أنواع المسرح.. الكوميدي والتراجيدي والتاريخي والملحمي والعرائس

المسرح فن من أعرق أنواع الفنون التعبيرية التي تحمل في طياتها رسائل إنسانية عميقة، فهو مرآة تفصح عن نبض المجتمعات وتحوُّل الإنسان، يقدم المسرح تجارب متنوعة تلامس مختلف جوانب الحياة والمشاعر الإنسانية، لا يقتصر المسرح على نمط واحد، بل يتنوع ليلبي مختلف الأذواق والأهداف، وتتعدد أنواع المسرح بتعدُّد أهدافه وجمهوره، فمنه المسرح الكوميدي الذي يُضحك ليوقظ الوعي، ومنه المسرح التراجيدي الذي يُبكي ليمنح العبرة، ومنه المسرح التاريخي الذي يستنطق التاريخ أو يُثير الفكر أو يخاطب الطفل في دواخلنا.

في هذا المقال نستعرض أبرز أنواع المسرح: الكوميدي، التراجيدي، التاريخي، الملحمي ومسرح العرائس، بأسلوب مبسط يفصح جوهر كل نوع ودوره في صياغة وعينا الثقافي، ونعرف خصائص كل منها، وتأثيرها في الجمهور، لنكتشف لماذا يظل المسرح فنًّا حيويًّا ومؤثرًا عبر العصور.

حين تنطفئ الأضواء وترفع الستارة يبدأ عالم آخر بالظهور، عالم لا تحكمه القوانين التي نعتادها، بل تُنسج فيه المشاعر بالكلمات وتُرسم فيه الحياة على خشبة صغيرة تدهشنا وتمتعنا، ألا وهو عالم المسرح الذي تنسى نفسك مع شخصياته المختلفة وأحداثه الممتعة.

أنواع المسارح

سنتعرف إليها مع نبذة عن كل نوع وهي كالتالي:

المسرح الكوميدي

يمكننا تعريفه بأنه: (ضحك يحمل معنى وسردًا خفيفًا يطرق أبواب الواقع بذكاء)، فهو ليس نكات وقفشات تضحك عليها ثم تنتهي فحسب، بل هو أذكى أنواع الفن؛ لأنه يختار الضحك طريقًا لإيصال الحقيقة.

 فكاتب النص المسرحي يكتبه بعناية ليسليك نعم، ولكنه في الوقت نفسه يلقي الضوء على مشكلات المجتمع، بل وعلى مواقف أنت تعيشها فعلًا، فأحيانًا تكون جالسًا في مقعدك داخل مسرحية كوميدية، وفجأة وفي أثناء مشهد مملوء بالحركة والضحك وسط أجواء مرحة، تجد نفسك تتأمل موقفًا قد حدث لك في حياتك يحمل شيئًا من الألم.

المسرح الكوميدي

ويهدف المسرح الكوميدي يهدف إلى إثارة الضحك لدى الجمهور، وغالبًا بتصوير عيوب الشخصيات أو المواقف المضحكة التي يقعون فيها، مع تضمين نقد اجتماعي أو سخرية بناءة وفقاً لـ Scribd.

أما عن شخصيات هذا النوع فقد تمر بصعاب أو مواقف غير مريحة، لكنها تتعامل معها بخفة ظل وتخرج منها بحلول أو دروس، لتجد نفسك في النهاية تضحك وتفكر أيضًا، وتتعاطف مع الشخصية فلربما ترى جزءًا من نفسك فيها.

المسرح التاريخي

حين نفتح ستارة المسرح على عرض تاريخي لا نشاهد مجرد تمثيل، بل نسافر عبر الزمن، فجأة تجد نفسك في بلاط ملك قديم وكأنك تعيش في هذا العصر، أو وسط معركة غيَّرت مجرى التاريخ كنت تقرأ عنها وترسمها في خيالك لكن الواقع كان أفضل بكثير، أو حتى داخل لحظة حاسمة غيَّرت مصير أمة برمتها، فهذا المسرح يمسك بيدك ويرجع بك إلى الماضي لا بقراءة كتب جامدة، بل بشخصيات حية لها ينقلون الحدث التاريخي على ألسنتهم فتسمعه ويرتدون الملابس السائدة في وقت الحدث فتراه وتستمتع.

المسرح التاريخي

يستلم المسرح التاريخي يستلهم موضوعات وشخصياته من الأحداث والشخصيات التاريخية، ليعيد تقديمها في شكل درامي على خشبة المسرح، وفقاً لـ StudioBinder.

والكاتب هنا لا يكتفي بنقل ما كُتب في الكتب. لا، بل له مطلق الحرية في إعادة صياغة الحدث التاريخي بأسلوب درامي يجذب الجمهور، وقد يضيف لمسة خيالية، أو يعيد ترتيب بعض التفاصيل، لا خيانةً للتاريخ بل خدمةً للعرض، ليمنح كل مشهد تأثيرًا أقوى.

وما يميز المسرح التاريخي أنه لا يلتزم بنوع واحد، فقد يكون جادًا مأساويًّا، أو رومانسيًّا حالمًا، أو حتى كوميديًا ساخرًا، لكن مهما كان نوعه فهو يدور دائمًا في حدث رئيس معروف، تنسج حوله الأحداث، وتتحرك فيه الشخصيات كقطع شطرنج على خشبة المسرح.

والممتع في هذا النوع أنك تجد نفسك وأنت تتابع أخطاء شخصية تاريخية تتساءل: أليست هذه الأخطاء تشبه ما يحدث اليوم؟ وهنا تكمن عبقرية المسرح التاريخي الذي يرجع إلى عبقرية كاتبه فهو لا يروي الماضي فقط، بل يضيء الحاضر أيضًا.

المسرح التراجيدي 

وهنا أنت تشاهد بطلًا يقف شامخًا في أول المشهد يبدو قويًا ونزيهًا ومحبوبًا، وربما قائدًا أو عاشقًا أو صاحب مبدأ لا يتزحزح عنه، ويبدو أن كل شيء في صالحه، وأنه يتحرك نحو المجد، لكن شيئًا فشيئًا تبدأ الملامح بالتغير، عندما يتعرض لقرار واحد أو لحظة ضعف أو شعور إنساني بسيط، كأن يحب أكثر مما يجب أو يطمح لأمر لا يحق له فيبدأ كل شيء بالانهيار، هذا هو جوهر المسرح التراجيدي.

فلا تجد عنفًا ولا دمارًا بلا سبب، بل تستمتع برحلة إنسانية تكشف لنا كيف يمكن لفضيلة زائدة أو عاطفة مفرطة، أن تصبح نقطة ضعف، ومع كل خطوة نحو النهاية لا نشاهد سقوط بطل بل نتورط في حزنه، ونشعر بثقل قراراته ونتألم لسقوطه، حتى ونحن نعرف أن خطأه هو ما قاده إلى السقوط!

المسرح التراجيدي

وما يجعل هذا النوع من المسرح مؤثرًا إلى هذا الحد هو أنه لا يكتفي بإثارة مشاعر الحزن، بل يعطينا ما هو أعمق وهو العبرة، فكل مأساة لا تُحكى لتبكينا فقط بل لتحذرنا ولتقول لنا: انتبهوا فهذه نهاية ممكنة لكل من يسير في الطريق نفسه.

المسرح الملحمي 

هذا النوع لا يطلب من الجمهور أن ينسى نفسه ويغرق في مشاعر الشخصية، بل يطلب منه أن يفكر ويتساءل، فأنت هنا لا تشاهد عرضًا لتبكي أو تفرح مع البطل، بل لتفكر معه أو تختلف معه.

