اختبار باوي ديك Bowie Dick في التعقيم الطبي وضمان الجودة

في مجال الرعاية الصحية والصناعات الدوائية، يعد التعقيم أمرًا غير قابل للتفاوض، فالتحقق من خلو الأدوات والمعدات الطبية من الملوثات الميكروبية أمر بالغ الأهمية لسلامة المرضى والامتثال التنظيمي، وإحدى أكثر الطرائق الموثوقة لاختبار فاعلية عمليات التعقيم بالبخار هي حزمة اختبار Bowie-Dick.

وتُشير بيانات الهيئة العامة للغذاء والدواء (FDA) إلى أن 15% من عمليات سحب الأدوات الطبية مرتبطة بأخطاء في التعقيم، ما يزيد من أهمية الاختبارات التشخيصية مثل Bowie-Dick.

طوَّر هذا الاختبار الدكتور ج. باوي وج. ديك عام 1963 في المملكة المتحدة، وهو يُقيِّم كفاءة إزالة الهواء وقدرة البخار المشبع على اختراق أعماق الحمولة داخل أجهزة التعقيم بالبخار بمساعدة التفريغ (Pre-vacuum or Vacuum-assisted Steam Sterilizers).

وهو اختبار روتيني يومي يُساعد المنشآت الصحية والصناعية على الحفاظ على معايير التعقيم المثلى، لا سيما للأحمال المسامية (Porous Loads)، وهي المواد التي تحتوي فراغات يمكن للهواء أن يُحتجز بداخلها مثل مجموعات الأدوات المغلفة بالمنسوجات، مثل ملاءات الجراحة والأردية الطبية.

وتعتمد فعالية الاختبار على مبدأ انتقال الحرارة الرطبة عبر البخار المشبع، فتُحاكي كومة المناشف المُستخدمة مقاومةَ الأحمال المسامية للبخار، وهو ما أكدته دراسة نُشرت في مجلة Applied Microbiology عام 2022.

استند التصميم الأصلي إلى 29- 36 منشفة هوكاباك (Huckaback towels - نوع من المناشف القطنية ذات قدرة امتصاص عالية)، كل منها مطوية ومكدسة على ارتفاع 10- 11 بوصة، ثم وُضِعت ورقة في وسط كومة المناشف، مُزوَّدة بشريط مؤشر كيميائي (Chemical Indicator - مادة يتغير لونها عند تعرضها لشروط معينة مثل الحرارة والبخار) على شكل صليب القديس أندرو، وبعد تجهيز كومة المناشف، وُضِعَت داخل صندوق معدني للضمادات أو حاوية مُماثلة.

كانت الفكرة هي محاكاة تعقيم الأحمال المسامية الكثيفة باختبار ما إذا كان البخار يصل إلى المناشف في مركز الكومة ويخترقها بدقة أم لا، وفي حال نجاح الاختبار ووصل البخار بفعالية بعد إزالة الهواء، سيتغير لون شريط المؤشر الكيميائي تبعًا لذلك، وإلا فسيبقى الشريط دون تغيير أو يتغير بأسلوب غير منتظم، ويشير هذا إلى ما إذا كان مستوى تغلغل البخار داخل جهاز التعقيم كافيًا للتعقيم الفعال.

كيف يعمل جهاز التعقيم بالبخار (الأوتوكلاف)؟

يعمل جهاز التعقيم المعروف أيضًا بالأوتوكلاف (Autoclave) بمبدأ التعقيم بالحرارة الرطبة، باستخدام بخار ماء نقي مضغوط للقضاء على الكائنات الدقيقة، بما في ذلك الأبواغ البكتيرية المقاومة عن طريق تخثر وإتلاف بروتيناتها الحيوية.

يعمل جهاز

وتُعد هذه الطريقة فعالة للغاية؛ لأن البخار ينقل الحرارة بكفاءة أعلى بكثير من الهواء الجاف، ويخترق المواد بفاعلية أكبر من الحرارة الجافة.

تتضمن عملية التعقيم في الأجهزة التي تعمل بمساعدة التفريغ 3 مراحل رئيسة:

  • مرحلة ما قبل التفريغ (Pre-vacuum): يُخرج جهاز التعقيم الهواء من الحجرة (Chamber) باستخدام مضخة تفريغ لخلق ضغط سلبي، عادةً في نبضات متكررة لسحب أكبر كمية ممكنة من الهواء.

وتُعد هذه المرحلة حاسمة لأن الهواء المتبقي يمثل عائقًا أمام وصول البخار، ما يضمن وصول البخار بسرعة وبشكل متساوٍ إلى جميع أسطح الحمولة.

  • مرحلة التعقيم (Sterilization/Exposure): يُدخل بخار مضغوط بدرجة حرارة ووقت محددين، عادةً ما تكون بين 121 و134 درجة مئوية (250 و273 درجة فهرنهايت)، ما يسمح للحرارة والرطوبة بتفكيك البروتينات الميكروبية، ما يقضي على البكتيريا والفيروسات والجراثيم والفطريات بفاعلية كبيرة.
  • مرحلة التجفيف (Drying): بعد دورة التعقيم، يُفرغ جهاز التعقيم البخار ويستخدم التفريغ مرة أخرى لإزالة الرطوبة المتبقية من الحمولة، لمنع نمو الميكروبات وضمان جفاف الأدوات وتعقيمها وجاهزيتها للتخزين أو الاستخدام.

ويُعدّ جهاز التعقيم المسبق بالتفريغ بالغ الأهمية لتعقيم الأحمال المسامية، مثل الأدوات الطبية الجراحية ومعدات المختبرات، فبدون إزالة الهواء بطريقة صحيحة، قد يُمثل الهواء المحبوس جيوبًا عازلة للحرارة تمنع التعقيم الفعال.

آلية عمل اختبار باوي-ديك.. محاكاة تحدي اختراق البخار

يُقيّم اختبار بوي-ديك كفاءة إزالة الهواء ونفاذية البخار في جهاز التعقيم ذي التفريغ المسبق، ويتكون الاختبار الحديث عادةً من عبوة جاهزة تحتوي طبقات متعددة من مواد مسامية، مثل الورق المطوي أو القماش أو مواد أخرى مصممة خصيصًا، تُحاكي خصائص الأحمال الكثيفة وتمثل تحديًا لوصول البخار.

في جوهره يحتوي الاختبار ورقة مؤشر كيميائي Chemical Indicator Sheet في مركز العبوة مصمم ليتفاعل ويتغير لونه

في جوهره، يحتوي الاختبار ورقة مؤشر كيميائي (Chemical Indicator Sheet) في مركز العبوة، مصمم ليتفاعل ويتغير لونه بشكل واضح وموحد مع التعرض لدرجة حرارة ووقت التعقيم المحددين بوجود البخار المشبع، مُوفرًا تأكيدًا بصريًّا لكفاءة إزالة الهواء واختراق البخار. إذا بقي الهواء محصورًا داخل العبوة (بسبب ضعف التفريغ أو تسرب الهواء)، فستتم إعاقة نفاذية البخار إلى مركز العبوة، ما يؤدي إلى تغيير لون المؤشر تغييرًا غير كامل أو غير متناسق (ظهور بقعة مركزية بلون مختلف).

ويُعدّ هذا الاختبار بالغ الأهمية للتحقق من عمل أجهزة التعقيم بالبخار بمساعدة التفريغ بطريقة صحيحة، وذلك بإزالة جيوب الهواء التي قد تُؤثر سلبًا في جودة التعقيم وتعرض سلامة المرضى للخطر. ويصنف اختبار باوي-ديك مؤشرًا كيميائيًّا من الفئة 2 -مؤشر اختبار خاص- وفقًا لمعيار ISO 11140-1.

لماذا يُعدّ اختبار باوي-ديك ضروريًّا؟

  • يضمن كفاءة جهاز التعقيم: يكشف عن مشكلات الهواء المحبوس، أو عدم كفاية جودة البخار الذي قد يمنع التعقيم الكامل.
  • الامتثال التنظيمي: مطلوب يوميًّا وفقًا لمعايير دولية ومحلية مثل ISO 11140-4 وإرشادات جمعيات مثل AAMI في الولايات المتحدة.
  • يمنع التلوث: يقلل المخاطر المرتبطة بالتعقيم غير السليم للأدوات الجراحية والمواد الطبية، ما يحمي المرضى والمنتجات الدوائية.
  • الكشف المبكر عن المشكلات: يحدد أعطال جهاز التعقيم الميكانيكية أو مشكلات إمداد البخار قبل أن تؤثر في السلامة، وتتسبب في تعقيم حمولات كاملة بطريقة غير فعالة.
  • يدعم ضمان الجودة: يضمن أداءً متسقًا للتعقيم والامتثال لعمليات التدقيق الداخلي والخارجي.
  • زيادة الثقة: يوفر للعاملين والمرضى ثقة أكبر في سلامة الأدوات المعقمة.

كيفية إجراء اختبار باوي-ديك وتفسير النتائج

يجب اتباع تعليمات الشركة المصنعة لعبوة الاختبار بدقة، ولكن الخطوات العامة هي:

  1. ضع عبوة الاختبار الأفقية عادةً في حجرة تعقيم فارغة وباردة، أي أول دورة في اليوم، في المكان الموصى به من قبل الشركة المصنعة لجهاز التعقيم، وغالبًا ما يكون على الرف السفلي فوق فتحة التصريف، فتكون إزالة الهواء أصعب.
  2. شغَّل دورة تعقيم مخصصة لاختبار باوي-ديك، أو دورة قياسية للأحمال المسامية، على درجة حرارة 134 درجة مئوية مدة 3.5 دقيقة أو 121 درجة مئوية (249.8 درجة فهرنهايت) مدة تتراوح حسب توصيات الشركة المصنعة للجهاز والاختبار، مثل 8.3 أو 10 أو 11 أو 15 دقيقة. ملاحظة: يجب أن تكون مرحلة التجفيف جزءًا من الدورة.
  3. تحقق من النتائج بعد انتهاء الدورة وتبريد العبوة قليلًا:
    • تغير اللون الموحد: تغير لون المؤشر الكيميائي تغييرًا كاملًا ومتجانسًا من الحواف إلى المركز، مطابقًا للون المرجعي للنجاح المقدم من الشركة المصنعة = عملية التعقيم وإزالة الهواء فعالة. (نتيجة ناجحة)
    • تغير اللون غير المتساوي أو غير الكامل: بقاء منطقة في المركز بلون مختلف، أو ظهور بقع غير متجانسة اللون = احتمال وجود تسرب هواء، أو مشكلات في جودة البخار، أو عطل في المعدات. (نتيجة فاشلة)

الأسباب الشائعة لفشل اختبار باوي-ديك وكيفية استكشاف الأخطاء وإصلاحها

  • تغير غير مكتمل في اللون بقعة مركزية فاتحة؟ تحقق من وجود تسربات في الفراغ (فحص حشية الباب، والأنابيب) أو مشكلات في جودة البخار (بخار رطب جدًا أو وجود غازات غير قابلة للتكثف).
  • نتائج غير متساوية بقع منتشرة؟ افحص حشيات باب جهاز التعقيم، أو انسداد مصارف التعقيم، أو تقنيات التحميل (التحقق من عدم وضع العبوة بطريقة تعيق تدفق البخار)، أو مشكلات في جودة البخار.
  • لا يوجد تغير في اللون أو تغير طفيف جدًا؟ يشير إلى عطل كبير في التعقيم (فشل في الوصول لدرجة الحرارة أو ضغط البخار المطلوب)، ويلزم صيانة فورية! لا تستخدم جهاز التعقيم حتى يتم إصلاحه واجتياز الاختبار بنجاح. ويجب دائمًا اتباع بروتوكولات استكشاف الأخطاء وإصلاحها المحددة من قبل الشركة المصنعة لجهاز التعقيم وعبوة الاختبار.

عندما يتغير اللون كاملًا تحقق من وجود تسربات في الفراغ أو مشكلات في جودة البخار

أفضل الممارسات لضمان نتائج موثوقة لاختبار باوي-ديك

  1.  أجرِ اختبار باوي-ديك يوميًّا قبل تعقيم الأحمال الأولى في اليوم، وبعد أي إصلاحات كبيرة للجهاز.
  2. استخدم عبوات اختبار معتمدة (تحمل علامات مثل CE أو FDA حسب المنطقة) ومعتمدة من جهات موثوقة ومتوافقة مع معيار ISO 11140-4 لضمان الدقة والموثوقية، تحقق من تاريخ الصلاحية وظروف التخزين الصحيحة.
  3. احتفظ بسجلات مفصلة لنتائج الاختبار (ورقة المؤشر نفسها مع التاريخ ورقم الجهاز واسم الفاحص) لضمان الامتثال للمتطلبات التنظيمية ولتتبع أداء الجهاز.
  4. اتبع تعليمات الشركة المصنعة لكل من جهاز التعقيم وعبوة الاختبار بدقة.
  5. تدريب العاملين تدريبًا كافيًّا على كيفية إجراء الاختبار وتفسير النتائج والتعامل مع حالات الفشل.

يُعد اختبار باوي-ديك (Bowie-Dick) أكثر من مجرد إجراء روتيني؛ إنه ركيزة أساسية في منظومة ضمان جودة التعقيم بالبخار وحماية أرواح المرضى. بتقييمه الدقيق لكفاءة إزالة الهواء وقدرة البخار على الاختراق، يوافر هذا الاختبار تأكيدًا حيويًا بأن جهاز التعقيم يعمل على النحو المطلوب، لا سيما مع الأحمال المسامية التي تمثل تحديًا.

إن الالتزام بإجراء الاختبار يوميًا، واستخدام عبوات معتمدة، وتفسير النتائج بدقة، والاحتفاظ بسجلات وافية، لا يضمن فقط الامتثال للمعايير التنظيمية مثل ISO 11140-4، بل يسهم مباشرة في منع انتشار العدوى والحفاظ على أعلى مستويات السلامة في المستشفيات، وعيادات الأسنان، والمختبرات، والصناعات الدوائية، إنه خطوة صغيرة يومية ذات تأثير كبير على صحة المجتمع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.