انتشار الأدب الشعبي لا يعرف الحواجز اللغوية والجغرافية، فإذا قرأنا قصصًا قصيرة باللغة الأجنبية للكاتب الأمريكي "وليام سارويان"، سوف نجد أنه لم يغير شيئًا من القصة التي كانت إحدى حواديت أجدادنا الذين كانوا يحضرون حفدتهم ليقصوها عليهم، والتي كانت لا أول لها ولا آخر.
فالأمر يبدو لي عجيبًا بعض الشيء، وهو كيف لكاتب أمريكي أصله أرمني يصادف أن قصته مصرية شعبية، ومن المحتمل أنها من مخزونه الثقافي في أثناء طفولته التي قضاها في منطقته الأرمنية.
اقرأ أيضًا الأدب الشعبي في جنوب إفريقيا والبلدان النامية
الانتشار الثقافي وأنواعه
وهذا يقول لنا إنه توجد صلة ثقافية تتناقل فيها القصص والأساطير، وهذا ما يسمى "الانتشار الثقافي" الذي يتحدث عنه علماء الثقافة الذي يتبادل الناس فيه الثقافات، ويعد "ألفريد كروبر" أول عالم يشير إلى هذا المفهوم.
وذكر هذا المصطلح في كتابه انتشار الميثرات عام 1940، ويستخدم مصطلح "الانتشار الثقافي" في علم الإنسان الثقافي والجغرافيا الثقافية.
وقد قسم العلماء الانتشار الثقافي إلى نوعين، النوع الأول هو انتشار يحدث بالصدفة، والنوع الثاني انتشار يحدث بقصد وترتيب مُسبق، وفرقوا بين وسائل الانتشار مثل الغزو والهجرة، والإيحاء والاستعارة وغيرها.
وتعتمد النظرية الانتشارية على فكرة ندرة الابتكارات، فهي تفسر الابتكارات المتشابهة بين الشعوب بالاقتباس لا بالتوازي في الابتكارات.
وإذا قرأنا في الشعوب الأخرى، مثل كتاب "الغصن الذهبي" لفيروز، "وأساطير إيسوب" المشهورة، نتبين الصلات الوثيقة بين الشعوب، ووجود منطق معقول.
إذ إن "إيسوب" رجل من أبناء اليونان، ومن حضارة البحر المتوسط، ومن الممكن أن يكون ما جمعه من أساطير وقصص من إنتاج شعوب المنطقة هنا، إذ كان له كتاب يضم مجموعة من الحواديت الشعبية الذي جمعها المؤلف من الدول الإسكندنافية، ومع اختلافات صغيرة في هذه القصص.
اقرأ أيضًا "عبد الحميد يونس": " أمير" الأدب الشعبي العربي
الشخصية الشريرة بين الشرق والغرب
إذ بدلًا من أن الشخصية الشريرة في الشمال الأوروبي ساحرة لها أنف طويل، نجدها في الرواية المصرية زوجة الأب، وبدلًا من أن يكون البطل أميرًا كان تاجرًا، وبدلًا من السفر بالبحار كان السفر في الصحاري والأراضي البرية في الحواديت العربية.
فبطريقة أو بأخرى تنتقل القصص والأساطير من مكان إلى آخر مهما بَعُدَ، ومهما اختلفت اللغة، وإذا حدث تغير فهي إضافات غير جوهرية الغرض، وإذا حدث اختلاف ستكون إعادة الصياغة بما يتفق مع الثقافة المنقول إليها.
والذي يجعلنا نتساءل: ما السبب في تقسيم العالم إلى شرق وغرب؟ وعلى أي شيء نستند في قولنا إن الحضارات البشرية تختلف اختلافًا جوهريًّا، وإن العقليات تتناقض فيها حتى تعجز عن التفاهم!
فهنا يكمن التشكك في عمليات التمييز الحضاري والثقافي بين البشر والميول والطبائع، وقد نرى أن التمييز هذا نشأ بسبب الجهل والتعصب العرقي أو الحضاري، وأن هذا التمييز لم يظهر إلا في المرحلة الاستعمارية، حين كان الأقوياء يريدون تبرير استخفافهم بحقوق الآخرين، فوجدوه في ادعاء التمييز.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.