بلاد الحوسى وأصل شعب الطوارق

الحوسى هو الصيغة العربية لاسم يُطلق على مجموعة من البلدان تقع فيما بين جبال العير التي تقوم إلى الغرب من إقليم كوار وعاصمته بلما، وتمتد حتى الضفة الشرقية لنهر النيجر، وأهل البلاد يسمون أنفسهم الهاوزا، يعني في لغتهم "الشرقية من نهر النيجر"، وتتسع الحوسى حتى الحدود الغربية لبلاد البرنو.

تاريخ بلاد الحوسى

وجبال العَير تقع على الحدود الجنوبية للصحراء شمال نهر النيجر، أما الجنوبية فتشقها وديان تنحدر منها نهيرات تتلقى مياه الأمطار، وتنحدر تلك النهيرات جنوبًا، فإما تبددت في الرمال وإما وصلت إلى نهر النيجر وصارت فروعًا منه.

والتاريخ الأسطوري الذي قصه الحوسي عن أنفسهم يقول إن بعض قبائل الصحراء غزت جبال العير في القرن الحادي عشر الميلادي، ففر أمامهم من استطاع القرار من أهل الجبال والوديان واستقروا في جوبير شمالي نهر النيجر وشرقه.

وهذه الغزوة كانت من نتائج دخول العرب الهلالية إلى المغرب ابتداءً من سنة 1046م، فإن بني هلال بن عامر بن صعصعة ومن صاحبهم من قبائل سليم بن منصور اجتاحوا نواحي المغرب قادمين من مصر إلى جنوبي برقة وطرابلس.

شرق نهر النيجر

ولا صحة للقول بأن القبائل البربرية التي اندفعت إلى الجنوب ودفعت أمامها غيرها كانت قبائل الطوارق؛ لأن الطوارق في أصلهم شعب إفريقي قديم كان يعمر الصحراء الكبرى، وظلوا في مواطنهم حتى دخلت الصحراء الكبرى خلال القرن الثاني عشر بقايا قبائل صنهاجة الصحراء التي أقامت دولة المرابطين.

أصل نشأة الطوارق

فلمَّا لحق بهم الهاربون أمام الموحدين من بني عمومتهم من بقايا قبائل صنهاجة الصحراء، تزايدت أعدادهم وازدادت قوتهم، وسادوا معظم الأقاليم الصحراوية القاحلة في قلب الصحراء الكبرى، وأصبح يُطلق عليهم اسم تارجا أو تاركا، وقد عرف هذا الاسم على طارقًا، والنسبة إليه طارقي، والجمع طوارق.

وهذا هو أصل هذا الشعب العريق القوي الذي يعمر الصحراء الكبرى ويعرف فجاجها شبرًا شبرًا، وقد اشتهروا باللثام الذي يغطون به وجوههم، وبملابسهم الزرقاء، وهذا النسيج يصبغونه بالنيلج، وهو كثير في واحات صحراء مصر الغربية.

ونعود إلى الحوسى فنقول إن اسمهم هذا ليس اسم جنس معين، بل هو اسم لغة اشترك في الكلام بها عدد من القبائل المتكلمة بها، فغلب عليها كلها اسم الحوسي، وهم يعيشون من شرقي حوض النيجر إلى حدود بلاد البرنو في الشرق.

ولغتهم تُكتب بحروف خاصة، وقد كتبوا بلغتهم كتبًا كثيرة. وعندما غزت بلادهم قبائل الفولا في القرن التاسع عشر الميلادي، قضوا على كل ما وجدوا من كتب الحوسين، فضاعت وثائق كثيرة.

وتحكي المأثورات الشعبية الحوسية قصة أسطورية عن أصل الدول السبعة التي تتألف منها بلادهم، وهي كانو وكاتسينا وبيرام وزجزج (أوزاريه) وداور وزنقزه.

الغزوات على بلاد الهوسا

وأهم دول الحوسي هي دولة كانو، وتقع في شمال جمهورية نيجيريا، ولها تاريخ طويل كتب في القرن التاسع عشر الميلادي، ويُقال إن أول ملك لكانو كان الملك باجودا، وهو حفيد بطل أسطوري يسمى أبو يزيد، يُقال إنه قتل مسخًا هائلًا كان يعيث في البلاد فسادًا على عهد ملكة تسمى دُودْرَه.

وفيما بين سنتي 1513-1516م خضعت كانو لأسكيا محمد سلطان صنغاي. وتوالت الغزوات على بلاد الهوسا، فسيطر عليها الفولا لمدة في القرن السابع عشر، وعلى أيديهم انتهى حكم أسرة ياجودا سنة 1807م، بعد أن حكمت قبيلة كانو مدة ثمانية قرون.

وقد اشتهرت من بين بلاد الهوسا كاتسينا، وينسب إنشاؤها إلى ولد من أولاد أبي يزيد يسمى كومايو، وكانت تتولى الحكم فيها قبل وفوده أسرة أخرى، إذ كانوا يتزوجون من بناتها واستقل بالملك في كاتسينا حوالي 1100م.

وكانت كاتسينا مركزًا تجاريًّا استراتيجيًّا، إذ إنها كانت تقوم على طريق القوافل بين مصر ومالي.

وكانت بلاد الهوسا دويلات صغيرة أو كبيرة، تقوم كل منها في مدينة يحكمها مجلس من مشايخها ويرأسه الملك المحلي.

وجدير بالذكر أن دول الهوسا أقامت نظامًا يشبه نظام الحكام الذي عرفته القبائل العربية في الجاهلية، فإذا طالت الحرب بين دولة من دولهم وأخرى، اتفق الطرفان على تحكيم واحد من الهوسا ممن اشتهروا بالحكمة ومعرفة القانون العرفي السائد بينهم، فيحكم بينهم ويرضون بحكمه.

وعندما أسلم الهوسا ودخلت الشريعة السمحاء بلادهم، أصبح الحكام من الشيوخ ذوي العلم والحكمة والفهم، وعندما دخل الإنجليز نيجيريا وجعلوها مستعمرة لهم، لم يجدوا من شعوب النيجر أرقى أو أكثر حضارة من الهوسا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.