تُعد ألعاب الفيديو اليوم أكثر من وسيلة للترفيه؛ لقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة العصر، وتثير جدلًا واسعًا عن تأثيرها على العقل والسلوك، فهل هي أداة لتنمية المهارات المعرفية وتعزيز سرعة البديهة، أم أنها بوابة للإدمان والعزلة الاجتماعية؟ الحقيقة أنها سيف ذو حدين، فاللعب التفاعلي لا يقتصر على التسلية، بل يمكن أن يعزز مهارات معرفية وسلوكية متقدمة إذا استُخدم باعتدال، ويكون مضرًّا للغاية إذا زاد عن الحد الطبيعي للعب.
في هذا المقال نستعرض معًا التأثيرات الإيجابية والسلبية لألعاب الفيديو في دماغ الإنسان، حسب التركيز، ورد الفعل، والتخطيط، والعلاقات الاجتماعية، لنمنحك نظرة شاملة توازن بين المتعة والمسؤولية في هذا العالم الرقمي المتسارع؛ ليقدم فهمًا أعمق يساعد اللاعبين والآباء على حد سواء على التعامل مع هذه الظاهرة بوعي ومسؤولية.
عند التحدث عن تأثير ألعاب الفيديو على دماغ الإنسان، على الفور يخطر في بالنا فكرة الألعاب التي تؤثر سلبًا في اللاعبين، لا سيما من يستمرون وقتًا طويلًا يلعبون لعبة معينة. ولا شك في أن هذا الأمر له تأثير بالغ وظاهر في الدماغ وفي السلوك. ولكن، هل هذا هو التأثير الوحيد؟
تحدث كثير من التأثيرات لدماغ الإنسان عند لعب الألعاب الإلكترونية. ولكن، هل التأثير الذي يحدث من ألعاب مثل لعبة روبلوكس يكون مشابهًا لتأثير لعبة من ألعاب الألغاز؟ هل تأثير لعبة معينة مدة ساعتين هو تأثير اللعبة نفسها مدة ربع ساعة؟
التأثير الإيجابي لألعاب الفيديو على دماغ الإنسان
يمكن أن توجد بعض التأثيرات الإيجابية لألعاب الفيديو إذا ما كان استهلاكها بمعدل معقول وبتركيز على نوع معين من الألعاب، مثل ألعاب الألغاز وألعاب الهروب من الأمكنة المرعبة وغيرها. ومن ضمن التأثيرات الإيجابية ما يلي:
-
تحسِّن ألعاب الفيديو قدرات الذاكرة العاملة التي تساعد في اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح وبسرعة، فالألعاب الاستراتيجية تنمي هذه الميزة.
-
تزيد الألعاب القتالية القدرة على التركيز وعلى التصويب، فهي تعزز القدرة على التتبع وعلى متابعة أكثر من هدف في آنٍ واحد، وتعزز سرعة رد الفعل عندما تكون في الحالة الدفاعية، وتنمي القدرة على الانتقال من الحالة الهجومية إلى الحالة الدفاعية والعكس بمنتهى الانسيابية.
-
القدرة على التخطيط، وبناء الاستراتيجيات، والتعامل مع الظروف الحالية وفقًا للإمكانيات المتاحة بأفضل طريقة. فألعاب كرة القدم والألعاب الاستراتيجيات تعزز تلك القدرات.
-
يتعلم اللاعب قدرات التفكير المنطقي، والقدرة على حل المشكلات، بفضل ألعاب الألغاز مثل لعبة كاندي كراش، وعشرات الألعاب التي تشبهها التي تتبع نمط اللعب نفسه.
-
تعزز ألعاب سباق السيارات التناغم بين القدرات الحركية والقدرات البصرية، بحيث تتمكن من التناغم الجيد بين كل ما يتحرك أمام عينيك وبين حركة يدك على وحدة التحكم؛ من أجل تنفيذ الحركة المناسبة للموقف الحالي.
-
مع انتشار الألعاب متعددة اللاعبين، تم تعزيز القدرة على العمل وسط فريق، والتعاون على نحو أفضل.
-
تقلل الألعاب الإحساس بالتوتر أو الشعور بالاكتئاب، فهي تبعدك عن التفكير بالأشياء التي تقلقك، وتساعد في الاسترخاء.
هذا إضافة إلى تأثيرات أخرى إيجابية، منها على المستوى السلوكي ومنها على المستوى النفسي، ومنها أيضًا على المستوى الاقتصادي. فقد أصبحت مصدرًا ماديًا مهمًا لكثير من المشتغلين بمجال الألعاب مثل مطوري الألعاب.
ولكن، في ظل حديثنا عن تأثيرات ألعاب الفيديو على دماغ الإنسان، ينبغي تناول الجانب المظلم من هذه التأثيرات.
التأثير السلبي لألعاب الفيديو على دماغ الإنسان
على الرغم من التأثيرات الإيجابية التي تم ذكرها في الفقرة السابقة، فإننا يجب ألا نغفل التأثيرات السلبية التي تحدث عندما نستمر في اللعب مدة طويلة، أو عندما تلعب فئة معينة من الألعاب.
-
يؤدي الإفراط في اللعب إلى السلوك الإدماني. فيفرز الدماغ هرمون الدوبامين بكثرة، ويتعود الدماغ على هذا الكم من الدوبامين؛ فيدمن الألعاب لكي يحافظ على إفراز كميات كبيرة من هذا الهرمون.
-
تساعد بعض الألعاب في زيادة التركيز والانتباه، ولكن مع الإفراط في اللعب يحدث العكس؛ حيث تؤدي إلى ضعف التركيز وعدم القدرة على الانتباه مدة طويلة.
-
يؤدي لعب الألعاب العنيفة مدة طويلة إلى زيادة معدل العدوانية لدى الأطفال والمراهقين.
-
يؤدي الإفراط في ألعاب الفيديو إلى ضعف الترابط الأسري، لذا لا يقبل الطفل أو المراهق على تكوين علاقات اجتماعية؛ نظرًا لاكتفائه بتلك الألعاب.
-
عندما تأخذ قسطًا من الراحة تلعب فيها لعبة هادئة فتشعر بالراحة نتيجة تقليل التوتر والاسترخاء. أما إن كنت مدمنًا لتلك الألعاب، فسوف تؤدي في نهاية المطاف إلى الإجهاد الذهني والنفسي، ويزداد التوتر بدلًا من الهدوء.
نصائح لممارسة الألعاب بشكل صحي ومتوازن
- تحديد وقت اللعب: خصص وقتًا محددًا وواضحًا للعب، ولا تسمح له بالتعدي على وقت الدراسة، أو النوم، أو التفاعل الأسري.
- اختيار نوعية الألعاب: شجع على الألعاب التي تنمي مهارات إيجابية مثل الألغاز، والاستراتيجيات، والإبداع.
- المشاركة العائلية: حاول مشاركة أطفالك في اللعب أحيانًا لفهم عالمهم وخلق جسر من التواصل.
- الحفاظ على الأنشطة الأخرى: تحقق من أن الألعاب ليست هي النشاط الترفيهي الوحيد، وشجع على ممارسة الرياضة والهوايات الأخرى.
في النهاية، يتضح أن ألعاب الفيديو ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، بل هي أداة قوية يعتمد تأثيرها كليًا على كيفية استخدامنا لها، إن المفتاح يكمن في الاعتدال، والوعي، والقدرة على تحقيق التوازن. في اختيار الألعاب المناسبة، وتحديد أوقات اللعب، وعدم إهمال جوانب الحياة الأخرى، يمكننا الاستفادة من الفوائد المعرفية التي تقدمها، وتجنب مخاطرها المحتملة. إن الهدف ليس التوقف عن اللعب، بل اللعب بذكاء ومسؤولية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.