تاريخ دولة مالي الإسلامية

خلفت دولة غانا في رياسة المغرب المداري دولة مالي، ومالي اسم حديث بعض الشيء، لدولة قديمة تعاقبت عليها الأسر المالكة قبل الإسلام وقد أنشأها قبيل عظيم من أهل السودان الغربي يسمى الماندنجو.

ولهذه القبائل أسماء أطلقها عليهم جيرانهم ومن اتصلوا بهم من الأمم، فسماهم أهل حوض نهر غامبيا باسم الماندنجو وعنهم أخذ البرتغاليون والإنجليز هذا الاسم.

أصل قبيلة الماندنجو

أما قبائل الحوسى الذين يسمون باسم الهاوسا وهم جيرانهم من الشرق وأطلقوا عليهم اسم ونقاره أو وَنْجاره. وهم فرعين من فروع شعب الماندنجو وهما فرع السوننكة وهو منشيء دولتي غانا الوثنية والإسلامية وفرع الجولا.

أما الفولا أو الفولانيون وبعض التكاررة فيسمونهم باسم مالنكه، وعنهم أخذ الاسم الفرنسيون فاستخدموا لفظ مالنكه في الكلام على الماندنجو.

وتطلق عليهم قبائل البامبارا (التي تسكن إلى جنوبهم وهي فروع من الماندنجو) اسم مالي.

وأصل اسم الماندنجو غير معروف، فهناك من يقول إنهم منسوبون إلى ماندي، وهو لفظ معناه العاصمة. فهم على هذا القول أهل الحاضرة والمدينة.

وهناك من يقولون أن اللفظ مكون من "ما" ومعناه الدم و"دنج" وهو الطفل أو الابن، والمعنى ابن الدم.

واسم الماندي اسم اللغة التي كانت تتحدث بها غالبية القبائل الساكنة بين المجرى الأعلى لنهجر النيجر والمحيط الأطلسي، فالماندنجو هم المتكلمون باللغة الماندية وهم يضمون قبائل المالنكي.

أما لفظ مالي الذي يستعمل عادة للدلالة على الماندنجو والدول التي أنشأوها فهو تحريف اللفظ ماندي الذي اشتق منه اسم مدينتهم الكبرى التي عرفت باسم مالي.

هل الماندنجو هم التكرور؟

من الخطأ القول إن الماندنجو هم التكرور أو التكاررة، والحقيقة أنهم شعب غير الماندنجي خضعوا لهم مدة من الزمن، وتلقب ملوك مالي باسم ملوك التكرور.

ولفظ تكرور والجمع تكاررة أو تكارة يستعمل في السودان الشرقي للدلالة على كل السودان الذين يسكنون غربهم إلى المحيط. وبالمثل يطلق لفظ الفلاّته في السودان النيلي على كل قادم من نيجيريا.

والتكاررة فريق من أهل السودان الغربي يسكنون حوض نهر السنغال الأوسط، فالسنغاليون تكاررة، وينطق الاسم تكور أو توكور ولهذا يسميهم الفرنسيون توكولير وأصلهم فرع من الفولا أو الفولانيين، وهم شعب معروف في إفريقيا المدارية، أصلهم من بربر إقليم فزان، عبروا إلى تشاد، وانتشروا وتكاثروا بالسكان وأصبحوا سودانيين، وإن كانوا أقل سوادًا من جيرانهم.

قبيلة التكرور

والفولانيون الذين استقروا في إقليم فوتاتورو في السنغال هم الذين عرفوا بالتكاررة الذين تتكلم عنهم.

وفي موطنهم هذا أسلم التكاررة على يد عبدالله بن ياسين في اندفاعه نحو الجنوب، وفي الجزء الأدنى من نهر السنغال الذي سكنوه تقع الجزيرة التي اتخذها عبدالله بن ياسين معتصمًا لأصحابه ومهدًا لتكوين الجماعة الذين سماهم المرابطين.

وعندما قامت دولة مالي خضع لها التكاررة ولكنهم ظلوا كتلة إسلامية متماسكة داخل الكيان المالي مسيطرة على بلاد فوتاتورو في السنغال، وكان لهم أثر بعيد في إسلام دولة مالي.

استقلال دولة مالي

سيطر الماندنجو وهم أصحاب دولة مالي على البلاد الممتدة من نهر النيجر إلى المحيط الأطلسي، وأقاموا قبل وصول الإسلام إلى هذه النواحي أسرا حاكمة مثل أسرة التروريين، وأسرة كايتا التي لا تعرف شيئًا محققًا عن أصلها، وإن كانت المأثورات الشعبية في مالي تقول إن منشأها كان رجلًا مسلمًا من الماندنجي أو الفولا الخاضعين لهم يسم موسى ديجيو تولى عرش مالي فيما بين سنتي 1200 و1218م. 

وتوجد رواية تقول إنه من سلالة الصحابي الجليل بلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء طفلًا من الحجاز أو جاء أبوه إلى بلاد الماندنجي وتزوج فيهم واستقر في بلاد التكاررة، ثم دخل في عداد جماعة البولا (جماعة من المرتزرقين كان ملوك أسرة الكوناتين). ودخل ابنه في عداد هذه الطبقة وتمكن عن هذا الطريق من الوصول إلى السلطان.

وأنشأ أسرة كايتا، وكايتا لقب اتخذه وهو محرف عن عبارة عربية ماندنجية هي "الله - كوي" أي الله خالق كل شيء ثم حرفت إلى "الله - كوي" ثم الأكويتا ثم كويتا ثم كايتا، وكان هذا كله مجرد فرض؛ لأن كايتا كان لقب أسرته من أول الأمر، ثم اخترعت الأسطورة بعد ذلك.

اتخذ موسى ديجيو أو موسى كايتا مدينة جريبة في إقليم كانجابا عاصمة لهم. وأنجب موسى أولادًا كثيرة، فخلفه أكبرهم ويسمى ناري فان ماجان الذي ظل يحكم حتى سنة 1230م، وقد بذل في أثناء حكمه جهودًا لنشر الإسلام بين رعيته.

وقد خاض ناري فامغان حروبًا مع إخوته الذين نازعوه العرش، وتغلب عليهم آخر الأمر ونقل عاصمته إلى شرقي جبال الفوتا جالون.

وعندما توفي سنة 1230م خلفه ابنه "كوننيوغو - سميا - كايتا" وفي أيامه قام سوما نخورو ملك الصوصو بهجوم عنيف على دولة مالي وهزم الماندنجي وقتل ملكهم.

تشرد سنديانا في الأقاليم الجنوبية لدولة مالي وفي صحبته نفر من أصحابه، وتمكن من أن يجمع جيشًا من الماندنجي ويقودهم في صراع عنيف مع ملك الصوصو، وتمكن من الانتصار عليه سنة 1235هـ في موقعة حاسمة عند كيرينا قرب باماكو، وطرد الصوصو من بلاد مالي وأعاد الاستقلال إلى بلاده وتربع على عرشها، وغلب عليه اللقب الذي أطلقه أصحابه عليه وهو "ماري جاطه".

استقلال دولة مالي

ويعد ماري البطل القومي للبلاد، وهو أعظم سلاطين مالي على الإطلاق، فقد وسع حدود مالي وغزا بلاد الصوصو، ثم خرب ما بقي من مدينة غانا القديمة، وقسم دولته إلى اثني عشر قسمًا إداريًّا ولى على كل منها رجلًا من كبار قواده. 

وقد عرفت دولة مالي أيام ماري جاطه باسم مالي الجنوبية، أما مالي الشمالية فهو مالي التي غزاها الصوصو وخربوها وحكموها حتى طردهم منها ماري جاطة، وتوفي سنة 1255م.

وخلف ماري ابنه مَنْسا عليّ فسار على طريقة أبيه في سياسة الدولة، ثم تعاقب الملوك من أسرة كايتا على مالي حتى نصل إلى عصر السلطان كَنْكَن موسى (1312-1337م) الذي بلغت الدولة أوجها أيامه قوة وثروة وحضارة.

وتتحدث كتب التاريخ عن حجته المشهورة سنة 1324م، وقد مر فيها بلاد الإسلام من مالي إلى القاهرة من طريق بلاد البُرْنو والكانِم ثم واداي.

ولقي السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وأهدى إليه وإلى رجال السلطنة من هدايا الذهب ما بهر عيون الناس في مصر و الشام وأعطى الناس فكرة مبالغًا فيها عن ثراء هذه المملكة السودانية المسلمة وثروتها.

المرجع

ص ص : 112-106 الإسلام الفاتح، الدكتور حسين مؤنس، السنة الأولى 1401 هـ شهر رجب العدد الرابع، سلسلة مجلة دعوة الحق.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.