بأسباب الغيب لا أسبابي، ما وصل إليك يومًا كتابي، علَّلت غيابك بحجج البقاء فبمَ أعلل غيابي؟ بدا أنك قديم في الأرض وحكمتك أسمى من ضيق أبوابي، فما زلت أراجيك ألَّا ترحل وما زلت تحدثني حديث الأغراب، بدا أنك أقوى من رباط الحب ولهفة الأحباب، بدا أنك ترث سعادة تغنيك عن أسئلتي في فضاء عينيك والجواب، بدا أنك تملك أبدًا ساطعًا بالحب والجمال تمشي إليه مستيقنًا لا مرتاب، بدا الكون الذي كنت أجوبه لأجد خيالًا يستحق وصفك الرقي سرابًا في سراب.
بدا أنك تُركع المشاعر طوعًا متى تأمرها، فما عادت نسيجًا يغمرك بل أنت الذي تغمرها، والليالي بدت تسهرك قسرًا لا أنت الذي يسهرها، والأحلام تصبو صباح مساء أن يا عظيم تبصرها؟
بدا أن كلماتي التي كنت تتوق أن تسمعها مني لم تعد تذكرها، كيف وأسراري في أصداء الحياة كنت أنت تكتمها، الآن ما عادت تراك روحي التي كنت تسكنها، فما تركت لها سبيلًا ولا دليلًا إليك يلهمها، فكيف تترك النفس عزيزًا كان يحميها، وكيف تهجر العين وعاء كان يحفظها، وكيف ينكر القلب فرحة كان يرجوها، وكيف يبيع العقل سعادة كان يملكها، وكيف تترك الروح روحًا كانت تحييها؟
أعجز أن أرى الآن ما أنت فيه قائم، لعلك أبصرت الآن كثيرًا من العوالم، وقلبك يحوز بحكمته ما يلائمه أو لا يلائم، بقوانينك التي بسطتها إلى أبدك الساطع الدائم.
فلا أنت تشتاق ولا الشوق يرقى إلى قدرك، ولا الحب يسلك جانبًا من الحياة إلى قلبك، والدنيا المترفة التي أردتها باقية في نظرك، والجمال أصبح وصفه عائدًا لما تملك، ولديك الخدم يهرعون عند أمرك، فما الذي تحتاج إليه بل ما الذي يحتاج إليك؟ والكل أصبح سائلًا ذليلًا عند بابك، ويأنس بك أصحاب الملك من طلابك، ولا يعذر نفسه الألم يومًا إن أصابك.
ثم إذا أتاك يوم لم تعد بنفسك تغتر، لا تشعر بشغف ولا بك يشعر، ولا تجد في فضاء ما تملك صوتًا يسر، وما زلت من حزن إلى حزن تفر، وعمرك بات ما أملَّه من عمر، فلا حنين ولا حنان ولا حب يسكنك ولا سهر، وتارة تنازع نفسك وتارة تناجي القدر، فهذه أسباب الغيب التي رحلت إليها لا أسبابي لو كنت تسمع أو تبصر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.