المسرح هو أبو الفنون وأولها منذ أيام الإغريق والرومان، وقدرته على الموالفة بين عناصر فنيّة متعدّدة، حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفنيّ بعد حلبات المصارعين والسباقات.
أنواع المسرح
هي جنس أدبي موضوعي أكثر حداثة نسبياً من الجنسين المتقدمين كانت أداته الغالبة هي الشعر حتى القرن التاسع عشر، وله أنواعه المختلفة التي ربما كان أهمّها المأساة أو التراجيديا، الملهاة، والمسرحية الهزلية، والمسلاة (وهي مسرحية قصيرة يغلب عليها الرقص والغناء لشغل الجمهور في أثناء العروض الرئيسية أو قبلها)، ومسرحية المعجزات (التي تمثل مشاهد من حياة الأولياء والقديسين ومآثرهم)، ومسرحية آلام المسيح التي تصور الأيام الأخيرة من حياة المسيح)، ومسرحية الأسرار المقدسة، (التي يصدر مؤلفوها فيها عن قصص الكتاب المقدس)، وغيرها.
وثمة فضلاً عن هذه الأنواع المتصلة أساساً بالشكل اليوناني، والتي تعدّ تطويراً له، أنواع أخرى كمسرح النو، والكابوكي اليابانيين، ومسرح خيال الظل التركي والعربي، وشعر التعزية الفارسي وغيرها. وعلى الرّغم من وجود ظواهر مسرحية عديدة في الأدب العربيّ القديم فإن المسرحية في الأدب العربيّ الحديث مستلهمة أساساً من التجربة الأوروبية بعيد المواجهة العربية - الأوروبية في منعطف القرن التاسع عشر أكثر ممّا هي تطوير لهذه الظواهر القديمة.
المسرح الحديث
ظهرت العديد من أشكال المسرح التجريبي المعاصر، والتي ثارت على الشكل التقليديّ للمسرحية ذات البداية والمنتصف والنهاية.
بدأ المسرح العربيّ بالظواهر الدّرامية الشعبية التي ظلّ قسم منها مستمرّاً حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أمّا القسم الآخر فما زال يقدّم حتى الآن مثل فنون الرقص الغجرية، الكاولية، القراقوز، خيال الظل، السماحة، المقامات، السير الشعبية، أو عاشوراء التي كانت سبباً لظهور أشكال مسرحية مهمّة أخرى مثل: الأخباري والسماح، حفلات الذكر، المولوية في المشرق العربي ومسرح البساط، صندوق العجائب، المداح، الحكواتي، إسماعيل باشا في المغرب العربي.
البداية الفعلية للحركة المسرحية العربية في لبنان وسوريا فيمكن تأشير مراحلها بالآتي:
1847م محاولة النقاش مسرحية (البخيل) عن مولير. الترجمات: شبلي ملاط: مسرحية (الذخيرة) عن الفرنسية ومسرحية (شرف العواطف)، أديب إسحاق: مسرحية راسين (أندروماك). التاريخية: هي مرحلة بعث التاريخ الوطني العربي التي من خلالها كتب (نجيب الحداد) مسرحية (حمدان) والتي استمدها من حياة (عبد الرحمن الداخل). الواقعية الاجتماعية: وتمثّلت في كتابات جبران خليل جبران الذي كتب مسرحية (إرم ذات العماد).
وكان في دمشق قبل الانتداب مقاهي عديدة منها: (للحكواتي)، وأخرى (للكراكوز)، وثالثة (للمصارعة)، ورابعة (للسيف والترس)، وخامسة (للرقص).
الربع الأول من القرن العشرين شهد ميلاد نهضة مسرحية واسعة في أغلب أقطار الوطن العربيّ في كل من (السودان -1902م)، (تونس –1908م)، (فلسطين –1917م)، (البحرين –1919م)، (الجزائر – 1921م)، (المغرب – 1923م)، (ليبيا، 1925م)، (الكويت – 1938م) و(قطر والأردن – بداية السبعينات.
يتميّز المسرح الغنائيّ، بأهميّة عنصر الموسيقى، والغناء، حيث تشكّل أساس هذا المسرح، الذي يعتبره شكلاً جديداً محوراً عن الأوبرا.
مسرح العبث
يتميّز مسرح العبث بأنه نتاج ظروف سياسية وعالمية كبرى أدّت بالفلاسفة المحدّثين إلى التفكير في الثورة.
العبثيون هم مجموعة من الأدباء الشباب الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية، فرأوا أن جميع النتائج التي نجمت عن تلك الحروب هي سلبية لأن خلقت نفسية سيطر عليها انعدام الثقة في الآخرين، فكان انعزال الإنسان الأوروبي وفرديته، هذا ناهيكم عن الويلات والدمار المادي الذي طال أوروبا كلها.
