من نواحي الهند التي ضربت فيها جذور الإسلام وأزهرت شجرته وأينعت في تربتها ناحية مصب الجانج والبراهما جوترا، وهو مصب يأخذ شكل دلتا. هناك، وإلى قرب مدينة بَتْنا، نجد بلاد البنغال والبِهار، وكلتا الناحيتين كانتا من أفقر نواحي الهند لكثرة السكان وتوالي جوائح الفيضانات.
ونتيجة لهذا الفقر، هبط مستوى أولئك الناس في بعض أحقاب التاريخ، وتغلب عليهم جيرانهم واستذلوهم. وهبطت مكانة معظم الناس هناك قبل الإسلام إلى مراتب المنبوذين، وتعالى البراهمة والهندوس. فلما جاء الإسلام، أقبلت جماهير البنغاليين والبهاريين على اعتناقه، وأعزهم الله بملوك المسلمين أيام الخِلْجِييِّن ومملوكهم كافور (1290م)، فارتفع قدرهم.
“دكا” مدينة الألفي مسجد
وإذا كنا نقول إن القاهرة مدينة الألف مئذنة، فإنهم هناك يقولون إن “دكا” مدينة الألفي مسجد، وتلك هي البلاد التي انفصلت بنفسها عن الباكستان وأنشأت لنفسها دولة البنجلاديش.
وعندما نشطت حركة العمران، انطلقوا بالمتاجر إلى بقية بلاد الهند وإلى ما يليهم شرقًا من بلاد بِرْمانيا، وهي بلاد أنهار كبيرة، أهمها الإيراوادي والميكونج، وهي بلاد غابات وأحراش كثيفة، وطرق المواصلات فيها تسير مع الأنهار وترعها.
وكانت بورما في القرن الرابع عشر الميلادي، عندما دخل الإسلام بلاد البِهار والبنغال، تُسمى برمانيا، وتنقسم إلى قسمين: برمانيا العليا وعاصمتها آبا على نهر الإيراوادي، وبرمانيا السفلى وعاصمتها بيجو على مصب الميكونج. والبلاد المجاورة للبنغال تُسمى أراكان، وكانت مملكة قائمة بذاتها. وامتد الإسلام إلى برمانيا، وكانت تلي برمانيا شرقًا بلاد ما يُعرف بالهند الصينية (بلاد سيام) أو (مملكة تايلاند)، أي أرض التاي (أرض الشاي)، وعاصمتها أيُوتْيا، ثم إلى الشرق نجد بلاد كمبوديا، وإلى شمالها لاوس، ثم أنام (فيتنام) شمالها وجنوبها.
سكان برمانيا
سكان هذه البلاد جميعًا صينيون وسياميون، وكانت سيام تمتد مع شبه جزيرة الملايو حتى خط عرض 7 شمال خط الاستواء وجنوب بلاد الملايو وفيها ملقا، ويسكنها شعب يختلف كل الاختلاف عن الصينيين والسياميين، وهو شعب الملايو الذي يرجع إلى أصول أخرى غير أصول الصينيين، فسكانه من الجنس البوليينيزي الذي يعم جنوب شرق آسيا بما فيه الفلبين والجزر شمالها إلى هاواي.
سار الإسلام في برمانيا مع مجاري الأنهار، وعلى سواحل الطرق المائية والبرية، ثم جاء تجار المسلمون من نواحي بلاد الهند الأخرى ومن إيران، فاستقروا في مدن الساحل، وأنشأوا المتاجر ونشروا الإسلام.
ومن سوء الحظ أننا نجد في برمانيا أكبر معاقل البوذية الشانسية، واليونجي أو الراهب هو السيد المطلق في القرية، والمعبد الذي يسمى “اليونجي-كياونج” هو مركز الحياة في القرية، والبوذية مذاهب شتى.
أنشأ الإسلام جماعات قوية من المسلمين في المدن والقرى، لكنها لم تزدهر كما ستزدهر جماعات المسلمين في ملقا، وهي بلاد كَلَه أو كلابار.
وبلاد الهند الصينية ليست من أوعر بلاد الأرض سطحًا، ولكنها من أصعبها مواصلات، فإن الجبال والمرتفعات والأراضي القاحلة ومناطق الأحراش تضع سدودًا وقيودًا حقيقية على التواصل والتلاقي.
انتشار الإسلام عن طريق التجارة
ومن الواضح أن الإسلام وصل إلى أولئك الناس في شبه جزيرة ملقا عن طريق التجارة، وأن أولئك التجار لم يكونوا من العرب أو الفرس بل من الهنود، لأن مصطلح الإسلام هناك شديد التحريف، وإن كانت العقائد والعبادات نفسها صحيحة.
ويؤيد ذلك أن قلة من أهل شبه الجزيرة يتكونون من التامول، وهم جماعة من الهنود هاجرت إلى جنوب الهند الصينية واستقرت فيها واختلطت بأهلها. ويمكن القول بأن التامول كان لهم دور كبير في نشر الإسلام في الهند الصينية بين جماعات التِّجام في الهند الصينية في القرن الرابع عشر الميلادي.
وانتهت دولة الخِلْجيين في الهند سنة 1320م، ثم إن التجام أنشأوا دولة كبيرة في أنّام عُرفت باسم دولة الشامْبا على الشاطئ الشرقي للهند الصينية، أي في إقليم أنّام. ولا تزال بقايا المسلمين الأناميين تعيش في جنوب الهند الصينية بأعداد صغيرة.
لقد حاربتهم الشيوعية، فهجر معظمهم إلى مملكة كمبوديا، وهناك طاردتهم الشيوعية. وإن كمبوديا تعاني من جماعات الشيوعية فيها ومن عدوان شيوعية الفيتنام عليها.
يتجمع المسلمون في كمبوديا والفيتنام في مراكز الجنوب، وهم ليسوا جميعًا من التجام، وإنما نجد فيهم الكثيرين من مهاجرة الملاويين إلى الهند الصينية.
تجمعات جديدة للمسلمين
وأكبر مواضع تجمعهم في سايجون، وتشولون، وتشاودوك، وكوشن-شين، وبنوم-بنه، وكامبونج-لودنج، وكماميونج-تشام، ولوفك، وكامبوت، وبورسات، وبضع مواضع أصغر من هذه. وهم يجرون في ممارسة عباداتهم على مثال إخوانهم مسلمي الملايو.
وكثيرون منهم يحملون لقب الحاج، ومساجدهم كثيرة وصغيرة، وهي تُبنى في الغالب من الخشب على نُشُز من الأرض، وتُفرش بالحُصُر. وفي مدخل المسجد حوض ماء للوضوء، ويستعمل المسجد، كما هو الحال في معظم بلاد المسلمين، مدرسة لتعليم الصغار وتحفيظهم القرآن الكريم بصورة خاصة.
وهم يستعملون في مصطلحهم الديني الألفاظ العربية محرفة، وقد أخذوا هذه الألفاظ عن أساتذتهم الملاويين، فنجدهم يقولون: مُوفاتي (مفتي)، وقُوح كالل (كالل: قاضي)، وراجاله كالل (قاضي)، وقوان باكيه (فقيه)، وحكيم (طبيب)، وكتيب (خطيب)، والمؤذن (بلالًا) أيًا كان اسمه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.