الوجه المظلم للسينما.. خوارزميات وول ستريت تقتل الإبداع

في زمنٍ تُقاس فيه قيمة الفيلم بنسبة مشاهداته خلال أول 72 ساعة، ويصبح التمسك بروح الفن عملاً شبه ثوري، هناك في قلاع وول ستريت الشاهقة تُحاك صفقات بمليارات الدولارات في غرف معزولة عن ضجيج العالم، ويجري تحويل الفن السينمائي إلى سلعة مجردة من الروح. إنها ليست مؤامرة خيالية، بل واقع مظلم نعيشه في عام 2025، حيث تتحول الأستوديوهات العريقة إلى مجرد أرقام في دفاتر محاسبة صناديق التحوط. هنا، في هذا العالم الموازي، لم تعد الأفلام تُصنع لإثارة المشاعر أو طرح الأسئلة، بل لتحقيق نسب محددة من العائد على الاستثمار خلال أرباع مالية ضيقة.

كيف تؤثر الخوارزميات على قرارات إنتاج الأفلام؟

الأمر بدأ بسيطًا بشراء بعض صناديق الاستثمار لحصص صغيرة في شركات إنتاج، لكنه تحول إلى إعصار ابتلع كل شيء في طريقه. اليوم، توجد خوارزميات متطورة تحدد بالضبط ما نوع الأفلام التي يجب إنتاجها، بأي ممثلين، وبأي ميزانية لتحقيق أعلى ربح ممكن. العجيب أن هذه الحسابات الرياضية الباردة أثبتت دقتها المروعة، محوِّلة السينما إلى ما يشبه خط إنتاج السيارات أو المشروبات الغازية.

توجد خوارزميات متطورة تحدد نوع الأفلام التي يجب إنتاجها وبأي ممثلين والميزانية لتحقيق أعلى ربح

من التكملات والإعادة إلى الأفلام المبنية على العلامات التجارية

في قلب هذه الكارثة الفنية تقف أرقام صادمة: 87% من الأفلام التي تنتجها هذه الشركات هي إما تكملات أو إعادة إنتاج أو أعمال مبنية على علامات تجارية معروفة مسبقًا. حتى إن بعضها يُصنع بناء على تحليل بيانات بحث Google لمعرفة ما يبحث عنه الجمهور في لحظة معينة. مخرج عريق حاول التمرد على هذا النظام فوجد نفسه عاطلًا من العمل بعد فيلمين «غير مربحين بما يكفي»، في حين تلقى مخرج شاب لم يكمل الثلاثين من عمره عقدًا لصنع خمسة أفلام متتالية لأن أسلوبه الرياضي في الإنتاج يحقق أرباحًا ثابتة.

ما وراء الكواليس.. الذكاء الاصطناعي يستولي على الأداء

لكن القصة الأكثر إثارة تكمن في الزوايا المظلمة لهذا النظام، توجد وثائق مسربة تكشف عن كيف أن بعض هذه الشركات تستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لاستبدال الممثلين في مرحلة ما بعد الإنتاج إذا ما تجاوزوا ساعات العمل المحددة في عقودهم. حتى إن هناك حالات تم فيها تعديل أداء الممثلين رقميًّا لجعله «أكثر جاذبية للجمهور المستهدف» حسب تحليلات البيانات.

التأثير النفسي للجمهور.. التعب السينمائي والحنين إلى المفاجأة

الأكثر إثارة هو كيف أثر هذا النظام في الجمهور نفسه، أظهرت دراسات حديثة أن المشاهدين أصبحوا يعانون ما يسمى «التعب السينمائي»، فيشعرون بأنهم يشاهدون الفيلم نفسه مرارًا وتكرارًا. بعض علماء النفس يتحدثون عن ظاهرة «الحنين إلى المفاجأة»، فيتوق الناس لأيام كانوا يذهبون إلى السينما دون أن يعرفوا بالضبط ماذا سيشاهدون.

يتحدث علماء النفس عن ظاهرة «الحنين إلى المفاجأة» فيتوق الناس لأيام كانوا يذهبون إلى السينما

النصيحة الذهبية.. ابحث عن الجواهر المخفية

النصيحة الذهبية في هذا الزمن الصعب: ابحث عن الجواهر المخفية، توجد أفلام رائعة ما زالت تُصنع في ظل هذا النظام، لكنها تحتاج إلى من يكتشفها، تعلَّم كيف تميِّز بين ما يُروج له بقوة وما يستحق المشاهدة حقًا. وتذكَّر أن كل نظام مهيمن في التاريخ كان يبدو لا يقهر، حتى سقط فجأة عندما سئم الناس منه.

المقاومة والتحديات حين ينقلب النظام ضد نفسه

العجيب أن بعض هذه الشركات بدأت تكتشف بنفسها حدود هذا النموذج. بعد أن انخفضت أرباح أحد الأفلام المنتجة بموجب هذه الخوارزميات على نحو غير متوقع، اكتشفوا أن الجمهور بدأ يطور «مناعة» ضد هذه الصيغ الرياضية. حتى إن بعض المحللين يتحدثون الآن عن «ضرورة العنصر البشري» في صناعة الأفلام، بعد أن أصبحت الأرباح تنخفض على الرغْم تطبيق كل المعادلات المثالية.

المشاعر الإنسانية الثغرة التي لا تغلقها الخوارزميات

في النهاية، هذه المعركة تطرح سؤالًا وجوديًا: هل الفن مجرد سلعة كأي سلعة أخرى؟ أم أن القيمة الإنسانية لا يمكن قياسها بأرقام؟ الإجابة قد تكمن في تلك اللحظة السحرية عندما يجلس إنسان أمام شاشة سينما ويشعر أن الفيلم يتحدث إليه وحده، عن أسرار لا تعرفها حتى الخوارزميات الأكثر تطورًا. في عالم تحكمه الأرقام، تبقى المشاعر الإنسانية هي الثغرة التي لا يمكن سدها. فهل يمكن للفن أن يستعيد روحه في عالم تحكمه الأرقام؟

على الرغم سيطرة الخوارزميات والأرباح؛ هل تبقى السينما الحقيقية تلك التي تلامس الروح. وبين حسابات السوق وتوق الإنسان للمفاجأة، يُطرح السؤال الأهم: هل ما زال هناك مكان للفن في عالم تحكمه الأرقام؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة