لم يكن سقوطًا مفاجئًا، ولم يكن قرارًا واعيًا. كان شيئًا يتسلل ببطء كضوء خافت يخبو دون أن يلاحظه أحد، لم يعد يعرف متى بدأت الأمور تتغير؟ متى فقد الشغف؟ متى توقفت الأشياء عن إثارة حماسه؟ كل ما يدركه الآن أنه لم يعد كما كان، وأن شيئًا بداخله انطفأ تمامًا.
في البداية، أقنع نفسه بأنها مرحلة وستمر، فالجميع يمر بلحظات فتور، بلحظات تعب تجعلهم يشكُّون في كل شيء، لكنه كان يرفض الاعتراف بأن ما يمر به ليس لحظة، ولا مرحلة، بل هو تحوُّل كامل لا رجعة فيه.
حاول أن يتجاهل ذلك الشعور، أن يعود كما كان، أن يبحث عن بقايا اللهفة التي كانت تحركه، لكن الأمر كان يشبه محاولة الإمساك بالماء؛ كلما قبض عليه تسلَّل من بين أصابعه، صار كل شيء يبدو باهتًا، بلا طعم، بلا إحساس، وكأنه يراقب حياته من الخارج، شخصٌ آخر يعيش مكانه، يؤدي دوره، يتكلم، يبتسم، يتحرك، لكنه لا يشعر بشيء.
كان ينتظر أن يأتي شيء ليوقظه، لحظة صادمة تعيد إليه الحياة، لكنه اكتشف أن الصدمة الحقيقية لم تكن في شيء خارجي، بل في ذلك الفراغ الذي ينمو داخله، لم يكن كرهًا، لم يكن نفورًا، لم يكن حتى استياءً، كان شيئًا أبسط من ذلك وأكثر رعبًا في الوقت ذاته.. كان انعدام الرغبة.
لم يعد يوجد تعلق، لم يعد يوجد شوق، لم يعد يوجد شيء يجذبه أو يدفعه أو حتى يؤلمه، كل ما كان يبدو يومًا ضروريًّا، صار الآن مجرد فكرة عابرة، كل ما كان يعتقد أنه لا يستطيع العيش دونه، اكتشف أنه يستطيع التخلي عنه بسهولة، كانت تلك الحقيقة صادمة في البداية، لكنه تقبلها مع الوقت، بل ربما شعر بالراحة أخيرًا.
كان غريبًا أن يصل إلى هذه المرحلة دون مقاومة حقيقية، لم يكن يوجد صراع داخلي كما كان يتوقع، لم تكن توجد لحظة انفجار عاطفي أو انهيار، بل مجرد انسحاب هادئ، كأن كل شيء يبتعد عنه دون أن يمد يده ليعيده.
وقف يتأمل ما كان يعني له كل شيء، وشعر وكأنه يرى صورة قديمة، ذكرى باهتة لا تثير فيه شيئًا، لا حنين، لا غضب، لا ندم. فقط نظرة هادئة محايدة، كما لو أنه لم يكن موجودًا يومًا.
أول مرة، أدرك أن المعركة انتهت، ليس لأنه انتصر، بل لأنه لم يعد يوجد شيء ليقاتل من أجله.
وانعدام الرغبة... كان أعظم انتصار.
👍👍👍
💜💜💜💜
رائعة حقا احسنت 💜🌷
💜💜😎
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.