تأثير الطلاق على الأطفال.. صدمات نفسية وأساليب تعامل حكيمة

يمثل الطلاق نقطة تحول جذرية في حياة الأسرة، تاركًا تداعيات عميقة لا تقتصر على الزوجين فحسب، بل تمتد لتطال الأبناء الذين يجدون أنفسهم في خضم عالم جديد ومربك. يستعرض هذا المقال بتعمق التأثيرات النفسية المدمرة التي يخلفها الطلاق على الأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، بدءًا من الطفولة المبكرة وصولًا إلى المراهقة، مسلطًا الضوء على التحديات العاطفية والسلوكية التي يواجهونها.

ويقدم هذا التحليل الشامل إستراتيجيات عملية وأساليب تربوية حكيمة للتعامل مع هذه الآثار، بهدف مساعدة الأطفال على تجاوز هذه المحنة بسلام نفسي وتعزيز قدرتهم على التكيف والنمو. ويهدف هذا الدليل إلى تزويد الآباء ومقدمي الرعاية بفهم أعمق لاحتياجات الأطفال النفسية في مرحلة الطلاق وتقديم الدعم اللازم لهم لعبور هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الضرر.

تنتهي علاقات زواج عدة بالنهاية التي لا يحبها الأطراف جميعهم، ألا وهي الطلاق، لكن لا يتوقف الأمر على انفصال الزوجين عن بعضهما، بل إن لهذا الأمر عددًا من التوابع التي قد لا يحمد عقباها، ولا تطال هذه التوابع الأب والأم فقط، بل تطال الأطفال في المقام الأول، ما يجعل التعرف على تأثير الطلاق في نفسية الأطفال أمرًا في غاية الأهمية. 

عندما يحدث الطلاق يتشتت الأطفال بين أب وأم لا يجتمعان في بيت واحد، إضافة إلى المشكلات التي تنشأ من هذا الأمر، والعلاقات المتوترة التي تشوب الجو العام بينهما، وأول المتأثرين بهذه الأجواء المشحونة هم الأطفال، فتعال نتعرف إلى هذه التأثيرات، وستتفاجأ بتأثيرات غريبة تصيب الأطفال من جرّاء ذلك. 

تأثير الطلاق في نفسية الأطفال

لا شك أن البيت المستقر الذي يبنى على أساس المحبة والتفاهم بين الأب والأم في المقام الأول يلقي بظلاله على أطفال هذا البيت في جوانب حياتهم جميعها، ومن أبرز الجوانب التي تتأثر بهذا الأمر الجانب الدراسي، فمن الممكن أن يحصّل الطفل كمًا كبيرًا من المواد الدراسية في وقت قصير ما دام يعيش في جو هادئ بعيدًا عن المشاحنات التي تؤدي إلى الصوت العالي وعدم الاستقرار.

الطلاق ومذاكرة الأطفال

وهذا ينقلنا إلى النتيجة التي تقابل النتيجة السابقة، فإن تأثير الطلاق في نفسية الأطفال سيكون كبيرًا جدًّا لا محالة، وستكون آخر أولويات الأطفال هي الدراسة ومستوى التحصيل الدراسي؛ لأن الغالب في الأمر هي مشكلات البيت، وفي هذا الصدد يجب أن نبرز بعض النقاط؛ لكي نكشف هذا الأمر ونحلله.

أعراض وتجليات تأثير الطلاق في نفسية الأطفال حسب المراحل العمرية المختلفة

يؤثر الطلاق على الأطفال بشكل مختلف حسب كل مرحلة عمرية كالتالي:

الأطفال الصغار (2-5 سنوات)

الأطفال من سن سنتين حتى خمس سنوات يعانون صعوبة في النوم وشعورًا بقلق دائم يصل إلى القلق المرضي وقلق الانفصال خاصة، وصعوبة في استخدام المرحاض تعبيرًا جسديًّا عن الضغط النفسي، ويتأخر في الاعتماد على نفسه في هذا الأمر.

وأيضًا تظهر عليهم نوبات من الغضب والعصبية، والبكاء دون سبب واضح، والتشبث بأحد الوالدين، وسيلةً للتعبير عن الإحباط وعدم الفهم. في هذه المرحلة، قد لا يفهم الطفل مفهوم الطلاق، لكنه يشعر بغياب أحد الوالدين وبالتوتر المحيط به. 

تأثر الأطفال الصغار بالطلاق

مرحلة الطفولة المتوسطة (6-12 سنة) غضب ولوم وحزن

يشعر الأطفال بين سن ست سنوات و12 سنة بموجات من الغضب، والحزن والشعور بالإحباط والاحتياج الشديد إلى الطرف الغائب، ومن الممكن أن يوجه اللوم إلى الطرف الذي يعيش معه، فيبني داخله اعتقادًا أن هذا الطرف هو من تسبب بالطلاق، أو قد يلوم الطفل نفسه معتقدًا أنه سبب المشكلة.

ومن تأثير الطلاق في نفسية الأطفال في هذا السن أنه قد يتعرض إلى نوبات من القلق التي قد تصل إلى حد الرهاب من التجمعات المزدحمة والخوف، وقد تظهر مشكلات سلوكية في المدرسة أو تراجع في الأداء الأكاديمي، إضافة إلى شكاوى جسدية مثل الصداع وآلام المعدة دون سبب عضوي واضح وقد يشعرون أيضاً بصراع الولاء بين الوالدين. 

نوبات خوف بسبب طلاق الوالدين

سن المراهقة.. وحدة وأعراض اكتئابية وتحديات الهوية

أما في سن المراهقة فإن الأعراض التي ذكرت سابقًا تأخذ منحى أكثر تطورًا وتعقيدًا، فيشعر بمزيد من الحزن مع أعراض كآبة، وأيضًا يشعر بالوحدة، وحينها يدرك المراهق شعورًا جديدًا لم يكن مدركًا له عندما كان طفلًا، وهو شعور الوحدة والاغتراب.

تأثر المراهق بطلاق الوالدين

وقد يُظهر المراهقون غضبًا شديدًا، أو انخراطًا في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، مثل تعاطي المخدرات أو السلوك الجنسي المبكر، أو صعوبة في تكوين علاقات صحية، أو تشكيكاً في مفهوم الزواج والأسرة، وقد تتأثر هويتهم الذاتية وإحساسهم بالانتماء.

لذلك نستنتج أن الطفل الآن في محنة حقيقية جرّاء طلاق الوالدين، ويجب أن نتعامل معه بحرص حتى يتجاوز تلك المحنة. 

كيف نتعامل بحكمة مع الأطفال في بيئة الطلاق: استراتيجيات الدعم النفسي الفعال

يجب أن نعترف أنه لا يمكن عد كل الأطفال الموجودين في بيئة الطلاق فاشلين، ويعانون عددًا من المشكلات النفسية، لكن توجد فئة مهتمة بنشأتهم تنشئة سليمة وفي جو هادئ؛ ولكي يتحقق هذا الأمر بنجاح علينا اتباع النقاط التالية:

  • تقليل الصراع الوالدي: ما يجعل تأثير الطلاق في نفسية الأطفال حادًا جدًّا بقاء الوالدين على خلاف فج بعد الطلاق، واستمرار الصراع أمام الأطفال؛ لذلك لكيلا يؤثر الطلاق تأثيرًا مدمرًا في نفسية الأطفال يجب أن يبقى الوالدان على حد أدنى من الاحترام والتواصل البناء فيما يخص الأطفال، وعدم النقاش بصوت عال، وتجنب الخلافات التي تصل إلى حد الإهانة أو التحدث بأسلوب سلبي عن الطرف الآخر أمام الطفل.

تقليل الصراع الوالدي

وتؤكد دراسة علمية Parental conflict and its effect on children أن مستوى الصراع بين الوالدين قبل وبعد الطلاق هو عامل مؤثر في صحة الطفل النفسية مقارنة بالطلاق نفسه.

  • ضمان استمرارية العلاقة مع كلا الوالدين: توجيه الأطفال من الطرفين وليس طرفًا واحدًا، فلا يصح أن يبتعد الأب أو الأم غير الحاضن عن أطفاله؛ ويجب أن يبقيا على تواصل دائم ومنتظم وفعال معهم، ويتعرف إلى مشكلاتهم كافة، ويحلها ويشارك في حياتهم واهتماماتهم قدر الإمكان وبما لا يتعارض مع مصلحة الطفل. الحفاظ على علاقة آمنة ومستمرة مع كلا الوالدين، عندما يكون ذلك آمنًا وممكنًا يعزز شعور الطفل بالحب والانتماء. 
  • الحفاظ على الروتين والاستقرار: الاهتمام بالجانب الدراسي مهما كانت الظروف المحيطة ، ومحاولة الحفاظ على استقرار روتين الطفل اليومي قدر الإمكان (مثل مواعيد النوم، الوجبات، الأنشطة) لتقليل شعوره بالفوضى وعدم اليقين. 
  • التواصل المفتوح والصادق: التحدث مع الطفل بأسلوب مناسب لعمره؛ لكي يدرك ما يحدث بلغة بسيطة وصادقة، مع التأكيد على أن الطلاق قرار بين الكبار وليس خطأ الطفل، وأن كلا الوالدين سيظلان يحبانه ويهتمان به، شجّع الطفل على التعبير عن مشاعره (حزن، غضب، قلق) واستمع إليه دون إصدار أحكام، وأخبره أن الحياة تكتمل تحت أي ظروف، وأن التغيير جزء منها، مع التركيز على الجوانب الإيجابية المستقبلية إن أمكن. 
  • طلب الدعم الخارجي: لا تتردد في الاستعانة بدعم الأصدقاء المقربين أو العائلة أو المجموعات الداعمة للآباء والأمهات المطلقين، كذلك يمكن للمدرسة أن تؤدي دورًا داعمًا مهمًّا.

القلق والاكتئاب عند الأطفال علامات وحلول

إن القلق له علاقة وثيقة بالاكتئاب عند الأطفال المراهقين الذين يمرون بتجربة الطلاق؛ لأنه يمثل أحد أبرز علاماته، ويمكن أن يكونا نتيجة مباشرة للضغوط والتغيرات المصاحبة للانفصال. 

ودعنا نعرف الاكتئاب تعريفًا واضحًا: إنه حالة من الحزن الشديد والمستمر وفقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة المعتادة، وأحد الاضطرابات العقلية المزاجية، ومن الممكن أن يسبب هذا الحزن الشديد حالة من الغضب أو التهيج الشديدة، وقد تصل إلى حالة من العنف عند الاستفزاز، وفي النقاط التالية سنفسر أعراض الاكتئاب والقلق، ونبين العلامات التي يجب الانتباه إليها.

علامات القلق والاكتئاب عند الأطفال

  • الحزن الشديد وسوء الحالة المزاجية، أو التهيج وسرعة الانفعال للدرجة التي تجعله غير قادر على الاستمتاع بالأشياء التي كان يستمتع بها سابقًا -فقدان الشغف-.
  • تغيرات ملحوظة في النوم: صعوبة في النوم، أو النوم المفرط.
  • الشعور بالآلام في بعض المناطق من الجسم، والشعور بصداع قد يستمر معه مدة طويلة على مدار اليوم، أو آلام في المعدة دون سبب طبي.
  • يأكل بشراهة في أوقات معينة، ثم لا يستطيع الأكل في أوقات أخرى، أو تغيرات كبيرة في الشهية والوزن -زيادة أو نقصان-.
  • يفقد الثقة بنفسه، وقدرته على اتخاذ القرارات في المواقف المختلفة، والشعور بالدونية أو الذنب المفرط.
  • صعوبة في التركيز وتراجع في الأداء الدراسي.
  • الانسحاب الاجتماعي وتجنب الأصدقاء والأنشطة العائلية.
  • الشعور بالإرهاق وفقدان الطاقة.

علامات القلق والاكتئاب عند الأطفال

  • وفقا للقلق: قد تظهر مخاوف مفرطة، توتر، نوبات هلع، سلوكيات تجنبية، وصعوبة في الاسترخاء.
  • في الحالات الشديدة قد تظهر أفكار عن الموت أو الانتحار، وهو ما يتطلب تدخلاً فوريًّا

حلول القلق والاكتئاب عند الأطفال

- عند الحديث عن القلق والاكتئاب عند الأطفال، والحلول المتعلقة بذلك، فلا يجب أن نعلق الأمل على إنهاء الأمر سريعًا أو نهائيًا، لكن الهدف هو أن نحد من الأعراض ليتمكن الطفل من أن يتعامل مع هذه الحالة حتى الخروج منها وتعلم آليات تكيف صحية.

  • لا بد من الاهتمام بالطفل والاستماع إليه بإنصات وتعاطف، وتشجيعه إلى التحدث عن مخاوفه، وما يجعله حزينًا إلى هذه الدرجة دون التقليل من شأن مشاعره.
  • تتحتم مساعدة الطفل على الحصول على قسط كافٍ ومنتظم من النوم ذو جودة جيدة، والحفاظ على نظام غذائي متوازن وممارسة النشاط البدني بانتظام.
  • التعاون مع معلمي المدرسة والأخصائي الاجتماعي أو النفسي بالمدرسة لإدارة تلك الحالة ومراقبة سلوك الطفل وأدائه.
  • توفير بيئة منزلية داعمة ومستقرة قدر الإمكان.
  • تعليم الطفل مهارات بسيطة للاسترخاء والتكيف مع الضغوط (مثل التنفس العميق).

أهمية الدعم النفسي المتخصص للأطفال والأسرة

إذا استمرت الأعراض أو كانت شديدة وتؤثر في حياة الطفل اليومية، فمن الضروري جداً طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية للأطفال (مثل طبيب نفسي للأطفال أو أخصائي نفسي). يمكن أن يقدم التقييم الدقيق والعلاج المناسب، والذي قد يشمل:

تقديم الدعم النفسي للطفل

  • العلاج بالكلام (Psychotherapy): مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لمساعدة الطفل على تغيير أنماط التفكير والسلوك السلبية، أو العلاج باللعب (Play Therapy) للأطفال الأصغر سناً للتعبير عن مشاعرهم.
  • العلاج الأسري (Family Therapy): لمساعدة أفراد الأسرة على التواصل بطريقة أفضل ودعم بعضهم بعضًا في هذه الآونة الصعبة.
  • الأدوية: في بعض حالات الاكتئاب أو القلق الشديدة، قد يوصي الطبيب النفسي بأدوية مناسبة لعمر الطفل وحالته، وتكون عادةً جزءاً من خطة علاجية شاملة تتضمن العلاج النفسي.
  • الاستشارة الوالدية (Parent Counseling): لمساعدة الوالدين على فهم احتياجات طفلهم وتطوير إستراتيجيات فعالة لدعمه. وتذكر أن طلب المساعدة المتخصصة هو علامة قوة وحرص على مصلحة الطفل، وليس فشلًا.

في نهاية هذا التحليل المتعمق لتأثير الطلاق على الأطفال، نؤكد أن هذه التجربة تمثل تحديًا نفسيًا كبيرًا يتطلب وعيًا وفهمًا عميقًا لاحتياجاتهم العاطفية والسلوكية، فتبني إستراتيجيات تعامل حكيمة قائمة على التواصل الفعال والدعم المستمر والتعاون بين الوالدين -قدر الإمكان- هو السبيل الأمثل لمساعدة الأطفال على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الآثار السلبية.

وتذكروا أن الاستثمار في صحة أطفالكم النفسية هو استثمار في مستقبلهم وسعادتهم، وأن طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة ليس علامة ضعف بل دليل على قوة وحرص على مصلحة الأبناء. فلنجعل مصلحة أطفالنا فوق كل اعتبار، ونسعى جاهدين لتوفير بيئة داعمة وآمنة لهم مهما كانت الظروف.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة