أدب الرعب العربي أحد الأنماط الأدبية الجديدة في مشهد الكتابة العربية التي شهدت نهضة كبيرة في السنوات الأخيرة، فأصبح أكثر شيوعًا وجاذبية للقراء الشباب، مع تضاعف الإقبال عليه واهتمام القراء، وظهور مجموعة من الأسماء التي تقدم أعمالًا روائية وقصصية ذات جودة عالية في أدب الرعب، وهو ما يمكن أن تلاحظه في أرقام المبيعات ونسبة عدد الكتب التي تتناول أدب الرعب في معارض الكتب.
في هذا المقال، نتناول تاريخ أدب الرعب العربي، ونوضح أسباب انتشاره، ونستعرض المحاولات السابقة لتقديمه، لنرسم خريطة كاملة لهذا العالم الذي يوازن بين الموروث الشعبي والمخاوف العصرية، ونستكشف كيف أصبح أدب الرعب العربي بين الأسطورة والواقع جزءًا لا يتجزأ من مشهدنا الثقافي.
أسباب انتشار أدب الرعب: لماذا نقرأ ما يخيفنا؟
إن انتشار أدب الرعب في السنوات الأخيرة يعود إلى عوامل عدة متداخلة:
البحث عن الإثارة والتشويق
مع الإيقاع المتسارع للعصر، ورغبة الشباب في البحث عن التشويق والإثارة، بدأ أدب الرعب في الصعود في السنوات الأخيرة بما يقدمه من خيال وتشويق كبير، وهو ما يتناسب مع متطلبات الجيل الجديد من القراء الذي يرغب في تجربة مثيرة ومقلقة ومحفزة، إضافة إلى رغبة كبيرة في الانفصال عن الواقع والوصول إلى أبعد حدود في الخيال، وهو ما يمكن لروايات وقصص الرعب أن تقدمه، في مقابل القصص والروايات الواقعية التي تشهد تراجعًا كبيرًا على مستوى المبيعات.

التطهر النفسي
توجد أيضًا آراء لخبراء في علم النفس تتحدث عن رغبة الأجيال الجديدة في التحرر من مخاوفها الكامنة، من أجل القدرة على مواجهة الواقع، إضافة إلى البحث عما يساعدهم على التخلص من خوفهم بتفجيره في تجارب آمنة، مثل مشاهدة الأفلام المرعبة أو قراءة الروايات والقصص التي تنتمي إلى فئة أدب الرعب، وتشير الآراء نفسها إلى أن ضغوط الحياة قد تكون سببًا مؤثرًا في اتجاه قطاع عريض من القراء إلى أدب الرعب.
تأثير العراب
أما بعض الكتاب والنقاد فيرجعون الفضل في انتشار روايات وقصص الرعب في هذه المرحلة إلى الكاتب الراحل (أحمد خالد توفيق) الذي دفع الشباب إلى القراءة عمومًا وإلى قراءة أدب الرعب والفانتازيا خاصة، وهو ما يمنحه من وجهة نظر بعض النقاد لقب (الأب الروحي لأدب الرعب العربي)، فقد استطاع استغلال الأساطير القديمة في صنع قصصه التي تدور في الواقع، وهو ما يمكن للكتاب العرب الاستفادة منه بالأساطير العربية المنتشرة في كل البلدان.

دفعة السوق ودور النشر
أما كتاب أدب الرعب أنفسهم، فيقولون إن العدد الكبير المعروض من الأعمال التي تدخل ضمن إطار أدب الرعب، يدفع القراء إلى الاتجاه إلى أدب الرعب، بمعنى أن السوق هو الذي يقود المستهلك، وفي هذا الأمر يقول الكاتب (أحمد دياب) الذي يكتب في أدب الرعب، إضافة إلى عمله محاضرًا في علم النفس (إن زيادة عدد كتاب الرعب، وزيادة الأعمال المطبوعة والمنشورة في السوق، أدى إلى زيادة استهلاك القراء لأدب الرعب).
ويؤكد الكاتب أحمد يوسف الذي تتميز كتاباته أيضًا بجانب الرعب والغموض والإثارة على هذا الرأي عندما يقول (إن اتجاه دور النشر في طرح أدب الرعب بغزارة كبيرة، أدى إلى تحقيق قدر كبير من استهلاك أدب الرعب لا سيما لدى الجيل الجديد، وشجع الكتاب الآخرين الذين لا يكتبون في أدب الرعب إلى الدخول في السوق والاستفادة من هذا الرواج).
أنواع أدب الرعب الرئيسة
ينقسم أدب الرعب عالميًا إلى أنواع فرعية عدة، أبرزها:
-
الرعب النفسي: يعتمد على التلاعب بعقل القارئ وإثارة قلقه وتوتره دون وجود وحوش واضحة.
-
الرعب الخارق للطبيعة: يتناول الكيانات الغيبية مثل الأشباح، الشياطين، والجن.
-
الرعب الكوني (اللوثكرافتي): يركز على الخوف من المجهول والكيانات الكونية التي لا يمكن فهمها.
تاريخ أدب الرعب العربي
قد لا نستطيع أن نستخدم مصطلح أدب الرعب العربي على الأعمال الروائية والقصصية قبل النصف الثاني من القرن الـ20، فلم توجد كتابات خالصة في أدب الرعب، وإنما كان هناك مجموعة من الاجتهادات والحكايات التي تتميز بالفانتازيا والخيال، وربما كان الرعب أحد تجلياتها في مشاهد قليلة، وبذلك لا نستطيع أن نضع أيدينا على رواية أو مجموعة قصصية كانت تهدف إلى تأسيس أدب الرعب، فكان القارئ العربي بعيدًا قليلًا عن فكرة البحث عن التجربة المرعبة التي بدأت تتضح في أواخر القرن الماضي، لكن هناك مجموعة من التجارب التي يمكن الإشارة إليها بكونها بداية تاريخ أدب الرعب العربي.
يوسف السباعي
على الرغم من أن الأديب الكبير يوسف السباعي معروف بقصصه الرومانسية التي جعلت النقاد يطلقون عليه (فارس الرومانسية)، إضافة إلى كتاباته الساخرة التي تميل أحيانًا إلى الكوميديا؛ فإن له محاولات في أدب الرعب والكتابات التي يمكن أن تعبر عن عالم ما وراء الطبيعة وهو ما يظهر على سبيل المثال في مجموعته القصصية (من العالم المجهول) التي لم تحظَ بشهرة كبيرة مثل ما حظيت به كثير من أعماله الأخرى، وقد صدرت المجموعة عام 1951 وتناولت مجموعة من القصص المثيرة التي تمتلئ بالأمور الخارقة وعالم الأشباح والغموض، على الرغم من أن يوسف السباعي نفسه قد أعلن أنه لا يؤمن بفكرة العفاريت والأشباح.

أنيس منصور
يعد أنيس منصور أيضًا صاحب محاولات كبيرة في أدب الرعب العربي التي لم يهتم بها النقاد كثيرًا، ولم يعتقد أحد منهم أنها ستكون نواة لما نعرفه الآن بأدب الرعب العربي التي كانت خليطًا بين ما هو مفهوم ومادي وملموس وما هو غير ملموس، إضافة إلى الكثير من العجائبية وابتعاد الأمور عن العقلانية، وهو ما ظهر في سلسلته التي سبقت سلسلة أحمد خالد توفيق (ما وراء الطبيعة)، وعلى الرغم من أن أنيس منصور كان معاصرًا لمراحل ازدهار الرواية الواقعية وكتابها الكبار، فإن هذه التجارب في أدب الرعب كانت على عكس التيار، وأبرز هذه الأعمال هي: (القوى الخفية، لعنة الفراعنة، الذين عادوا إلى السماء، الذين هبطوا من السماء، أرواح وأشباح، على رقاب العباد)

نجيب محفوظ
قد يعد اسم نجيب محفوظ صادمًا عند مطالعته في مقال يتحدث عن أدب الرعب العربي، فذلك الكاتب الكبير الذي حصل على جائزة نوبل عن مجمل أعماله المخلصة للكتابة الواقعية بامتياز، لم يكن شغوفًا بكتابة أدب الرعب، وعلى العكس تمامًا كان ينتقد الكتابات الخيالية، خاصة كتابات الخيال العلمي، لكن صاحب جائزة نوبل كانت له بعض الإرهاصات التي جنح فيها إلى الصوفية والخيال الذي يتصاعد معها، وهو ما يمكن أن تلمحه في رواية (الحرافيش) و(أولاد حارتنا)، حيث الخيال الديني الذي يُستخدم لأغراض واقعية.
لكن ما نقصده من أجواء الرعب يظهر في بعض الأعمال القصصية التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد، لكنها تستحق الإشارة إليها مثل بعض قصصه في: (أولاد حارتنا عام 1959، الحرافيش عام 1977 وبالتحديد في قصة صاحب الجلالة، خمارة القط الأسود عام 1968، مجموعة الحب فوق هضبة الهرم عام 1979 وبالتحديد في قصة السماء السابعة، أمام العرش عام 1983، أصداء السيرة الذاتية عام 1994، أحلام فترة النقاهة عام 2004).

إبراهيم أسعد
يعد الكاتب إبراهيم أسعد من رواد أدب الرعب العربي الخالص، كان يعمل أستاذًا بكلية الآداب الذي عمل أيضًا مترجمًا لكثير من الأعمال الأدبية في الثمانينات، من رواد كتابة الرعب العربي الخالص الذي كان يدافع كثيرًا عن فكرة الرعب العربي الذي يرتبط بالتاريخ الشعبي، ويرفض فكرة الركون إلى الآداب الغربية والأساطير التي لا ترتبط بالثقافة العربية، فكانت له محاولات جادة ومهمة في تأسيس جديد لأدب الرعب العربي الذي يعتمد على العفاريت والجن، وهو ما كان مادة غنية لكثير من الكتاب الذين ساروا على درب إبراهيم أسعد بعد ذلك، وربما تقليده مباشرة.
كانت كتابات إبراهيم أسعد أيضًا تتميز بالفانتازيا والرعب الممتزج بالتاريخ، كما كانت له مجموعة من الكتابات في مجالات أخرى، مثل التاريخ والجغرافيا وأدب الرحلات، ووصلت مجموعة أعماله إلى 14 عملًا أدبيًا متنوعًا، من أهمها في مجال الرعب: (المرتد عام 1978، قصص أخرى عام 1980، الرعب عام 1984، القوى الخفية .. نظرات في تاريخ السحر، قصص وأساطير فرعونية).

أحمد خالد توفيق عراب الرعب العربي
وعند محطة أحمد خالد توفيق العراب كما يسميه محبوه وعشاقه الذين يقدرون بالملايين، فإننا نتحدث باستفاضة عن الرجل الذي كان له التأثير الأكبر في هذا النوع من الأدب، ويعد حلقة الوصل الرئيسة بين الاجتهادات والمحاولات القديمة في أدب الرعب العربي، وبين الواقع الذي يزخر بالعشرات وربما المئات من كتاب أدب الرعب، وكذلك كان أحمد خالد توفيق مسؤولًا عن هذا الرواج الكبير، وعدد المستهلكين الهائل لأدب الرعب.
كان تعاقد المؤسسة المصرية العربية الحديثة مع مجموعة من الكتاب لإطلاق مجموعة من السلاسل التي تمثل مشروعها الثقافي في ذلك الوقت في بداية التسعينيات حدثًا كبيرًا، فتعاقدت مع كل من أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق، إضافة إلى رؤوف وصفي، فتنوعت الكتابات بين الكتابة الخيالية وكتابة الفانتازيا وكتابة الخيال العلمي والمغامرات، إضافة إلى أدب الرعب، وهو ما ميز الدكتور أحمد خالد توفيق عن باقي الكتاب، بعد النجاح الكبير الذي لاقته سلسلة (ما وراء الطبيعة) التي لا تزال تحقق نجاحًا كبيرًا في القراءة والاستهلاك حتى الآن.

وقدم أحمد خالد توفيق سلسلة فانتازيا ثم سلسلة سفاري، إضافة إلى رواياته الأخرى مثل يوتيوبيا وفي ممر الفئران ومثل إيكاروس، أضف إلى ذلك مجهودات أحمد خالد توفيق الأدبية في مجموعة هائلة من المقالات والدراسات التي تتميز بالتهكم والنقد اللاذع والسخرية من كل الأوضاع الثقافية والأدبية والسياسية والفنية في كل مكان، وهو ما لاقى ردود أفعال هائلة خاصة من الشباب.

كان أحمد خالد توفيق غزير الإنتاج، فلم يكن أدب الرعب هو همه الوحيد، لكنه كان مصدر شهرته الكبيرة، وحينما نضع اسم أحمد خالد توفيق بين الكتاب الكبار، فإننا نشير إلى كتاباته في أدب الرعب التي تحتاج إلى دراسة وعناية كبيرة من النقاد والكتاب والمثقفين، وعندما نتعامل الآن مع المئات من القصص والروايات التي تنتمي إلى أدب الرعب، فإننا دون قصد نستدعي أحمد خالد توفيق وكتاباته الرائعة التي أضاءت هذا الطريق؛ لذا يستحق العراب عن جدارة لقب رائد أدب الرعب الحديث في العالم العربي.
الجيل الجديد: من يسير على خطى العراب؟
بعد النجاح الساحق الذي حققه أحمد خالد توفيق، فُتح الباب لجيل جديد من كتاب الرعب العرب الذين ساروا على دربه وطوروا من هذا النوع الأدبي. ويعد الكاتب حسن الجندي من أبرز أسماء هذه الموجة الجديدة، فحققت أعماله التي تمزج بين الرعب والجريمة والموروث الشعبي، مثل (مخطوطة ابن إسحاق) انتشارًا واسعًا بين الشباب.
أمثلة على أفضل روايات عربية في أدب الرعب
-
يوتيوبيا - أحمد خالد توفيق: رواية ديستوبية مرعبة عن مستقبل مصر الطبقي.
-
في ممر الفئران - أحمد خالد توفيق: رواية تجمع بين الرعب النفسي والخيال العلمي.
-
مخطوطة ابن إسحاق: مدينة الموتى - حسن الجندي: رواية رعب تستلهم الأساطير والتاريخ المصري القديم.
-
صانع الظلام - تامر إبراهيم: رواية تجمع بين الرعب والتشويق البوليسي.
إن الحديث عن أدب الرعب العربي يبدو أشبه بالحديث عن المطر الذي يبدأ بالقطرات الصغيرة، ثم يزداد رويدًا رويدًا حتى يصبح سيلًا هائلًا، لذا فإن الأسماء الجديدة والمميزة في أدب الرعب العربي كثيرة، لدرجة أننا لا نستطيع الإشارة إلى بعضها دون الآخر، لذا فإن المشهد الحالي يحتاج إلى بعض الوقت لإفراز كتابه الكبار الذين سينتقلون إلى المرحلة التالية، ويضعون أسماءهم بقوة في مشهد الكتابة العربية عبر التاريخ، بصفتهم رموزًا في أدب الرعب العربي.
إن رحلة أدب الرعب العربي من محاولات فردية خجولة إلى ظاهرة جماهيرية واسعة تظهر تحولات المجتمع نفسه، لقد أصبح هذا النوع الأدبي متنفسًا للشباب للتعبير عن مخاوفهم وقلقهم، ومساحة خيالية لاستكشاف الجوانب المظلمة من النفس البشرية والمجتمع. وبفضل جهود رواده، وعلى رأسهم أحمد خالد توفيق، أصبح أدب الرعب والفانتازيا جزءًا لا يتجزأ من الأدب العربي المعاصر.
وفي نهاية هذا المقال الذي حاولنا من خلاله توضيح صورة أدب الرعب العربي منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومقترحاتك عن مقالات أخرى ترغب في قراءتها على جوك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.