لا أحد باستطاعته وضع قدح مملوء بالماء على سقف سيارته والمسير عدة أمتار في شوارع بغداد دون أن يتدحرج القدح قبل أن ينسكب الماء منه، إن تدحرج القدح إنما يحصل بسبب الهزّة الحاصلة جرّاء حركة السيارة في شوارع تتخللها الحفر والمطبات والخسف.
حفر ومطبات في أزقة داخلية وأخرى على الطرق الخارجية ومن المستحيل أن تسير من محافظة إلى أخرى دون أن تسقط في مطبين أو ثلاثة رغم المناورات بالسيارة يميناً ويساراً في محاولة تجنب السقوط في عدد من الحفر وسط الشارع أو على جانبه الأيمن أو الأيسر.
عملية الهزة تصب في مصلحة المواطن أم الدولة!
شوارع تشكو الإهمال في الصيانة والمتابعة والتحديث، حتى الفساد غزا الشوارع فالكثير مما يعبّد حديثاً يتخسف بعد أشهر معدودة، فساد لا يمكن كتمانه فالشارع يتحدث بالإشارة ويهزّك وسيارتك مصرحاً بحالة الفساد فلنتابع.
جهاز الهزاز في مديرية المرور العامة الذي أطل علينا بتولي مسؤولية فحص السيارة والتأكد من متانتها بعملية تسمى الهزة مقابل دفع رسوم تساوي 30 ألف دينار، وأنا أشاهد وأسمع الناس تجاهر بالتذمر من الشوارع المهلهلة المحفرة المدمرة المتنمرة التي تهاجمنا من تحت إطارات المركبات، مداخل بغداد يمكنها أن تفكك أفضل سيارة في غضون خمسة دقائق.
تموت الناس يومياً بحوادث الطرق بين المحافظات، والشوارع المتهالكة من أكبر الأسباب لذلك، والشوارع الداخلية للعاصمة بغداد والمحافظات وغيرها لم تشم رائحة التبليط منذ أكثر من 19 عاماً باستثناء ترقيعات هنا وهناك لا تغني من جوع ولا تسمن من هزالة، الكهرباء شبه معطلة في البلاد من 19 سنة رغم صرف مليارات الدولارات.
وأصحاب المولدات يبتزون المواطن بمبالغ خرافية حتى الكهرباء الوطنية ترقص من خلال ارتفاع تيارها وانخفاضه حتى ينطفئ كل خمس أو عشر دقائق ثم يعود، ضمن حصة الساعة أو الساعتين للمنطقة ليخرب جهازاً أو جهازين من الأجهزة الكهربائية المنزلية بين الحين والحين، نظام المرور بواسطة الإشارات الضوئية معطل منذ 19 عاماً لعدم وجود كهرباء مستقرة، وفي وسط هذا التهالك وسوء الخدمات تفاجئنا المرور العامة بفحص الهزة.
ستجد أيضًا على منصة جوك معالم تاريخية من مدينة بغداد (الجزء الأول)
نحن نخضع للهزة كل يوم عشرات المرات، إذ تهتز بنا السيارة بفعل الحفر كلما قدنا السيارة لقضاء حاجة، وتهزنا الكهرباء بين انقطاعات الوطنية والمولدات، وللمواطن حقوق وعليه واجبات كما للدولة حقوق وعليها واجبات.
مطب محترف في مقدمة جسر حطم صدر سيارتي السوناتا، وفجر الإطار، وضعضع السيارة ليس بسبب سرعة السيارة، فالسيارة تسير ضمن المعدل المطلوب، ولكن بسبب أن هذا المطب محكم ومخفي ومحترف وطوله حوالي مترين.
الفرق بين نظام المرور المتببع في الدول العربية والدول الأجنبية
نعم نحن نهتز بسياراتنا كل يوم نسير بها في شوارعنا الداخلية والخارجية مرات ومرات، ولا تسأل عن حالنا عندما ننقل مريضاً أجرى عملية جراحية أو امرأة حاملاً إذ ربما تفقد جنينها بفعل حفرة غير متوقعة، والسؤال أين تذهب مليارات الدنانير المتحصلة نتيجة ما هو مفروض على السيارات من رسوم وغرامات؟
أحد مميزات نظام الهزة حسب تصريح المرور العامة أنه متبع في الدول الأجنبية، بفضل اللَّه زرت أكثر من 20 دولة أجنبية صدقوني لم أشاهد شوارع كشوارع بلادي، ولم أشعر أني أسير بمركبة فوق شارع، وإنما اشعر أني جالس بطائرة محلقة حيث لا حفرة ولا مطب، والإشارات المرورية تزين أرصفة وسماء الشوارع حيث تشعر بمتعة السواقة.
وفي الخارج نظام الإشارات الضوئية يعمل ليلاً ونهاراً، لماذا لا نقتبس الجيد مما تتميز به أنظمة المرور في أوروبا من شوارع مبلطة، وإشارات ضوئية تعمل 24 ساعة، ومراقبة بأجهزة الرادار وغير ذلك الكثير؟
إن فحص مليون سيارة يوفر 30 مليار دينار، ناهيك عن رسوم تجديد السنويات وإجازات السوق والغرامات التي ينوء تحت ثاقلها كاهل المواطن، إذ رفع بعضها المشرع في قانون المرور الجديد إلى 200 ألف دينار للمخالفة الواحدة، تتضاعف إلى 400 ألف دينار إذا لم تدفع خلال مدة شهر، ماذا تركنا لمئات الآلاف من سواقي الأجرة من كسب يسد لقمة عيشهم وعوائلهم.
وكل يوم ندهسهم من ناحية؛ فنسبة البطالة عالية، ومجالات العمل الحر محدودة، وفرص التسابق في الحصول على الرزق محدودة وسط شوارع اتشحت باللون الأصفر لكثرة سيارات الأجرة، والتساؤل: أين تذهب كل هذه الأموال؟ ولماذا لا تبلط بها الشوارع وتؤسس أم انها مشكلة مستعصية كمشكلة الكهرباء؟
وما فائدة الهزة إذا كنت تخرج بسيارة لا تعاني من مشكلة ويمسكك مطب في الطريق أو تسقط في حفرة فتهتز السيارة بقوة 5 أو 6 على مقياس ريختر، وتفقد متانتها ومع ذلك لا يمكن لأحد أن يقود سيارة فيها خلل في شروط المتانة لأن ثمن ذلك يكلفه حياته.
أأمل أن يكون تطبيق الهزة مشروط بتعبيد الطرق، وتأثيث الشوارع، ونصب الإشارات الضوئية والعمل بنظامها أو جعلها خدمة مدفوعة الثمن ضمن رسوم تسجيل المركبات وتجديد السنويات، فحياة الموطن ورفاهيته مسؤولية الدولة، وكفاءة تلك الخدمات مرهونة بتقديم الجيد منها للحفاظ على حياة المواطن، وليس من أجل المزيد من جباية الأموال.
وليعلم من يخطط لزيادة موارد الدولة أن تلك الموارد تتنامى وتتضاعف بالاستثمار، وإنشاء المعامل والمصانع، وتنشيط الزراعة والصناعة والصحة، وليس باستثمار جيوب المواطنين التي تخلو من رائحة النفط ولا تشبع أصحابها، ومن اللَّه التوفيق.
ستجد أيضًا على منصة جوك كلية الطب / الجامعة المستنصرية / جمهورية العراق - بغداد
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.