الواقع الافتراضي... ما هو؟ وإلى أين؟

الواقع الافتراضي virtual reality (VR)

"إن الافتراضي المعرّف تعريفاً دقيقاً لا يمتّ إلا بصلة ضعيفة إلى الزائف أو الوهمي أو الخيالي. ليس الافتراضي ضد الواقعي أبداً. إنه على النقيض من ذلك، نمط وجود خصب وقوي يثري عمليات الإبداع ويفتح آفاق المستقبل، ويحتفر آباراً من المعاني تحت سطحية الوجود الفيزيائي الآني".

بيير ليفي: من كتاب (عالمنا الافتراضي... ما هو؟ ما علاقته بالواقع؟)

مع إعلان شركة الفيس بوك تغيَّر اسمها إلى (ميتافيرس metaverse) أو ما يُمكن ترجمته بـ (ما وراء الكون)، وما تم كشفه بخصوص تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزز وكيفية تحويله إلى أكبر مشروع للخيال العلمي في شركات التكنولوجيا، تساءل الكثيرون عن ماهية هذا الواقع الافتراضي.

سنحاول هنا تقديم بعض المعلومات المبسطة عن هذا الواقع.

تعريف الواقع الافتراضي:

من الوهلة الأولى يمكننا استنتاج أنه واقع غير حقيقي غير موجود إلا افتراضًا.

ولكن هل هو فعلًا كذلك؟

وفقًا لمؤسسة (جارتنر Gartner) -أحد أكبر شركات الأبحاث والاستشارات العالمية لتقديم المعلومات والمشورة للقادة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتمويل والموارد البشرية -فإنها تقوم بتعريف الواقع الافتراضي كما يأتي:

الواقع الافتراضي يمدّنا ببيئة حاسوبية ثلاثية الأبعاد (تشمل كلا من الرسومات والصور الرقمية، ومعها ملفات الفيديو والمصورة بتقنية 360 درجة) تحيط بالمستخدم وتستجيب مع ردود أفعاله الشخصية بطريقة طبيعية عادة من خلال وسائل عرض تثبت في الرأس، مع كاشفات للحركة أو متحكمات تلبس في اليد لمتابعة حركتها، أو حركة الجسم، أو عن طريق اللمس؛ لخلق تجربة تشاركية ثلاثية الأبعاد أثناء الحركة في مساحة واسعة لمستخدم واحد أو أكثر.

الفكرة الفلسفية:

يعزو البعض الفكرة الفلسفية للواقع الافتراضي إلى أفلاطون في أمثولة الكهف، حيث يرى إن الإنسان سجين في كهف الحياة اليومية حيث يخلط بين الصور الزائفة والظلال وبين الواقع المعاش فعلًا ومرورًا بنتشة، الَّذي يرى أن العالم الحقيقي فكرة عديمة الفائدة وغير ضرورية حتَّى نصل إلى الفيلسوف الفرنسي (بول فيرليو Paul Virilio: 1932-2018)، والَّذي يرى أن عصرنا الحالي يتميَّز بالسرعة وثورة الاتصالات أدى إلى وجود واقع جديد للتواصل بين البشر

النشأة:

يبدأ تاريخ هذه التقنية فعليًا في أواخر الستينات من القرن العشرين، بحيث بدأ (مايرون كروجر Myron Krueger) -الملقب بأبي الواقعية الافتراضية- في اختراع أنواع من البيئة الافتراضية الَّتي يتحرك فيها المستخدم، تحت مبدأ (تعال كما أنت) comes as you are.

وإن كان البعض يعزو النشأة إلى بدايات القرن العشرين من خلال روايات الخيال العلمي ثم الأفلام وخصوصًا ما قام به السينمائي (مورتون هيليج Morton Heilig) في منتصف الخمسينات من القرن العشرين، والَّذي أنتج مجموعة من الأفلام التفاعلية الغامرة المخصصة للعرض على جهاز يدعى (سينسوراما Sensorama).

التطور والاستخدام:

دائمًا ما يأتي التطور في المرتبة الأولى من خلال الاستخدام العسكري، والَّذي احتاج إلى تقنيات الواقع الافتراضي لخلق بيئة قريبة الشبه باستخدام مقلدات الطائرات، ومركبات الفضاء، والغواصات، والدبابات، وحتَّى المركبات المتطورة والقطارات وأسلحة الرمي المختلفة تكون أقل خطورة في مراحل التدريب المبكرة.

ثم ما يلبث بعد ذلك أن يلحق بالاستخدام العسكري الاستخدام الطبي والتعليمي وهو ما لا يتسع المجال هنا لشرحه.

على أن الجانب الأكبر للاستخدام على نطاقه الواسع للأفراد العاديين دائمًا ما يأتي من خلال الألعاب أو الجانب الترفيهي بمعنى أدق، والَّتي أخذت في بدايتها أشكال (المحاكيات- (sims والَّتي يتقمص فيه اللاعب أدوار لا يعيشها في الواقع وذلك من خلال وجهة نظر اللاعب الثاني (أي المشاهد للاعب) الَّذي يراقب اللعب ويلعب من الخارج، ثم تطورت إلى وجهة نظر اللاعب الأول (الَّذي يقوم باللعب من الداخل) ليرى ما يراه اللاعب داخل اللعبة، وأحيانًا تكون المشاهدة من وجهة نظر اللاعب الثالث الَّذي يرافق اللاعب الأصلي داخل اللعبة، ويكون مشابها لدور الكاميرا المراقبة والمصاحبة للاعب وترافقه أثناء الحركة وإن كان اللعب بهذه الطريقة يتصف بالصعوبة الشديدة.

ويُمكن التعرُّف أكثر على فكرة نظرية اللاعب الأول في أوجها كما جاء في الفيلم المعروف باسم (استعد أيها اللاعب الأول Ready Player One)، والَّتي يتم استخدام الأدوات المتطورة والَّتي تخلق العالم الحقيقي أو عفوا (العالم الافتراضي).

طرائف عن الواقع الافتراضي:

لا شكَّ يا قارئي العزيز أنك قد سمعت عن (البيتكوين Bitcoin) وهي العملة الرقمية الأولى عن المستوى العالم وتساوي قيمتها ما يقارب الـ 63 ألف دولار حاليا، وهي أحد نتاجات هذا الواقع.

ولكن هل سمعت عن لعبة تسمى (الحياة الثانية 2Nd life) تباع فيها قطعة الأرض مساحة 256 * 256 م بما يوازي 600 دولار؟

وهل سمعت أيها العزيز أن هناك مدينة افتراضية تعادل مساحتها مساحة واشنطن تسمى (جينسيس Genesis) تشبه لعبة تدعى (سيم سيتي sim city) قطعة أرض فيها بمساحة 102 متر مربع تبلغ قيمتها 200 ألف دولار، ويقام بها مزادات للبيع وما لا يتسع المجال لذكره؟

هل سمعت يا صديقي العزيز عن عمل فني افتراضي غير موجود وصلت قيمته لـ 69 مليون دولار، وقد اشتراه كيان استثماري يسمى (ميتاكوفون) موجود بسنغافورة.

وأظنك أيضًا لم تسمع يا عزيزي أن مغني الراب الأمريكي (ترافيس سكوت Travis Scott) أقام 5 حفلات موسيقية على الهواء مباشرة من خلال الانترنت ضمن اللعبة الشهيرة والمعروفة بـ (فورتنايتت Fortnite) وقد بلغ عدد الحاضرين لهذه الحفلات ما يقارب 27.7 مليون (نعم مليون) شخصٍ؟

أكتفي بهذا القدر، والَّذي هو غيض من فيض كما يقال، ولكنه يكفي لتتخيَّل مدى عمق وتغلغل هذا الواقع الافتراضي في عالمنا الواقعي.

الواقع الافتراضي المآل والمصير:

لكي نفهم ما هو المتوقع حدوثه مع هذا العالم الجديد، لا يمكننا الفصل بين الواقع الافتراضي وما يعرف بـ (الواقع المعزز Augmented Reality)، ودون الدخول في تفاصيله والَّتي تحتاج إلى مقال آخر بذاتها فببساطة إذا كان الواقع الافتراضي هو أن تجلب الناس إلى دنيا الخيال، فإن الواقع المعزز هو أن تجلب الخيال إلى دنيا الناس، ويمكنني أن أضرب لك مثالاً بسيطًا:

يُمكنني شراء بعض الملابس من أي متجر إلكتروني ولكن لا يمكنني أبدا تجربتها، وتحديد هل هي ملائمة أم لا! ولكن باستخدام تكنولوجيا الواقع المعزز يمكنني القيام بجلبها وتجربتها فعلاً في عالمي الواقعي.

ما رأيك إذن حين يختلط العالمين؟ وماذا لو أضفنا هنا البعد الاجتماعي؟

ماذا لو قام مارك زوكربيرغ أو غيره بدمج هذين الواقعين من خلال الفيسبوك أو الميتافرس؟

تخيّل ماذا ستكون النتيجة، وكيف ستلتقي بأصدقائك وكيف ستكون حياتك.

وتخيّل إذا أضفنا عنصر الذكاء الاصطناعي لتكتشف فيما بعد أن صديقك، الَّذي تعايشه وتشاركه حياتك الافتراضية ما هو إلا شخص وهمي نتاج الفيسبوك-ميتافيرس كما جاء في فيلم 2021م، تحت اسم (الرجل الحر Free Guy).

وأخيرًا في هذا الواقع الافتراضي المنتظر أنت لا تستطيع أن تدخله إلا من خلال الانترنت، وبالطبع أيضًا فقط من خلال أجهزة إلكترونية مستحدثة –روابطك الاجتماعية، تعاملاتك المالية، علاقاتك الشخصية مربوطة بهذا الخيط الواهي المرهون بقوة الاتصال وكفاءة الأجهزة شئت أم أبيت ودون رقيب أو حسيب.

صديقي إذا لم تكن قادرًا على الولوج إلى هذا العالم فتعال بجانبي نترنم سويًا على ضفاف النيل بشعر أحمد رامي، وعلى أنغام محمد عبد الوهاب، والصوت الرخيم لليلى مراد، يقول لنا (حيران في دنيا الخيال -محروم من الذكريات –لا عندي فيها أمل –ولا بناجي اللي فات).

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب