بيت بلا ذاكرة

بعد سنوات عدة وبعد تقدمه في العمر، وجد نضال نفسه لم يعد قادرًا على السفر والتنقل بين عواصم العالم، تم نقله للعمل بالخدمات الأرضية لشركة الطيران التي يعمل بها مضيفًا جويًا منذ سنوات. استقر أخيرًا بعد سنوات من السفر والترحال في البيت الكبير للعائلة بحي السيدة زينب بالقاهرة بعد أن رحل أبواه وتزوج كل من أشقائه الثلاثة وشقيقاته الاثنتين.

فكَّر في الزواج لكنه كان قد تخطى الأربعين ولم يعد من السهل العثور على فتاة تناسبه، أصبح لديه متسع من الوقت يقضيه في البيت ومع أصدقائه القدامى، لكن للأسف كلهم كانوا قد تزوجوا وأنجبوا الأولاد والبنات، وأصبحوا مشغولين بحياتهم وحياة أبنائهم، وكذلك إخوته كانوا يحسدونه على عدم الزواج وراحة البال من مسؤوليات الزواج والنفقات وتربية الأولاد، وكان يحسدهم على وجود الأسرة والأبناء، ويؤكد لهم أن الوحدة والفراغ أسوأ من تحمل المسؤولية.

كان كثيرًا ما يجلس بالبيت ويتأمل في جنباته التي كانت في الماضي تنبض بالحياة والصخب، هنا كانت أمه تجلس لتخيط لهم الملابس، وهنا كان أبوه يقرأ الجريدة بجانب النافذة، وهنا كان يلعب مع إخوته في الشرفة، وهنا كانوا يتجمعون على منضدة الطعام، هنا كان ينام على سريره وأخته الكبرى سعاد تسحب من فوقه الغطاء وهو نائم حتى يستيقظ لتنظيف البيت، فيغضب ويطلب منها أن تتركه لينام.

آثار الزمن بدت واضحة على كل شيء في البيت، الأثاث أصبح لونه باهتًا وزالت عنه القشرة والزخارف التي كانت تزين حوافه، حوائط الشقة سقط عن بعضها الدهان، حتى النافذة الكبيرة من الخشب والزجاج الملون تشقق إطارها الخشبي وطُمست ألوان الزجاج.

فكَّر أن يجدد البيت حتى يعيد إليه رونقه، ويعيد طلاء الحوائط ويغيِّر النوافذ الخشبية والأبواب بأخرى حديثة من الألوميتال، ويتخلص من غرفة النوم القديمة وبقية الأثاث ويشتري أثاثًا جديدًا.

فعلًا بدأ بتنفيذ الفكرة وعمل التجديدات. 

على مدار ثلاثة أشهر ظل يتابع العمال لتغيير أرضيات البيت التي كانت من البلاط الملون بأرضيات من السيراميك، ودهان الحوائط وتركيب النوافذ الجديدة، بعدها اشترى غرفة نوم وغرفة جلوس بعد أن باع الأثاث القديم بمبلغ لا بأس به، حتى إنه تعجب من التاجر الذي اشتراه ومن إصراره على الشراء. بعد أن انتهى من عمل كل التغييرات كان مستعدًا للاستمتاع بالبيت بعد التجديد.

في أول يوم بعد أن فرش الأثاث الجديد وغيَّر المصابيح ذات الطراز العربي القديم بمصابيح نيون حديثة ساطعة، عندما جلس على الأريكة الجديدة في وسط البيت، شعر بشيء مختلف، تعجب من نفسه، كان المفترض أن يكون سعيدًا، لكنه بدلًا من ذلك وجد نفسه يشعر بالحزن والكآبة.. شعر بأن البيت فقد روحه وأنه فقد إحساسه به، فقد شعور الألفة والأُنس الذي كان يشعر به في جنباته، تمنى لو لم يغير أي شيء، لم يعد البيت يذكِّره بشيء، ظلَّ كلما نام من الليل يحلم بالبيت القديم وكأن روحه معلقة هناك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا جزيلا لك 🍀🍀🍀🍀🍀
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا جزبلا لك 🌹🌹🌹🌹🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة