الوقاية من الحرائق بالتعرف على أسبابها

إلى جميع الحالمين بالعيش في عالم دون ملوثات، ودون حرائق، إلى كل إنسان يستشعر المسؤولية عن سلامة المحيطين به من الأقارب والأصدقاء وجميع من حوله ولو كان لا يعرفهم، دعونا نتساءل، هل حقًا من الممكن أن نحلم بعالم بلا حرائق؟

 بالتأكيد ممكن، إذ لا توجد قوة على وجه الأرض تمنع الإنسان من أن يحلم، غير أنه حلم أشبه بالمستحيل.

يحتاج إلى بشر كالملائكة لا يسعون إلى تدمير كوكبهم الذي يعيشون عليه عمدًا بالحروب وبالتفجيرات، ويحتاج إلى بشر حريصين على تجنب الأخطاء وتجنب مظاهر الإهمال التي تؤدي إلى إشعال الحرائق.

قد يهمك أيضًا حرائق المطبخ الوقاية والمكافحة

النار موت وحياة في وقت واحد

ولكن ما قيمة الأحلام مستحيلة التحقق على أرض الواقع؟

لذلك دعونا نحلم حلمًا في الإمكان أن يتحقق، ألا وهو عالم تندر فيه الحرائق إذا اتخذنا بعض الاحتياطات والإجراءات التي تمنع اشتعال النيران، أو في الأقل تقضي عليها فور نشوبها فتقلل من الخسائر الناجمة عنها.

فقد نجد أنفسنا فجأة -لا قدر الله- في مواجهة النار الرهيبة بحرارتها العالية، ولهيبها الفتاك، ودخانها الخانق، وهنا لا بد من التساؤل، هل نحن مستعدون لمواجهة هذا الموقف العصيب؟ كيف نتصرف مع تيقننا أن النار تأكل كل شيء، وتهلك كل شيء؟ فالنار تصهر الحديد وغيره من المعادن، وتؤدي إلى انهيار المباني، فكيف بنا، ونحن كالشموع في سرعة اشتعالها إذا تعرضت للحرارة؟!

ومع ما تتسم به النار من مخاطر مهلكة، فإن لها صفة شديدة الْخَطَر لا يمكن التغاضي عنها تضاف إلى ما سبق، ألا وهي سهولة نشوبها وتطورها، فنشوب النار في مكان ما ليس بالأمر العسير.

ذلك أن النار -كما نعلم- تنشأ من مستصغر الشرر، وتتطور وتتضخم في ثوانٍ معدودة، فتخرج عن السيطرة ملتهمة في طريقها كل شيء، تشهد على ذلك حرائق الغابات التي تلتهم مساحات شاسعة بِرُمَّتها وتتسبب في خسائر تقدر بالمليارات.

قد يقول بعض الأشخاص، إذا كانت النار مهلكة للأرواح ومدمرة للممتلكات بهذه الطريقة فيجب علينا الابتعاد عنها كليًا!

للأسف في غالب الأحيان لا يمكن تحقيق ذلك، إذ إن النار لا غناء عنها في جميع أنشطتنا اليومية، فهي ضرورية في أعمال الطهي، والتدفئة، فضلًا عن أنها لا غنى عنها في عدد من الصناعات المفيدة في حياة البشر.

وعلى هذا لا سبيل أمامنا مع خطورة النار حتى نحمي أنفسنا- إلا التزام قاعدة "الوقاية خير من العلاج"، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع نشوب الحريق في جميع أماكن أنشطتنا، في المنازل، وأماكن الترفيه، والشوارع، وأماكن الدراسة، وأماكن العمل... إلخ.

وإذا اشتعلت النيران فعلًا فيجب العمل بسرعة على مكافحتها وإخمادها بالوسائل المتاحة كافة للحد من آثارها المدمرة.

وفي ما يلي نتناول المقصود بالحرائق، وما الأسباب التي تؤدي إلى نشوبها في مكان ما حتى نتجنبها، إذ إنه إذا حدد الإنسان الخطر الذي يتهدده، والأسباب المؤدية إليه، فسيستطيع منعه أو في الأقل تجنبه بما يناسبه من وسائل.

قد يهمك أيضًا لماذا نعتبر رجل الإطفاء صديق لنا جميعا ؟

أولًا: المقصود بالحرائق

يقصد بالحرائق اشتعال النيران نتيجة وجود 3 عناصر تكوِّن ما يُعرف بمثلث الاشتعال في مكان واحد، يضاف إليها عنصر رابع هو استمرار تفاعلها مع بعضها، ما يؤدي إلى تضخم الحريق وانتشاره من مكان إلى آخر.

ما ينجم عنه تعرض الأرواح لإصابات بالغة قد تؤدي إلى الوفاة، وإلحاق الأضرار الجسيمة بالمباني ومحتوياتها، ما يهدد بكارثة قد تصل إلى تعطيل مظاهر الحياة وعناصر الإنتاج في المكان المنكوب.

وينبغي ملاحظة أن عنصر المفاجأة الملازم للحريق هو ما يؤدي إلى ضخامة الآثار التدميرية للحريق، لا سيما خاصة مع عدم الاستعداد بإتاحة تجهيزات الوقاية ومكافحة خطر الحريق في المكان قبل نشوبه بوقت كافٍ، أو عدم توعية وتدريب الموجودين على كيفية مواجهة مثل هذا الخطر.

قد يهمك أيضًا أسباب حرائق الغابات.. كيف علينا مواجهة هذا الخطر؟

ثانيًا: أسباب الحرائق

يوجد عدد من الأسباب المؤدية إلى نشوب الحريق، منها ما ينجم دون تدخل البشر، ومنها ما ينجم نتيجة لأفعال البشر.

حدوث الحريق لأسباب تعود إلى الظواهر الطبيعية

يقصد بالظواهر الطبيعية التي تتسبب في نشوب الحرائق، الظواهر الناتجة قدرًا دون تدخل من الإنسان، وتتسم الظواهر الطبيعية المؤدية إلى الحرائق بضخامتها وعدم توقع توقيت حدوثها.

على الرغم من أن الإنسان يسعى دائمًا إلى إدراك الوسائل التكنولوجية التي تمكنه من التنبؤ بوقوع مثل تلك الظواهر حتى يتخذ الاحتياطات اللازمة للحد من إخطارها.

وأهم الظواهر الطبيعية التي تنتشر بسببها الحرائق والزلازل والبراكين والصواعق الكهربية، بل إن السيول ذاتها قد تؤدي إلى نشوب الحرائق إذا ما تصادف وجود مواد ملتهبة في طريق السيل، مع توافر أي مصدر من مصادر الاشتعال.

فها هي الزلازل تؤدي إلى تحطيم خطوط ومواسير الغاز، فيتسرب الغاز منها مترقبًا أي مصدر اشتعال حتى ينفجر، مسببًا مزيدًا من الخسائر، فضلًا عما نجم عن الزلزال ذاته من دمار جسيم.

وها هي البراكين تطلق حممها ولظاها فوارة، فتنشر الحرائق وتهلك الأخضر واليابس ويعجز الإنسان عن التصدي لها.

وها هي الصواعق الكهربائية تهبط من السماء فتحرق الغابات، ما يؤدي إلى إهلاك النباتات والحيوانات وإصابة البشر بأضرار بالغة، وحرائق غابات الأمازون في أغسطس 2019 شاهدة على ذلك.

وها هي السيول تجتاح عددًا من مناطق العالم -نتيجة للفيضانات أو التسونامي أو تزايد هطول الأمطار على المرتفعات- فتهلك البشر بالغرق، ويتضاعف الخراب إذا صادفت في طريقها خزانًا للمواد البترولية -كيروسين أو بنزين أو غيرها- فتجرفه معها.

ما يؤدي إلى طفو المادة البترولية على سطح المياه، نظرًا لأن المادة البترولية أقل كثافة من الماء، فإذا صادفت تلك السيول مصدرًا للاشتعال تحولت إلى نهر من النيران يأكل جميع مظاهر الحياة.

