تتعدد مصادر المتعة والإثارة في لعبة كرة القدم، ما يجعلها تستحق لقب اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكن أكثر مصادر هذه المتعة تميزًا هي المفاجآت والنتائج غير المتوقعة التي تسمى أحيانًا الريمونتادا، حين يعود فريق في النتيجة من بعيد ومن حيث لا يتوقع المحللون والمشاهدون، حتى اللاعبون أنفسهم الذين عادوا في النتيجة لا يصدقون أحيانًا الإنجاز الذي تحقق.
وفي هذا المقال نقدم لك أشهر حالات الريمونتادا في مباريات دوري أبطال أوروبا، التي تجري أحداثها بين أكبر وأقوى الفرق في العالم، لذا تصبح المفاجآت والنتائج غير المتوقعة والريمونتادا ذات أهمية أكبر وإثارة أكبر وأكبر.
اقرأ أيضاً حصاد دوري أبطال أوروبا الجولة الثانية
برشلونة ضد باريس سان جيرمان
في عام 2017 ذكرى لا ينساها عشاق برشلونة في جميع أنحاء العالم، إذ خسر برشلونة بنتيجة 4-0 في باريس على ملعب الأمراء أمام باريس سان جيرمان، حين اعتقد الجميع أن مباراة العودة لن تؤثر كثيرًا في صعود باريس سان جيرمان إلى الدور التالي من دوري أبطال أوروبا، إذ من الصعب بل من المستحيل من وجهة نظر معظم الناس أن يفوز برشلونة على باريس سان جيرمان المدجج بالنجوم بنتيجة 5-0 ليصعد إلى الدور التالي.
دخل برشلونة المباراة مبكرًا بهدف لويس سواريز الذي أشعل المدرجات، ثم تلاه هدف مدافع باريس سان جيرمان في مرماه، ثم تلاه ركلة جزاء ليونيل ميسي في الشوط الثاني لتصبح النتيجة 3-0 في 50 دقيقة، وقتها بدأ لاعبو ومشجعو برشلونة يصدقون أنهم قادرون على العودة، فلم يبقَ إلا هدف واحد للتعادل وهدفان للصعود، لكن كافاني لاعب باريس سان جيرمان أحرز هدفًا أعاد به الأمور إلى النقطة الأصعب؛ إذ يحتاج برشلونة إلى 3 أهداف في المدة المتبقية من المباراة، إضافة إلى عدم قبول أي هدف.
ورغم الفرص المتعددة لباريس سان جيرمان، فإن كافاني وأنخل دي ماريا أضاعا كثيرًا من الفرص لقتل المباراة.. ثم حضر نيمار ليحرز هدفًا في الدقيقة الـ88 إضافة إلى ركلة جزاء في الدقيقة الـ91، ثم تحدث المعجزة ويحرز سيرجي روبيرتو هدف الفوز الهدف السادس في الدقيقة الـ95 ليفوز فريق برشلونة بنتيجة 6-1، ويصعد على حساب باريس سان جيرمان، الذي تلقى صدمة العمر في البطولة التي فاز بها برشلونة بعد ذلك، ليحقق الريمونتادا الأقوى والأصعب في تاريخ دوري أبطال أوروبا.
اقرأ أيضاً دوري أبطال أوروبا وأرقام قياسية للأندية واللاعبين
ليفربول ضد برشلونة
وفي دوري أبطال أوروبا موسم 2019 حدثت ريمونتادا أخرى لا ينساها عشاق ليفربول ولا مشجعي برشلونة.
إذ كانت مباراة الذهاب في ملعب الكامب نو معقل برشلونة قد انتهت بفوز برشلونة 3-0 ما صعب مهمة ليفربول في مباراة العودة، حتى إن نجميه محمد صلاح وفيرمينيو غابا عن اللقاء لتصبح المهمة أصعب وأصعب.
ولكن مع بداية المباراة استطاع أوريجي لاعب ليفربول المميز إحراز هدف مبكر ليقنع زملاءه بأن المباراة في المتناول، وأن إحراز الأهداف في برشلونة ليس مستحيلًا، وفعلًا استطاع لاعبوا ليفربول إحراز 3 أهداف أخرى لينتهي اللقاء بفوز الريدز بأربعة أهداف مقابل لا شيء.
في مباراة كان برشلونة فيها فريقا مختلفًا ومقيدًا ومنهارًا وعاجزًا عن مجاراة أبناء مدينة ليفربول، الذي صعد على حساب برشلونة، ليتركه في صدمة كبيرة، ولم يستطع أن يفسر مشجعو ومتابعو برشلونة هذه الحالة الغريبة لفريقهم الذي فاز في الأسبوع نفسه على ليفربول بثلاثة أهداف في مباراة قوية وممتعة.
فكيف خرج اللاعبون عن مستواهم المعهود ليتلقى فريقهم هذه الهزيمة الكبيرة في مدة زمنية لم تتجاوز الأسبوع الواحد؟ أمر لا يحتاج إلى تفسير.. إنه أحد أسرار كرة القدم وأحد مصادر البهجة والمتعة في الساحرة المستديرة.
اقرأ أيضاً دوري أبطال أوروبا وحصاد الجولة الأولى
روما ضد برشلونة
وفي موسم 2018 حدثت ريمونتادا أخرى سجلت بحروف من ذهب في قائمة أفضل مباريات الريمونتادا في تاريخ دوري الأبطال، وربما في تاريخ كرة القدم، وهي ريمونتادا فريق روما الإيطالي على فريق برشلونة الإسباني؛ إذ انتهت مباراة الذهاب بفوز برشلونة على روما بنتيجة 3-1.
وهو ما جعل عودة ذئاب روما في مباراة الإياب التي تتطلب الفوز بثلاثة أهداف نظيفة أمرًا صعبًا وربما مستحيلًا، وذلك لاعتبارات كثيرة، منها قوة فريق برشلونة في هذه المرحلة والفارق الكبير في الإمكانات بين الفريقين، والذي يصب في مصلحة برشلونة، ولكن لاعبي روما قدموا مباراة استثنائية بدأها اللاعب البوسني دجيكو بهدف في الدقيقة السادسة أشعل بها حماس الجماهير وحماس زملائه في الوقت نفسه.
ومع تحفظ فريق برشلونة ظن الجميع أن أهدافًا أخرى قادمة لمصلحة روما، لكن الشوط الأول انتهى بهذه النتيجة 1-0، ومع الشوط الثاني بدأت هجمات فريق روما تزداد وتيرتها، لكن صمود دفاع برشلونة أجَّل إحراز الهدف الثاني الذي جاء في الدقيقة الـ57 عن طريق ضربة جزاء حصل عليها دجيكو اللاعب المتألق وسددها دي روسي ليحرز الهدف الثاني لفريق روما.
ولم يتبق إلا هدف واحد سُجل فعلًا في الدقيقة الـ83 حين أحرز المدافع اليوناني مانولاس رأسية خرافية، ليحقق روما ريمونتادا تاريخية في ليلة خيالية من ليالي كرة القدم لن ينساها أبدا عشاق الذئاب، وأيضًا لن ينساها أبدًا مشجعو برشلونة الذين خرجوا من البطولة للسنة الثانية على التوالي على يد إحدى الفرق الإيطالية، فبعد أن خرجوا في العام الماضي على يد يوفنتوس خرجوا في ذلك العام على يد روما.
وحقق روما من هذه المباراة أرقامًا قياسية يصعب تكرارها، ليخسر بعد ذلك في الدور نصف النهائي أمام ليفربول الإنجليزي، لتتواصل الإثارة التي ترتبط بكرة القدم وتزداد وتيرتها يومًا بعد يوم.
اقرأ أيضاً الاستعدادات للجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا
ديبورتيفو لاكورونيا ضد ميلان
في موسم 2004 كانت الريمونتادا الأقوى والأقصى في تاريخ لاعبي ديبورتيفو لاكورونيا الإسباني، التي كانت أمام العملاق الإيطالي ميلان.. انتهت مباراة الذهاب في إيطاليا بنتيجة 4-1 لمصلحة الميلان في مباراة تقدم فيها لاعبو ديبورتيفو مبكرًا، ولكنهم لم يستطيعوا المحافظة على المكسب، لتتلقى شباكهم 4 أهداف متتالية.
ما جعل الجميع يتحدث عن عبور الميلان على حساب ديبورتيفو لاكورونيا، وأن مباراة العودة تعد تحصيل حاصل، وهو ما قلبه أبناء ديبورتيفولاكورونيا رأسًا على عقب، حين فاجئوا العملاق الإيطالي بعودة تاريخية بهدف مبكر في الدقيقة الخامسة، ليشتعل الملعب المملوء سلفًا.
ما جعلهم يحرزون هدفين متتاليين في الدقيقتين الـ35 والـ45، وهو ما أصاب لاعبي الميلان بالصدمة ليأتي الهدف الرابع في الدقيقة الـ76 عن طريق فرنسيسكو فاران الذي طار بزملائه في سماء المستحيل وعبر بهم على حساب العملاق الإيطالي، الذي عاد إلى إيطاليا خاسرًا بطريقة غير تقليدية في ليلة خيالية من ليالي دوري أبطال أوروبا.
هذا وتعد هذه المباريات غير متوقعة النتائج التي ينكسر فيها المألوف والمتوقع، هي عنوان الإثارة في كرة القدم، وهي الليالي التي يُصنع فيها التاريخ والذكريات الاستثنائية لأجيال وأجيال، وربما من أجل هذا تفردت الساحرة المستديرة بهذه الشعبية الكبيرة، إذ يمكن للضعيف أن يهزم القوي ويمكن للطرف الأقل في الإمكانات أو النتائج أن يفاجئ الجميع بنتيجة غير متوقعة، وأن يصعد على حساب البطل صاحب السمعة والإمكانات الكبيرة، ولعله جانب نفسي، إذ يرى مشجع كرة القدم نفسه بطلًا بفريقه ويرى نفسه منتصرًا بانتصار الفريق الذي يشجعه، وعلى هذا فهو يرى نفسه قاهرًا للمستحيل بريمونتادا تاريخية أو عودة غير متوقعة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.