شهدت حالات الطلاق ارتفاعًا مفزعًا، وبات الانفصال يُتخَذ بقرارات مستعجلة دون التفكير في العواقب التي تمتد آثارها لتشمل جوانب متعددة من الحياة، لكن الأكثر أهمية هو تأثير الطلاق على الأطفال الذين يُعدُّون الطرف الأكثر تضررًا من هذه العملية.
تنشئة الأطفال ليست مهمة سهلة، لذلك عندما يفقد الطفل أحد والديه بسبب الوفاة، تصبح مهمة الطرف الآخر في غاية الصعوبة، وينعكس ذلك على نفسية الطفل بسبب ابتعاد أحد الوالدين. وإذا كان غياب أحدهما بسبب الطلاق فإن تأثيره في نفسية الطفل قد يكون أشد وأطول أمدًا. فهيا نتعرف على هذا التأثير من كثب.
الطلاق وتأثيره على الأطفال
يؤثر الطلاق مباشرة في الأطفال، وإذا سافرنا بالزمن إلى المستقبل، نجد أن الطفل حين يصبح ناضجًا، قد يشعر بين الحين والآخر بغصة في قلبه، وعندما يفتش عن هذا الأمر قد لا يجد له سببًا.
قد يُفسَّر هذا الشعور على أنه مشكلة صحية، ويبدأ بالبحث عن أسباب طبية، ليكتشف لاحقًا أن جذور هذه المشاعر تعود إلى تجاربه النفسية المؤلمة في أثناء طفولته، وعلى رأسها الطلاق.
الطلاق يترك مشكلات نفسية تؤثر في سلوك وشخصية الطفل دون أن يشعر، ومن أبرز هذه التأثيرات:
- يعاني الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة (من سنتين إلى خمس سنوات) من صعوبات في النوم ونوبات غضب شديدة ومفاجئة، وقد يواجه صعوبة في التخلي عن الحفاضات واستخدام المرحاض، وتتفاوت حدة هذه الأعراض حسب درجة تأثر الطفل بالطلاق.
- يشعر الطفل في المرحلة المتوسطة (من خمس إلى اثنتي عشرة سنة) بحزن دائم وغضب مستمر دون أن يعرف السبب، وهي مشاعر قد تُشابه تلك الناتجة عن فقدان أحد الوالدين، لا سيما الأم، كما يظهر عليه الرهاب الاجتماعي؛ أي يخشى التواصل مع الغرباء أو البقاء في أماكن مزدحمة.
- في مرحلة المراهقة يشعر المراهق بالوحدة، ومع ضعف التواصل مع الوالد البعيد، قد ينخرط في سلوكيات مدمرة مثل التدخين أو الإدمان، ويصبح أكثر عدوانية، ما يؤثر في علاقاته بزملائه، وقد يقع في مشكلات كبيرة نتيجة هذا السلوك.
- الشعور الدائم بالخسارة، وقد يتطور إلى الاكتئاب، فيفقد الاستمتاع بالأشياء التي كانت تسعده في الماضي.
- عدم التعايش مع الوضع الجديد والعيش مع أشخاص جدد نتيجة الانتقال لمكان آخر بعد حدوث الطلاق، فيجد صعوبة في تقبل هذا التغيير، لا سيما إذا كان معتادًا على العيش مع كلا الوالدين معًا.
- قد يتعرض للتنمر من الأصدقاء والزملاء في الدراسة إذا انتشر خبر طلاق والديهم.
- عدم استقرار حياته نتيجة العيش بين منزلين مختلفين، ويزداد الأمر سوءًا إذا حاول أحد الوالدين تشويه صورة الطرف الآخر أمام الطفل.
هل الطلاق يدمر الأطفال؟
يمثل الطلاق نقطة تحول جذرية في حياة الطفل، فبعد أن كان يعيش مع أبويه تحت سقف واحد، يجد نفسه في وضع جديد منتقلًا بين منزل الأم ومنزل الأب، ويبقى السؤال: هل يصل تأثير الطلاق على الأطفال إلى حد التدمير؟
يوقف هذا الأمر على طبيعة الطفل نفسه. فبعض الأطفال يستطيعون التعايش سريعًا مع الوضع الجديد. ومنهم من يرى أن الطلاق هو الحل الأفضل من المشكلات التي كانت تحدث في الماضي بين الأب والأم قبل الطلاق.
ولكن، يؤثر الطلاق على نحو مدمر في حياة الأطفال أصحاب النفسيات الهشَّة التي تتأثر سريعًا بأي متغيرات أو ضغوطات تمارس عليهم سواء من المجتمع أو من البيئة المحيطة، هؤلاء الأطفال غالبًا ما يحتاجون إلى دعم نفسي متخصص لتجاوز هذه المرحلة.
كيفية التعامل مع الأطفال بعد الطلاق؟
ينبغي مساعدة الطفل على تجاوز تلك المحنة، ويمكن اتباع مجموعة من الخطوات الفعَّالة:
- التحدث مع الطفل بصراحة عن الوضع الجديد، ويجب أن يفهم الأسباب التي أدت إلى الطلاق، حتى لو كان صغيرًا، لأن الغموض قد يزيد من شعوره بالارتباك والقلق.
- يقع على عاتق الأبوين المنفصلين مسؤولية توصيل معلومة أن هذا الوضع الجديد يهدف إلى تحسين حياته والابتعاد عن جو المشاحنات والخلافات السابقة.
- إذا لاحظ الوالدان أن الطفل يعاني تأثيرات نفسية حادة نتيجة الطلاق، فمن المهم عرضه على اختصاصي نفسي لتقديم الدعم.
- تدخل الاختصاصي النفسي لتقديم الدعم اللازم ومعالجة هذه المشكلات في حالات الأطفال الذين يعانون مشكلات سلوكية حادة نتيجة الطلاق.
- إطلاق حملات توعية من الجهات المختصة في الأماكن التي يتجمَّع فيها الأطفال والمراهقين، مثل المدارس والأندية والساحات الرياضية؛ لتعريفهم بطرق التعامل الصحيحة مع الطلاق، وتجنب التأثيرات السلبية المحتملة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.