قد يهمك أيضًا كيف ظهر الإطفاء وما هو تاريخ الدفاع المدني ؟

حدوث الحريق لأسباب تعود إلى فعل الإنسان

من المؤسف القول إن بعض البشر يتسببون في زيادة نسبة احتمالات وقوع الحريق إما عمدًا أو بالإهمال، وفي ما يلي استعراض لبعض أسباب الحرائق العمدية والحرائق بإهمال:

الحريق بسبب التخريب العمدي

يقصد بالتخريب العمدي نشوب الحرائق نتيجة لتعمد أحد المجرمين عديمي الانتماء إحداث الحريق بمكان معين، تنفيذًا لفكر وتدبير إجرامي هدام.

فقد يتمثل ذلك التفكير الإجرامي في إحراق شخص -عمدًا- سيارةً أو منزلًا لخلافات شخصية بينه وغيره.

وقد يتمثل التخريب العمدي في إشعال مجموعة من المخربين أو من الإرهابيين النيران في أحد الأماكن الخاصة أو العامة، أو تفجير عبوة ناسفة بين الآمنين الموجودين في أماكن التجمع المختلفة.

وقد يبلغ التخطيط الإجرامي مداه فيتحول إلى ما نشاهده على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الحديثة، من الحروب غير المبررة وغير محسوبة العواقب بين الدول، تلك التي تأكل نيرانها الآلاف بل والملايين من المدنيين الآمنين.

قد يهمك أيضًا حرائق الأمازون .. بهذه الطريقة سوف يدفع العالم ثمنا باهظا للعولمة

الحريق بسبب الإهمال

الإهمال سبب من أسباب نشوب الحرائق نتيجة لسلوك إنساني غير متعمد، لم تتخذ بشأنه الإجراءات المفترضة من الحيطة والحذر.

حقًا إن لكل منا درجة تركيز وحرص معينة يتميز بها عن الآخرين، غير أنه مهما كانت درجة الحرص بسيطة لدى بعض البشر، فيجب ألا تنحدر تلك الدرجة حتى تصل إلى الإهمال واللامبالاة التي تتسبب في إشعال الحرائق.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن الإهمال يحتل نسبة كبيرة جدًّا بين الأسباب المؤدية إلى نشوب الحرائق، وتتنوع مظاهر الإهمال لتشمل جميع نشاطات وأماكن وجود البشر، فإنه يمكن إجمال أهم مظاهر الإهمال المؤدية لنشوب الحرائق في ما يلي:

قد يهمك أيضًا أخطر 10 كوارث طبيعية حول العالم

التحميل الزائد على الأسلاك الكهربائية

وعدم مراعاة الأصول الفنية بشأن التركيبات الكهربائية المثبتة بالمكان، ما يؤدي إلى قصور في الدوائر الكهربية ينجم عنه الماس الكهربائي، كما في حالة استخدام المشتركات بطريقة خاطئة.

إذ يمنع منعًا باتًا توصيل الدفايات والسخانات الكهربائية وأجهزة الميكرويف وأجهزة كيِّ الملابس على تلك المشتركات، وإنما يجب توصيلها بمصدر الطاقة الكهربائية مباشرة، فضلًا عن حدوث شرر بسبب وجود أسلاك كهربائية مكشوفة، أو بسبب عدم إحكام اتصالها ببعضها بالقرب من مواد سهلة الاشتعال.

-استعمال مصادر منتجة للحرارة (دفاية- مكواة- سخان) دون اتخاذ إجراءات الوقاية منها، سواء في المنزل أو في العمل، بتركها بالقرب من الأقمشة والوسائد والأثاثات الخشبية القابلة للاشتعال.

-ترك المهملات أو الفضلات الملوثة بآثار المواد القابلة للاشتعال بالمطابخ أو بأماكن العمل، إذ قد تشتعل تلقائيًّا أو حال تعرضها لأي مصدر اشتعال.

-تدخين السجائر أو النارجيلة دون اتخاذ إجراءات الأمان الكافية مع عدم التخلص من مخلفاتها المشتعلة بطريقة آمنة.

-ترك الأطفال حديثي السن دون رقابة، ما يؤدي إلى اختفائهم عن الأعين مسببين عددًا من الكوارث التي يصعب تداركها.

-تشبع الأماكن المجهزة للتخزين بغازات أو أبخرة أو غبار المواد القابلة للاشتعال، مع سوء تهوية المكان.

-سوء تخزين الأدوات والأغراض والمواد القابلة للاشتعال، فضلًا عن وجود كميات كبيرة منها مخزنة عشوائيًّا بجانب مصادر الكهرباء والمصادر الحرارية.

-عدم وعي المسؤولين عن التخزين أو القائمين باستخدام المواد والتجهيزات بخواص المواد الموجودة بالمخازن، وباشتراطات استخدام الأجهزة في أماكن العمل.

تلك المظاهر تعد أمثلة لأنواع الإهمال تلك التي لا تخضع لحصر، والتي من الممكن أن تنشب بسببها الحرائق.

وهو ما يستوجب أن يعي كل منا في مجاله حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه نحو الآخرين، حتى يحمي نفسه ويحميهم من خطر الحريق، بتجنب مسبباته، تحقيقًا لحلم الحد من الحرائق.

كاتب وباحث حاصل على الدكتوراه في القانون متخصصص في دراسات ادارة الازمات والكوارث عملت كمحاضر قانون في العديد من الجامعات , اقوم بتدريس المواد القانونية وعلوم ادراة الازمات والكوارث فضلا عن كتابة المقالات الدينية والادبية .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 3, 2023, 7:51 م - عبدالحليم عبدالرحمن
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 15, 2023, 7:11 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
نوفمبر 14, 2023, 3:45 م - أحمد محمد فودة
نوفمبر 11, 2023, 8:03 ص - نضال الغفاري فضل السيد
نوفمبر 11, 2023, 7:23 ص - جوَّك علوم
نوفمبر 8, 2023, 11:41 ص - جوَّك لايف ستايل
أكتوبر 29, 2023, 7:48 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 23, 2023, 11:35 ص - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 13, 2023, 12:13 م - ريم محمد الأحمد
أكتوبر 10, 2023, 7:02 ص - د. عبدالله خياره
أكتوبر 8, 2023, 5:53 ص - اسامه غندور جريس منصور
أكتوبر 8, 2023, 5:15 ص - اسامه غندور جريس منصور
أكتوبر 5, 2023, 11:31 ص - هشام طه محمود سليم
أكتوبر 1, 2023, 9:42 ص - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
سبتمبر 30, 2023, 4:17 م - شيماء دربالي
سبتمبر 25, 2023, 6:34 م - فاطمة علي عبدالله الزهراني
سبتمبر 24, 2023, 8:27 م - أ. د. محمود سطوحي
سبتمبر 20, 2023, 7:52 م - الزراعة و الأعمال...
سبتمبر 20, 2023, 12:56 م - مجانة يمينة
سبتمبر 20, 2023, 12:45 م - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 6, 2023, 6:51 م - عبد الله أحمد السَّكبي
أغسطس 31, 2023, 6:14 م - سارة كمال سماني
أغسطس 30, 2023, 7:04 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 26, 2023, 5:15 م - لؤي نور الدين الرباط
أغسطس 25, 2023, 12:12 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
أغسطس 17, 2023, 5:55 م - وائل عبد الجليل صالح محمد الدبيلي
أغسطس 15, 2023, 3:09 م - محمد أمين العجيلي
أغسطس 12, 2023, 6:55 م - رضوان عبدالله سعد الصغير
أغسطس 9, 2023, 5:34 م - محمد أمين العجيلي
أغسطس 7, 2023, 8:01 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 5, 2023, 8:39 م - فاطمة عبدالله عبدالنبي علي
أغسطس 5, 2023, 2:50 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 5, 2023, 2:48 م - جود معاذ الرفاعي
يوليو 29, 2023, 9:19 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 27, 2023, 6:48 م - رانيا رياض مشوح
يوليو 26, 2023, 8:19 ص - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 25, 2023, 12:41 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 24, 2023, 8:20 م - محمد أمين العجيلي
نبذة عن الكاتب

كاتب وباحث حاصل على الدكتوراه في القانون متخصصص في دراسات ادارة الازمات والكوارث عملت كمحاضر قانون في العديد من الجامعات , اقوم بتدريس المواد القانونية وعلوم ادراة الازمات والكوارث فضلا عن كتابة المقالات الدينية والادبية .