السكان الأصليون لأمريكا.. تاريخ الهنود الحمر الشعب الذي فقد أرضه

كثيرًا ما يتردد مصطلح «الهنود الحمر» لوصف السكان الأصليين لقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، لكن وراء هذه التسمية الشائعة تكمن قصة عميقة ومؤثرة، غالبًا ما تبقى طي الكتمان. فلماذا أُطلق عليهم هذا الاسم تحديدًا؟ وما هي الحقائق التاريخية والإنسانية التي تمثل رحلة هؤلاء الشعوب عبر آلاف السنين؟ قبل وصول المستعمرين الأوروبيين، كانت هذه الأراضي مهدًا لحضارات متنوعة وغنية، ذات تاريخ يمتد أكثر من 15 ألف عام.

في هذا المقال، ننطلق في رحلة استكشافية شاملة، نكشف خلالها الغموض المحيط بتسمية "الهنود الحمر"، ونستعرض القصة الكاملة للسكان الأصليين لأمريكا، مُلقين الضوء على أصولهم العريقة، وتنوعهم الثقافي، والأحداث المأساوية التي أدت إلى فقدانهم لأرضهم وهويتهم، وصولًا إلى واقعهم المعاصر وتحدياتهم الإنسانية.

تاريخ الهنود الحمر والهجرة من سيبيريا

يعود تاريخ الهنود الحمر إلى أكثر من 15 ألف عام، عندما هاجرت جماعات متتالية من منطقة جنوب سيبيريا إلى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، حيث لم يكن الإنسان الأوروبي قد اكتشف هذه المنطقة من الكرة الأرضية، ثم إن عددًا من الدراسات التي أجريت على الحمض النووي قد أشارت إلى أن جماعات الهنود الحمر قد جاءت إلى أمريكا على أوقات تاريخية مختلفة، إضافة إلى الدراسات الحديثة التي أكدت أن هذه الجماعات جاءت من مناطق مختلفة، وليست فقط من جنوب سيبيريا.

يعود تاريخ الهنود الحمر إلى أكثر من 15 ألف عام عندما هاجروا من جنوب سيبيريا إلى الأمريكتين

تنوع لغات وديانات الهنود الحمر قبل الاستعمار الأوروبي

قبل أن يأتي الإنسان الأوروبي إلى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، كانت قبائل الهنود الحمر أو السكان الأصليون ينتشرون في الأميركتين ويتكلمون عددًا من اللغات، إذ كان لكل قبيلة أو جماعة لغة خاصة بها، وهو ما وصل بعدد اللغات المعروفة للسكان الأصليين إلى أكثر من 150 لغة محلية.

ولعلَّ أشهرها لغة «نافاجو» التي يصل عدد المتحدثين بها الآن إلى أكثر من 160 ألف نسمة، وكذلك لغة «يوبيك» التي كانت تنتشر أيضًا في قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، ويتحدث بها الآن نحو 19 ألف نسمة، وأيضًا لغة «داكوتا» وعدد متحدثيها قد يصل إلى نحو 17 ألف شخص.

أما عن أوضاع الهنود الحمر الآن في الولايات المتحدة، فمعظمهم يتحدث اللغة الإنجليزية، في حين يتحدث سكان أمريكا الجنوبية اللغتين البرتغالية والإسبانية، على الرغم من وجود عدد من لغات الهنود الحمر بين مجموعة من السكان الأصليين، مثل لغة «الكيشوا» التي يتحدث بها عدد كبير من سكان بيرو والإكوادور، كما توجد في كولومبيا وفنزويلا لغة «الواييويه».

وعلى مستوى العبادات والأديان، فقد أشارت البحوث والاكتشافات الأثرية إلى أن قبائل السكان الأصليين في الأمريكيتين كانوا وثنيين، حيث عبدت بعض القبائل الأصنام، في حين عبدت قبائل أخرى الأرواح والنجوم. ولم يتعرف السكان في قارتي أمريكا على الديانات السماوية إلا بعد قدوم الإنسان الأوروبي الذي نقل الديانة المسيحية، وبذلك فإن معظم الهنود الحمر الموجودين الآن يدينون بالديانة المسيحية.

لماذا سُمي السكان الأصليون "الهنود الحمر"؟ كريستوفر كولومبوس

بلا شك، لم يكن اسمهم الهنود الحمر، وإنما تعود هذه التسمية إلى الرحلة التي أجراها المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس عام 1492، حينما أبحر من إسبانيا متجهًا إلى الهند، وعندما ضل طريقه في البحر، وصل إلى يابسة جديدة، وشاهد سكانًا يميل لونهم إلى الحمرة، فأطلق عليهم هذا الاسم الذي التصق بهم بعد ذلك.

تعود تسمية الهنود الحمر إلى الرحلة التي أجراها المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس عام 1492

اكتشاف العالم الجديد وبداية مأساة الهنود الحمر

ولم يكتفِ كولومبوس باكتشاف السكان الأصليين في أمريكا الوسطى، وإنما أرسل عددًا من الرسائل إلى أوروبا من أجل احتلال هذه الأرض واستخدام سكانها عبيدًا وخدمًا، وهو ما جعل الرحلات الاستكشافية تتوالى على أراضي أمريكا الشمالية والجنوبية.

ويوجد عدد من الكتب والمذكرات التي كُتبت عن الهنود الحمر من قبل أوروبيين ومستكشفين في بداية القرن السادس عشر، ووصفتهم بأنهم «غير متحضرين ويصلون إلى درجة الوحشية التي تجعلهم يأكلون أبناءهم وزوجاتهم»، وهي أمور غير منطقية، لكنها كانت مبررًا لما حدث بعد ذلك من إبادة جماعية اُرْتُكِبَت ضد السكان الأصليين أو الهنود الحمر، من أجل الاستيلاء على خيراتهم وأرضهم وسحق هويتهم بلا رحمة.

كيف بدأت الحرب على الهنود الحمر؟ الاستعمار الأوروبي ونهب الأرض

وجدت بعض دول أوروبا في الأرض الجديدة كنزًا هائلًا لا يمكن تفويته، فبدأت رحلات استغلال الموارد، واستعباد السكان، وتهجير الهنود الحمر من المناطق التي تحتوي الموارد والخيرات والأراضي الزراعية الخصبة. وعلى رأس هذه الدول كانت البرتغال وإسبانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا، إذ تقاسمت الدول الأوروبية الكنز الكبير، وأقامت عدة دول مستعمرات في الأرض الجديدة من أجل استنزاف الخيرات على حساب الهنود الحمر.

سيطرة الأوروبيين على أمريكا واستغلال مواردها

سيطرت البرتغال وإسبانيا على نحو خاص على أمريكا الجنوبية، وأسست الدولتان عددًا من المراكز التجارية من أجل استخراج الكنوز، واستغلال الموارد، وفرض الضرائب على الهنود الحمر، إضافة إلى الخيرات الأخرى التي حصلت عليها الدولتان من أمريكا الشمالية.

سيطرت البرتغال وإسبانيا خاصة على أمريكا الجنوبية وأسستا عددًا من المراكز التجارية لاستخراج الكنوز

وتدفق الأوروبيون إلى الأرض الجديدة بأعداد كبيرة من أجل الحصول على الموارد والأراضي بغير وجه حق، وقد ساندتهم وساعدتهم الدول الكبرى عن طريق حملات الإبادة والتهجير والقتل الجماعي، إضافة إلى توفير الحماية للمهاجرين.

بداية الاستعمار الأوروبي وإبادة الهنود الحمر

على الرغم من أن قبائل الهنود الحمر خاضت كفاحًا طويلًا ضد الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، فإن الأوروبيين تعاملوا معهم بمنتهى الهمجية وبدون رحمة، إذ نفذت الحكومات الأميركية المتتابعة عددًا من الحملات التي كانت تبغي إبادة السكان الأصليين، وتدمير مزارعهم، وتهجيرهم من المناطق التي تتوافر بها الموارد الطبيعية والخصوبة، ودفعهم إلى مناطق لا تصلح أبدًا للعيش.

عهد أندرو جاكسون ومذابح الهنود الحمر.. صفحات سوداء في التاريخ الأمريكي

ولعلَّ أسوأ مرحلة مرت بها جماعات الهنود الحمر هي عهد الرئيس «أندرو جاكسون» منذ عام 1829 إلى عام 1839، ويشهد التاريخ على عدد من المذابح التي ارتكبها الجيش الأميركي في حق الهنود الحمر، ومنها على سبيل المثال مذبحة «الركبة الجريحة» عام 1890، إذ قتل الجنود الأميركيون عددًا كبيرًا من المدنيين العزل، من بينهم مئات الأطفال والنساء، وهو ما ساعد الحكومة الأميركية في السيطرة على الأراضي والقضاء على مقاومة جماعات الهنود الحمر.

كانت أسوأ مرحلة مرت بها جماعات الهنود الحمر هي عهد الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون 1829 - 1839

أوضاع الهنود الحمر حاليًّا.. فقر وتهميش وحرمان من الخدمات

ووفقًا للأوضاع الحالية للهنود الحمر، فيُعَامَلُون معاملة الأمم المحلية التي تتبع الدولة بحكم فيدرالي، وتتمتع بسيادة محدودة على المناطق التي تعيش فيها، لكنها لا تتمتع بكامل الاستقلال، إذ توجد في أميركا كيانات قبلية عدة تحتفظ كل منها بقوانينها وشكل الإدارة الذاتية الخاص بها، لكن معظم هذه الجماعات تعيش في مناطق منعزلة دون خدمات أساسية، رغبة في عدم الاندماج مع المجتمعات الأميركية.

وقد أفادت بعض التقارير التي أعلنها «الكونغرس الوطني الأميركي للهنود» بأن معظم مساكن الهنود الحمر لا تحتوي خدمات الهاتف ولا شبكات الصرف الصحي، ثم إن نسبة البطالة تزيد على 30%، وكذلك الوضع الصحي فهو سيئ جدًّا، حيث تنتشر الأمراض التي تفتك بالسكان، حتى إن متوسط العمر للهنود الحمر قد أصبح أقل بكثير من باقي الأميركيين.

أعداد الهنود الحمر وتوزيعهم الجغرافي في أمريكا الشمالية والجنوبية

أما عن أعداد الهنود الحمر الموجودين حاليًّا، فهم يقاربون 90 مليون نسمة في قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، ويوجد في الولايات المتحدة وحدها نحو ستة ملايين نسمة، ينتشر معظمهم في المدن الأمريكية، في حين تعيش الأقلية في تجمعات خاصة في المناطق الجبلية والصحراوية، ويمثل الهنود الحمر نحو 2% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية.

وتضم كندا أكثر من مليون ونصف نسمة من الهنود الحمر، في حين تضم المكسيك أكثر من عشرة ملايين نسمة، وفي أمريكا الجنوبية ينتشر الهنود الحمر في دول بيرو وبوليفيا وغواتيمالا والإكوادور، في حين توجد أقلية من قبائل الهنود الحمر في البرازيل والأرجنتين وتشيلي وفنزويلا.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في تاريخ الهنود الحمر أو السكان الأصليين لقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة