعد أعوام قليلة يعتلي حكم مصر محمد علي باشا لينادي بظهور زمان جديد، فهناك تنشأ المطبعات المخترعة في أوروبا تسهم في نقلة نوعية في العلم (نسينا أن نذكر أن أوروبا منذ قرنين كانت قد وصلت إلى نهضة علمية وفكرية وصناعية). وتؤسس المدارس والجامعات وتزدهر الصناعات، ويرسل طلبة العلم للغرب ليجيئوا بما جاء الغرب نفسه إلى الشرق قديمًا فكل طلب ما ناله، فوصلت مصر والشام لنهضة، ثم جاءت العراق، فالأهواز، ثم بلاد الحجاز، ثم بلاد المغرب، فاستمرت ولها دور آخر لا ننساه دور تسقط فيه الحكومة العثمانية، فهذه أخرى ساعدت كثيرًا في ظهور زمان جديد آخر وهو القرن العشرين بداية عصر عربي جديد، ومنذ ذلك الحين إلى أيامنا هذه وأنا أخط هذه الكلمات ونحن في عشرينيات القرن الحادي والعشرين لم يتغير شيء فلننتظر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.