تمضي الأيام كأنها نغمات متتابعة في معزوفة الحياة، بعضها هادئ كهمس الريح، وبعضها صاخب كموج البحر الهائج. نركض بين اللحظات، نبحث عن معنى لكل حدث، ونحاول أن نرسم أحلامنا على صفحات الزمن. وبين الأمس الذي مضى والغد الذي ننتظره، نقف عند مفترق الحاضر، نحاول أن نفهم أنفسنا، أن نتصالح مع ماضينا، وأن نُجهّز أرواحنا لما هو قادم.
أحيانًا، نشعر بأننا عالقون بين ماضٍ لا يعود ومستقبل لم يأتِ بعد. نتساءل: هل كان بإمكاننا تغيير ما حدث؟ هل كان علينا أن نتمسك أكثر ببعض الأشياء، أم نتركها قبل أن ترهقنا؟ لكن الماضي ليس سوى حكاية كُتبت فصولها، لا يمكن تعديلها، بل يمكن قراءتها بأعين أكثر حكمة. أما الغد، فهو لوحة لم تُرسم بعد، بيدنا ألوانها وخطوطها، وبإمكاننا أن نجعلها أكثر إشراقًا.
المشكلة أننا أحيانًا ننسى أن نعيش اللحظة التي نحن فيها الآن، نستهلك وقتنا في التفكير فيما انتهى أو القلق مما سيأتي. لكن الحياة ليست في الأمس ولا في الغد، بل في هذه اللحظة التي تمر الآن. في ابتسامة عابرة، في كلمة طيبة، في لحظة هدوء نتأمل فيها السماء، أو في لقاء مع شخص نحبه.
كل لحظة من حياتنا تحمل فرصة، حتى اللحظات التي نظنها فارغة قد تحمل في طياتها معنى خفيًا، درسًا، أو بداية جديدة. كل تجربة، سواء كانت سعيدة أو مؤلمة، تكوِّن جزءًا من نسيج حياتنا، وتضيف لونًا جديدًا إلى لوحتها. نحن لسنا فقط أبناء الأمس، ولا مجرد أحلام تنتظر الغد، بل نحن هذا الحاضر الذي يتشكل الآن، نحن هذه القرارات الصغيرة التي نأخذها، وهذه المشاعر التي نعيشها.
قد يكون الماضي مملوءًا بالندم، وقد يكون المستقبل غامضًا، لكن الشيء الوحيد المؤكد هو هذه اللحظة التي تعيشها الآن. اجعلها جميلة، استمتع بها، لا تؤجل السعادة حتى يتحقق شيء ما، ولا تربط راحة بالك بزوال مشكلة معينة. تعلَّم كيف تكون ممتنًا لما لديك الآن، حتى وأنت تطمح إلى أكثر من ذلك.
لا بأس إن تأخر الفرح، ولا بأس إن اشتدت العواصف، فالشمس تشرق دومًا بعد ظلام الليل، والأمل يسكن في أدق زوايا القلب، ينتظر منا أن نمنحه فرصة للظهور. دع الأمس يكون درسًا، والغد يكون أملًا، وعش اليوم بكل تفاصيله، لأنه الشيء الوحيد الذي تملكه حقًا. لا تدع الخوف من المستقبل يسرق منك فرحة الحاضر، ولا تجعل الندم على الماضي يمنعك من المضي قدمًا.
الحياة ليست سباقًا، ولا تحتاج دائمًا إلى خطط محكمة، أحيانًا يكفي أن تثق بالرحلة، أن تؤمن بأن الخير قادم، وأن ما كُتب لك لن يخطئك، وما لم يُكتب لك لن يكون لك مهما حاولت. لا بأس بالقليل من الفوضى، القليل من العفوية، والقليل من المغامرة، فهذه التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفرق بين حياة عادية وحياة مملوءة بالحياة.
فامضِ بثقة، واجعل قلبك يعزف لحنه الخاص، فالحياة ليست سوى سيمفونية، وأنت المؤلف الوحيد لنغمتها الأجمل. بين الأمس والغد، يوجد اليوم، فاجعله يستحق أن يُعاش. لا تنتظر أن تصبح الظروف مثالية، بل اصنع من واقعك حياة تليق بأحلامك، وكن أنت الشخص الذي يُضيء دربه بدلًا من أن ينتظر النور من الآخرين.
عش، احلم، تحرك، ولا تتوقف.. فالحياة لن تنتظرك.
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.