لقد كان أول ظهور لهذه المجموعة في فرنسا في الثلاثينات من القرن العشرين، وحينها قدّموا نمطاً جديداً من الدراما المتمرّدة على الواقع، فجددوا في شكل المسرحية ومضمونها. بدأ مسرح العبث ظهوره في أوائل الخمسينات من القرن العشرين، وبالذات في العام 1953م عندما طلع علينا الفرنسي الموطن والإيرلندي الأصل صاموئيل بيكيت 1906-1989م بمسرحية سماها (في انتظار غودو) اتسمت بغموض الفكرة وعدم وجود عقده تقليدية، وانعدام الحلّ لما عرضته المسرحية فكانت رمزية مبهمة للغاية ولوحظ قلّة عدد المسرحيين الذين مثلوها، وكان الزمان والمكان محدودين تقريباً، وتركت المسرحية سؤالاً طالما روّاد النقاد البحث عن توفي صاموئيل بيكيت عام 1989م تاركاً وراءه الكثير من الحديث والجدل عن غودو.
من هو؟ هل سيصل؟ متى سيصل؟ ماذا سيفعل أو يقدّم؟ وحتى هذه اللحظة فإن الجدل السائد بين النقاد هو أن غودو لن يصل. لقد ترك صاموئيل بيكيت خلفه ظاهرة أدبية وفنية مهمّة ومؤثّرة ومثيرة للجدل اسمها العبث أو اللامعقول، وكان رائد هذه الجماعة التي ثارت على كل ما هو مألوف سائرة في طريق العبث دون اهتمام بعامل الزمن، لم يكن العبثيون في واقع أمرهم مدرسة أو جماعة، وإنما مجموعة من المفكرين والكتَّاب غلبت على مشاعرهم وأحاسيسهم صفات تشابهت وظهرت في كلّ كتاباتهم الأدبية خاصّة في المسرحية منها.
لقد جاء تمرّد العبثيين على المدرسة التقليدية العريقة، التي أرسى قواعدها أرسطو حينما وضع أسس النقد الأدبيّ للمسرحية الجيدّة وحدّد عناصر نجاحها في ثلاثة هي: الزمان، والمكان، والحدث. العبثيون بدورهم ضربوا عرض الحائط بأرسطو وكتاباته ومنهجه وكل تاريخ المسرح، فتنكروا للعناصر الثلاثة المذكورة وقرّروا أن تكون كتاباتهم في مكانٍ محدودٍ جداً كشجرة (مسرحية في انتظار غودو)، أو كغرفة (مسرحية الغرفة)، أو كرسي (كمسرحية الكراسي)، وجعلوا عنصر الزمن غير ذي أهمية تُذكر، أمّا العقدة أو الحدث فلم يجعلوا لها وجوداً في مسرحياتهم. وإضافة إلى ذلك فقد عادوا بالمسرحية الفصل الواحد والعدد المحدود من الشخصيات.
أهمّ ما في مسرح العبث بعيداً عن الزمان والمكان والحبكة، هو الحوار، لكن ذلك الحوار كان غامضاً مبهماً مبتوراً تعوزه الموضوعية والترابط والتجانس، كل شخوص المسرحية تتحدّث دون أن يتمكّن أحد منهم من فهم الآخر! ولا من توصيل رسالته للآخر. الحوار دائماً مبتور، ولا تستطيع الشخصيات توصيل رسائلها، وقد بالغ كتاب العبث فجعلوا بعض الشخصيات تتكلّم ربما كلمة أو كلمتين عند نهاية المسرحية تلخّص السخط العام والغضب الشديد، ثمّ يصل بنا هارولد بنتر إلى ما هو أصعب من ذلك، فنراه يقدّم لنا شخصية الأخرس كشخصية رئيسية في مسرحية حملت اسمه (النادل الأخرس).
تعتبر حركة العبث أو اللامعقول، والتي سميت بأكثر من مسمّى مثل الكوميديا المظلمة، وكوميديا المخاطر، ومسرح اللاتوصيل، امتداداً لحركات أدبية مختلفة ظهرت لفترات قصيرة في بدايات القرن العشرين زمنها على سبيل المثال السريالية، وهي حركة أدبية فنية عبّرت بقوة عن غضب الشباب من التقاليد السائدة في تلك الفترة، ثمّ حركة الشباب الغاضب وهي أيضاً حركة فنية أدبية يدلّ اسمها على الكثير من طريقة تفكير أصحابها، بل ومن أشهر مسرحياتهم (انظر خلفك في غضب) تعبيراً عن غضبهم من الحروب العالمية ونتائجها غير الإنسانية.
لقد ازدهرت هذه الحركات، التي عبّرت عن مفاهيم ثائرة على القيم الفنية والأدبية في القرن العشرين، وكان ظهورها واضحاً جليّاً بعد الحروب العالمية في محاولة للتعبير الصارخ عن التمرد الاجتماعيّ على الحروب الدامية وما فيها من مصائب، وما تبعها من ويلات، وأهوال، وما خلفته من القتلى، والجرحى، والدّمار.
ازدهر العبثيون في الخمسينات من القرن العشرين، وبدت مسرحياتهم للقارئ العادي وكأنها بلا خطة، وبلا هدف، كما أن نهاياتها غير واضحة المعالم وغير محدّدة وتعطي انطباعاً أو شعوراً بأن مصير الإنسانية غير معروف، ولا هدف له، وتجدر الإشارة إلى أن رائد العبثيين صامويل بيكيت حاز على جائزة نوبل للآداب لما قدّمه من جديد في عالم الأدب، ومن أبرز كتّاب العبث يوجين يونيسكو البلغاري الذي مثّل بيكيت كتب بالفرنسية، وآرثر أداموف الروسي، وجان جينيه الفرنسي، ثم هارولد بنتر الإنجليزي، ثم هناك زميل ثان تمثّل في سمبسون الإنجليزي، وإدوارد البي الأمريكي، وتوم ستوبارد الإنجليزي، وهم أصحاب الأفكار التي تقرّر الشكل والمحتوى في المسرحية.
من أهمّ السمات العامة لمسرح العبث قلّة عدد شخوص المسرحية التي غالباً ما تدور أحداثها في مكان ضيق أو محدود جداً كغرفة مثلاً، وعلى سبيل المثال نرى كل مسرحيات هارولد بنتر تدور أحداثها داخل غرفة، والغرفة عادة مظلمة موحشة أو باردة ورطبة - لا يشعر من يعيش فيها براحة ولا باستقرار ولا بأمان على الإطلاق ويظل قلقاً دوماً والغرفة وفيها يخاف من بداخلها من كل شيء خارج فهي مصدر قلق لعدم ملاءمتها وفي الوقت نفسه ملجأ حماية من مخاطر خارجية محدقة دوماً.
ودور المرأة في مسرح العبث يكون دوماً أقل أهمية من دور الرجل، وتكون المرأة أكثر كآبة من الرجل لما تعانيه من اضطهاد اجتماعي واضح، كما ونرى الغرفة في مسرحيات يوجين يونسكو إن كان لها مفهوم آخر فهي تبعث على الاطمئنان النسبي، لأنها ملجأ ضد الأخطار الخارجية، ووسيلة حماية لشخصيات المسرحية، والضوء الخافت أو العتمة والرطوبة العالية من سمات المكان في المسرح العبثي، كما أن اللغة فيها تكرار في الموقف الواحد، وهذا التراكم الكمي من الأسباب يعطي مدلولات واضحة للخوف وعدم الطمأنينة والقلق الدائم، تلك العناصر التي تؤدّي إلى غياب التفريق بين الوهم والحقيقة، وتؤدي أيضاً إلى عدم ثقة الشخصيات في المسرحية ببعضها البعض، كما أنها تبيّن بما لا يدع مجالًا للشكّ غياب الحلول الفعلية لمشاكل كثيرة، وعدم القدرة على مواجهة الأمر الواقع مع حيرة مستمرة، وقلق متواصل، وخوف متجدد من ماهية المستقبل، وكيف سيكون.
يعتبر مسرح العبث مهمّاً للغاية عند الأوروبيون لأنه يعكس واقعهم الاجتماعي المؤلم، ومن أهم المشكلات التي يعرض لها، معضلة الفردية، فالأوروبي يعيش رغم حضارته المادية والتقدم العلمي، إلا أنه يعاني من فرديته وانعزاليته نتيجة لعدم قدرته على بناء علاقات إنسانية اجتماعية أساسية ورصينة مع الآخرين. على أي حال فما زال هناك من النقاد من يعتقد بأن مسرح اللامعقول يتجه نحو حبكة واضحة المعالم، وأنه إذا أريد لهذا المسرح أن يكون شيئا فلا بدّ له من الخروج من دائرة اللاشيء متجهًا نحو مواضيع فنية وسياسية وأدبية واجتماعية ودينية أكثر وضوحاً، لكن المهم هنا هو أنه إذا ما غير مسرح العبث توجهاته، وشكله، ومضمونه، فإنه سينتهي كفكرة ومضمون ومغزى.
أهمّ ما قدّمه لنا هذا اللون الجديد من الدراما هو دراسة نفسية وفكرية لأوروبا الحديثة وانعزالية الإنسان فيها، وفشله في بناء علاقات اجتماعية فالمادة هناك هي المقياس الأول وهي المعيار والمحك، ومع هذا الوجود الماديّ العنيف تضاءلت قيم اجتماعية وتلاشت أخرى. في الختام أودّ أن أسجل حقيقتين أولاهما أنه لم يبقَ من العبثيين سوى هارولد بنتر، الذي لم يضف أيّ عمل مسرحيّ منذ سنوات وتفرّغ لكتابة المقال، وثانيتهما أن بدايات القرن الحادي والعشرين شهدت تقيماً للنتاج المسرحيّ في القرن الماضي، فاعتبر النقاد مسرحية صاموئيل بيكيت (في انتظار غودو) أفضل مسرحية كُتبت في القرن العشرين.
تاريخ المسرح هو قصة تطور فنون الأداء على مر العصور، بدءًا من المهرجانات الدينية في اليونان القديمة إلى العروض المعاصرة التي تجمع بين التقليد والابتكار. هذا الفن الغني الذي تطوّر عبر الزمن يعكس تنوع الثقافات ويعبر عن قضايا الإنسان في كل مرحلة تاريخية، مما يثبت دوره الحيوي في تحفيز الفكر وتوجيه الرسائل الإنسانية
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.