«بين النجوم والخيال».. قصة قصيرة

«الذاكرة وسيلة للاحتفاظ بالأشياء التي تحبها، والأشياء التي أنت عليها، والأشياء التي لا تريد أن تفقدها أبدًا»..

كنتُ جالسًا على قمة جبل الطويلات في جنوب سيناء، أغمر نفسي في تأمل النجوم المتلألئة بضوئها البديع، كنتُ أسأل نفسي بلا انقطاع:

- هل هذه النجوم موجودة حقًا أم أن الكون الذي نراه ليس سوى غلاف عملاق يحيط بعالمنا، يمنعنا من فهم ما يحيط بنا؟ في تلك اللحظة شعرتُ ببرودة الشتاء تسري في هواء الصيف، معها ظهرَ وهجٌ ناريّ من وراء الجبال، يتحرك ببطء وثقل، كأن حضوره يفرض نفسه عليّ، ما جعلني أشعر بأن الأرض هي التي تتحرك، بينما السماء فوقي ثابتة.

بدا القمر جرمًا متوهجًا بلونٍ أحمرَ قانٍ، حجمه يعادل نصف السماء التي أراها، ومع كل لحظة يرتفع فيها كانت النجوم تتوارى شيئًا فشيئًا، كأن نوره يغمر الكون بأسره، لم يسبق لي أن رأيت القمر بهذا الحجم وهذه الإضاءة الساطعة؛ يراقبنا عن كثب، لكن لماذا يقولون إن القمر يبعُدُ عَنَّا؟

بينما كنتُ أراقب هذا المشهد سمعتُ همسًا غريبًا يشبه اسمي ينبعث من الصخور، ارتعش جسدي، ثم رأيته في بؤرة بصري داخل مضيق بين الجبلين أمامي تحت ضوء القمر الذي ينساب على الأحجار المتلألئة.

اقرأ أيضًا: قصة «فادي والمدينة المهجورة في البحر».. قصة قصيرة

كان هو، صديقي العزيز الأستاذ مسعود الذي لم أره من عشر سنوات من هجرته إلى الخارج، لطالما كان الأقرب إلى قلبي، فليس في رقة قلبه إنسان، لا يرفض طالبًا ولا يقسو على أحد، كان حكيمًا ومتفانيًا، تجسد فيه الصفاء الذي يبعث الطمأنينة في النفوس، لكن كيف ظهر فجأة هكذا دون أي إنذار؟ أهي مفاجأة أعدّها لي؟ لم أستغرق طويلًا في التفكير، فقد اجتاحني طوفان من الحماس والفرح، يا لسعادتي برؤيته بعد كل هذه السنين!

قفزتُ من مكاني، ونزلتُ من المنحدر الذي كنتُ أجلس عليه، مندفعًا كما لو أن الأرض تسحبني نحوه، لم أبالِ بحركاتي البهلوانية ولا التعثرات الطفيفة، فقد كنتُ أرى ملامحه بوضوح وهو يقف هناك، لكن في لحظة خاطفة، التفت واختفى في ظلال الجبال متواريًا عن ضوء القمر.

تسارعت خطواتي وأنا أنادي:

- مسعود...

لكن صوتي تلاشى في فراغ الليل، ولم يكن هناك أي إجابة، لا خطوات ولا حركة.

بحثتُ عنه في سكون الليل البهيم حتى بدأ الشك ينهشني:

- هل كان مسعود حقًا هنا أم كانت مجرد هلوسة؟ شعرتُ أنني أفقد عقلي، فجأة اخترق سكون الليل صوتٌ خافت يناديني من الداخل، اتبعته دون تفكير ودون خوف حتى وجدتُ نفسي أمامه، وجهه غارق في عتمة الليل، وعيناه متلألئتان بشيء غامض، بينما ينعدم في وجهه وجود عدساته الطبية.

تمعنتُ في ملامحه كما لو كنتُ أحاول استرجاع كل ذكرى دفينة، وامتلأ قلبي بالكلمات التي لطالما حبستها داخلي، تحت تأثير المنظر البديع الذي نقف جانبه.

قلتُ بصوت يرتجف من الصدق والشوق:

- لطالما كانت أمنيتي أن أراك مرة أخرى، فلنخرج معًا إلى القمر...

صمتَ للحظة، ثم حدّق في وجهي بعينين باردتين، وقال بصوت غريب مجهول:

- إني أراك للمرة الأولى في حياتي، فلماذا تتمنى رؤيتي؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

جميلة ورائعة حقا
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

قصة مميزة وسرد سلس..أحسنت
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة