"بين الممكن والحتمي".. خواطر وجودية فلسفية

الحياة! هذا الممكن الذي يجمعنا إلى أجل غير مسمى.. أحيانًا نرتمي في حضنه تفاؤلًا بالممكن، وأحيانًا أخرى يقدف بنا في عراء الحتمي، وما بين الممكن والحتمي تمضي الحياة.
 
إن المتفائل عادة هو شخص يرتقي على الشروط الموضوعية التي تحكم الوجود، ويعلق الأمور حتى في أحلك قوالبها على واقع مأمول. الأمل دائمًا هو الضامن، تلك الصدقة التي تمتن علينا بها الطبيعة لتمديد تراجيديانَا، وفي النهاية ندفع لقاءها حياة مضت في انتظار الذي يأتي.
 
لقد حسمت الفلسفات منذ القدم في هذه المسألة، وتواضعت بالإجماع على أن الغد لا يحمل دائمًا الورود، وأن كل خطوة إلى الأمام لا تعدُّ تقدمًا إلا في السن. لكن مع ذلك، فقد حاولت تطوير فكرة الأمل، سواء بالقول إن الإنسان مشروع نفسه ويفعل ما يريده، أو بطرح طرائق تصبح الحياة بموجبها تحت سيطرة العقل، أو حتى باحتمال أن الأسوأ قادم. ليس التشاؤم ولا الخيبة إلا وجهًا من أوجه التفاؤل. كلاهما يدوران في فلك محاولة يائسة للقبض على المصير. لكن الأسوأ من توقع الأسوأ وفقدان الأمل هو أن لا شيء مضمون..
 
الوعي بهذه المسألة من شأنه أن يجعل الإنسان يفقد عقله برضا منه. ولأننا كائنات تسعى دائمًا إلى موضع ثبات؛ لا نستطيع تحمل فكرة أن لا شيء ممكن وكل شيء ممكن.. يخيل إليَّ أن كيركيغارد عندما قال: “أعطوني ممكنًا وإلا اختنقت”، كان يختنق فعلًا.
 
الأمر لا يتعلق بمجرد موقف فلسفي يمكن أن يتبناه المرء إزاء الوجود. بل إنه واقع لا يرتفع بتغيير نظرتنا إزاءه.. الإنسان لا يملك من نفسه إلا هذه اللحظة الراهنة الأبدية التي لا يمكن أن نمسكها أبدًا، فما عداها لا شيء ثابت ولا شيء يُبنى، كل شيء يتدفق.. الوجود يتدفق، ليست بفكرة مستجدة، لكن التوصل إليها يظل إمكانًا واردًا في كل زمان ومكان وبأي طريقة.
 
يوجد من يتحدث عنها بوصفها تيارًا فلسفيًا هيرقليديًا. لكنني لا أتحدث عن الأمر من هذا المنطلق. ما أكتبه ليس بمقالة فلسفية. إنه تدفق للمشاعر… لحالة من الهلع. لم أكن محظوظة بما يكفي لأملك وجهة نظر في الحياة. لم أستمتع بكوني أملك موقفًا أبدًا… لم أثق في الأساس بوجود نقطة ثابتة يمكن أن أقف عليها. قضيت حياتي التي تقدر بعمر قلقي الوجودي مترحلة فحسب. لا أقف بل أتموقف.. الكثير من الكلمات لأشرح أن كل هذا لم يكن فلسفة ولا حبًا في التفلسف. بل كان مرضًا.
 
اضطراب القلق والتوتر… كلمتان خفيفتان في اللسان… من شأنهما أن يحيلَا كل شيء إلى لا شيء. لا شيء موجود إلا لحظة أن يوجد.. وما إن يوجد إلا ويكون عليه أن يمر بالسرعة التي أتى بها… الوجود برمته ترسنة من الخواطر الخاطفة… لمحة بصر يقتضي فهمها عمرًا من النظر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

روعة صديقتي تابعي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة