في زحام البرامج الرمضانية التي تتنافس على إثارة الدهشة وصنع الضجيج بصرف الملايين؛ يأتي سامح حسين بهدوء وبلا تكلفة تذكر.. لكنه يترك أثرًا لا يُنسى. برنامج "قطايف" الذي يقدمه هذا العام ليس مجرد فواصل قصيرة أو دروس وعظية جافة، بل هو وجبة رمضانية خفيفة، ممتلئة بالقيم والمشاعر تنساب إلى القلوب كما تنساب القطايف بالعسل إلى الفم بعد يوم صيام طويل.
لماذا «قطايف»؟ البساطة التي تلامس الأعماق
يوجد سر في البساطة يجعلها أقوى من أي تعقيد مصطنع، سامح حسين الذي اعتدنا عليه كوميديًا خفيف الظل، يدخل هنا إلى منطقة أعمق، لكنه لا يخلع عباءته المألوفة، لا يصرخ ليُعلِّم، ولا يتقمص دور الواعظ الثقيل، بل يحكي.. نعم، فقط يحكي.
في كل حلقة، نجد حكاية صغيرة، فكرة عميقة، قيمة تكاد تُنسى وسط زحام الحياة، لكنها تعود إلينا بحكاياته كأنها درس نحتاج إليه لنعيش بسلام أكثر. لا خُطب رنانة، لا استعراضات فكرية، فقط دفء صوت بسيط يحمل معنى كبيرًا.
وعلى الرغم من ذلك، قد يتساءل بعضنا: هل تكفي هذه البساطة لجذب الأجيال الجديدة التي اعتادت الإيقاع السريع والمحتوى البصري الصاخب؟ هل يستطيع برنامج مثل "قطايف" يعرض على اليوتيوب أن ينافس في عالم ينجذب إلى «التريند» أكثر من الحكمة؟ ربما هنا يكمن تحديه الأكبر.
«إلا من أتى الله بقلب سليم».. عندما يصبح القلب مرآة
في إحدى الحلقات، يقدم لنا سامح حسين قصة رمزية: رجل يرتدي ثوبًا أبيض ناصعًا، لكنه كلما سار بين الناس، اصطدم بأحدهم فتلطخ ثوبه بشيء. حاول أن يحافظ على نظافته، لكنه كان يتسخ كلما احتك بآخرين. بعد محاولات كثيرة، أدرك الحقيقة: لا سبيل لأن يحافظ على نقاء ثوبه إلا بأن يسير بحذر، وأن ينتبه لمن حوله، وألا يسمح للأوساخ أن تعلق به بسهولة.
القصة هنا ليست عن الملابس، بل عن القلب. كيف نحتفظ بقلوبنا نقية وسط زحام الغضب، والحقد، والحسد، والمنافسات التي تترك بقعًا داكنة على أرواحنا؟ "قطايف" لا يعطيك إجابات جاهزة، لكنه يريك الصورة، ويترك لك حرية التأمل فيها.
"البقاء لله".. الحقيقة التي ننساها
في حلقة أخرى، يتناول البرنامج مفهوم الموت بأسلوب إنساني لا يخيف، بل يوقظ. يحدثنا عن صديقين كانا يتنافسان في كل شيء، حتى في النجاح والعمل والثراء. كانا يظنان أن سباقهما لن ينتهي أبدًا.. حتى أتى الموت فجأة. الأول رحل، والآخر بقي ليكتشف أن كل ما كانوا يتصارعون عليه أصبح بلا قيمة.
في هذه الحلقة، لم يكن الهدف هو التذكير بالموت لإثارة الخوف، بل لإعادة ترتيب الأولويات، لتذكيرنا بأنه يوجد ما هو أبقى من صراعاتنا الصغيرة.
كيف استطاع سامح حسين الوصول إلى القلوب؟
ليس من السهل أن تُقدِّم محتوى دينيًا أو أخلاقيًا دون أن تُشعر الناس بأنه فرض عليهم، لكن سامح حسين فعلها. لماذا؟
- لأنه لم يخرج عن طبيعته: ظل سامح حسين الذي نعرفه، القريب من الناس، العفوي، البعيد عن التكلف.
- لأنه استخدم القصة: العقل قد يرفض النصيحة المباشرة، لكنه لا يقاوم قصة جيدة.
- لأنه يتحدث بلغة الناس: لا خُطب فخمة، ولا مصطلحات معقدة، بل كلمات بسيطة يفهمها الجميع، لكنها تدخل القلب بلا استئذان.
- لأنه يمزج الحكمة بالبساطة: يجعلك تفكر، تتأثر، وقد تدمع، لكن دون أن تشعر أنك في درس ثقيل.
لماذا يجب علينا أن نتابع برنامج قطايف؟
في زمنٍ تُختلط فيه الأصوات وتضيع المعاني بين ضجيج الأيام، يأتي «قطايف» نسمة لطيفة تُعيد إلينا قيمنا وتصحح مساراتنا المنحرفة دون أن تنزعجنا. إنه ليس مجرد برنامج رمضاني، بل رسالة خفية تُوقظ فينا وعيًّا إنسانيًّا يرافقنا على مدار العام.
قطايف يصحح المفاهيم الخاطئة
يبدأ «قطايف» بتصحيح مفاهيمنا المتأصلة التي لطالما أخفقت في توجيهنا نحو حياة أكثر صفاء. فمثلًا، حين يتحدث عن الحسد، يصفه بطريقة مبتكرة كأنّه «شماعة نعلق عليها أخطاءنا»، لنفهم أن الحسد ليس مجرد شعور سلبي بل مرآة تُظهر لنا نقاط ضعفنا، تدعونا لتحرير أنفسنا من قيود الغيرة والتنافس الهدّام.
يقول سامح حسين في إحدى الحلقات: «الحسد لا يبني شيئًا، بل يعوق نمو روح الإنسان؛ فكلما تخلصت من هذا الشعور، ازدهرت ذاتك».
ويُعيد البرنامج رسم صورة الزواج والعلاقات الإنسانية، مؤكدًا ألا زوجة مثالية في هذا العالم، وأن السعي وراء الكمال ما إلا وهم يُبعدنا عن حقيقة الحب والتفاهم. ففي حديثه البسيط، يقول سامح: «الحياة لا تصنع لنا شريكًا مثاليًا، بل تمنحنا فرصة لنتعلم من بعضنا كيف نحب رغم العيوب». وبذلك يدعونا "قطايف" إلى تقبل الذات والآخرين كما هم، وإلى تقدير جمال النقص الذي يجعلنا بشرًا.
قطايف يزرع قيمًا إيجابية
ولا يتوقف الأمر عند تصحيح المفاهيم، بل يمتد ليزرع قيمًا منسية كانت يومًا ما نبراسًا يضيء دروبنا. إنه يحثنا على الابتعاد عن الكذب والمناورات التي تفسد العلاقات، ويُعيد إلى أذهاننا أهمية الصدق والأمانة التي تبني جسور الثقة بين الناس. وفي صرخة حب وطنية خفيفة، ينادي سامح: «حب الوطن لا يُقاس بالأعلام، بل بمواقفنا الصادقة وأفعالنا النبيلة».
ولعلَّ أهم ما يميز «قطايف» هو خفته التي تصل إلى القلب مباشرة، وروح الدعابة العفوية التي تحوّل النصائح إلى لحظات من التأمل والابتسامة. هذا البرنامج ليس حكرًا على ليالي رمضان، بل هو رفيق دربٍ نحتاج إليه يستمر طول العام؛ ليُذكرنا بأن الحياة ليست مجرد سباق نحو الكمال، بل رحلة نعيشها بكل بساطة، نستمد منها الدروس دون أن نشعر بثقلها.
في نهاية المطاف «قطايف» هو أكثر من برنامج؛ هو دعوة صادقة للعيش بواقعية وإنسانية، لتصحيح مفاهيمنا والعودة إلى قيم ضائعة، وإلى احتضان الحياة بكل تناقضاتها بكل حب وصدق.، فلذلك ننتظر مزيدًا من الإبداع والوعي في باقي حلقات رمضان، ونرجو أن يستمر هذا القطايف بعد رمضان أيضًا.
شهادات الجمهور.. كيف استقبل الناس «قطايف»؟
لم يكن تأثير «قطايف» مجرد كلمات في الهواء، بل وصل إلى القلوب بصدق. على وسائل التواصل الاجتماعي، كتب أحد المشاهدين: «أكثر ما أعجبني في البرنامج أنه لا يشعرني بالذنب، بل يمنحني فرصة لأفكر بهدوء. المرة الأولى أشعر أن المحتوى الديني يمكن أن يكون خفيفًا لكنه عميق».
بينما علَّق آخر: «لم أكن أتابع البرامج الدينية، لكن قطايف غيَّر نظرتي؛ لأنه لم يعاملني بصفتي مذنبًا يحتاج إلى إنقاذ، بل بصفتي إنسانًا يحتاج إلى لحظة تأمل».
قطايف.. ليس مجرد برنامج بل رسالة
في زمن تمتلئ فيه الشاشات بالمنافسة على «من يصنع الضجة الأكبر»، جاء «قطايف» ليصنع أثرًا أبقى. ربما لن يكون البرنامج الأكثر صخبًا، لكنه سيكون البرنامج الذي يظل عالقًا في الذهن بعد انتهاء رمضان.
سامح حسين لم يقدم دروسًا، بل وضع بين أيدينا مرآة. جعلنا ننظر إلى قلوبنا، نتساءل، نراجع أنفسنا، وكل هذا بأسلوب لا يُشعرنا بالذنب، بل يمنحنا فرصة لنكون أفضل، ولكن.. برفق.
قد ينسى الناس كثيرًا مما يسمعونه، لكنهم لا ينسون أبدًا ما يجعلهم يشعرون.
وهذا هو سحر «قطايف»، أن يتكلم قليلًا لكنه يؤثر تأثيرًا كثيرًا، أن يهمس، لكن بصوت يصل إلى القلوب قبل الأذان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.