وقد ظهر هذا النوع من المسرح في لحظة كان فيها العالم يتغير، وكانت الأسئلة الكبرى تُسأل في الساحات لا في الخفاء؛ لذلك جاءت المسرحية الملحمية لتمثل المنبر الفكري الذي يقدم فيه القضايا الاجتماعية والسياسية كما هي بلا تزيين أو تهويل.

وتُعرض فيه المشكلات بجرأة، وتُترك الحلول مفتوحة، حيث لا نهايات مغلقة ولا أجوبة جاهزة، فكل ما تراه على خشبة هذا المسرح هو مادة للتفكير تجبرك على طرح أسئلة مثل: لماذا حدث ذلك؟ من المسؤول عنه؟ وكيف يمكن أن يكون الأمر مختلفًا؟ 

المسرح الملحمي

في هذا النوع لا يعامل الجمهور بصفته متلقيًا سلبيًا، بل يعامل بصفته شريكًا في بناء المعنى وكأن العرض لا يكتمل إلا بحضوره الذهني. وهذا النوع لا يطمح إلى إرضائك، بل يطمح إلى إثارتك فكريًا، وزرع بذرة الشك والتساؤل في داخلك.

مسرح العرائس 

قد يبدو لك للوهلة الأولى أن مسرح العرائس مجرد تسلية للأطفال، لكنه في الحقيقة فن قديم يجمع بين البساطة والدهشة. فأنت تجلس أمام خشبة مسرح صغيرة وستارة تُفتح، وإذا بك ترى دمية تتحرك وتتكلم وتغضب وتضحك، ووراء الكواليس هناك ممثلون يحركون تلك الدمى بخيوط دقيقة، أو بأيديهم مباشرة، وأحيانًا تكون بدقة عالية وكأنها ريشة، وأحيانًا بحركات درامية تخطف الأنفاس، وهذه الدمى ليست بحجم واحد، فقد تكون صغيرة كالكف أو ضخمة تتجاوز طول الإنسان نفسه. 

مسرح العرائس

وما يميز مسرح العرائس حقًا هو تنوُّع أهدافه، فمرة تجد فيه حكاية درامية تحبس الأنفاس، ومرة يضحكك بعرض ترفيهي خفيف، ومرة يحاكي الروح الوطنية بقصص من التراث والتاريخ، وكل عرض يختار له نوع الدمى التي تناسبه وكأن كل دمية تمثِّل شخصية لها روحها وصوتها الخاص، فهو عالم مختلف وناعم في ظاهره، لكنه عميق في مضمونه، يخاطب الخيال ويوقظ فينا دهشة الطفولة التي لا تموت.

نسنتنج مما سبق أن المسرح أكثر من مجرد فن، فهو مرآة تعكس صورتنا وصوت يحاورنا ومساحة نعيش فيها ألف حياة بلحظة واحدة، فقد تنوَّعت أشكاله واختلفت أساليبه، لكنه ظل دائمًا سحرًا لا يقاوم.

ختامًا، إن عالم المسرح بأنواعه المختلفة يظل مرآة تظهر الحياة بكل تناقضاتها وجمالياتها، من الضحك الهادف في الكوميديا إلى الدروس العميقة في التراجيديا، ومن استلهام الماضي في المسرح التاريخي إلى تحفيز الفكر في المسرح الملحمي، ووصولاً إلى سحر الخيال في مسرح العرائس، كل نوع يقدم تجربة فريدة تسهم في فهمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا.

إن تعدد أنواع المسرح دليل على قدرة هذا الفن على التطور والتكيف، ليظل دائمًا وسيلة فعالة للتعبير والتأمل والترفيه، وجسرًا يربط بين الثقافات والأجيال، دعونا نستمر في دعم وتقدير هذا الفن المسرحي العريق الذي يثري حياتنا بالمعنى والجمال.

بعد ما استمتعت بما قرأته: أي نوع من المسرح تفضل حضوره؟ 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة