جاءت القصة الرابعة بالمجموعة القصصية «حراس البيادر» للكاتب الفلسطيني د. بسام الحاج، بعنوان «دينة أبو أحمد» (ص27-30)، والكتاب صادر عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 2019، وتدور القصة بين بطلين رئيسن، هما «صليّح» الفلاح الفقير الذي يزرع الطماطم بإحدى القرى الفلسطينية، والمديون بملبغ بسيط جدًّا هو 100 ليرة إلى «أبو أحمد» البقال.
الذي اشتكاه في المحكمة، ورغم علمه بموعد جلسة المحاكمة فإنه لم يحضر، وحُكِم عليه بالحبس غيابيًّا، وبعد أسبوعين من مطاردة الشرطة له، إذ كان يختبئ طوال النهار حتى بعد غروب الشمس في أرضه، ويختبئ ليلًا في الطابون، وعندما تسأل الشرطة عنه زوجته «أم الخير»، كانت تخبرهم بأنه لا يزال خارج البيت، «والغايب حجته معاه»، إلى أن أخبرهم ذلك الطفل الشقي الذي كان يلعب قرب الطابون بأنه بداخله فقُبِضَ عليه.
جاء متن القصة باللغة العربية الفصحى، في حين كُتِب الحوار بين الأبطال باللهجة العامية الفلسطينية، وهذا أمر طبيعي، إذ إن الأبطال من عامة الشعب ومن سُكان القرية، وكان «صليّح» مزارعًا فقيرًا جدًّا، متزوجًا ولديه أولاد، ولكي يسد جوعهم كان لا بد أن يشتري لهم طعامًا من بقال القرية «أبو أحمد» بالدين، إلى حين جني محصوله وبيعه، فقد كان دومًا يدعو ربه «يا ربي هالبندورات يكبرن ويثمرن، وأَسدُّ دينتك يا أبو أحمد».
وعندما وقع صليّح في قبضة الشرطة، وقف أمام المحقق ليدافع عن نفسه، وبأنه ليس من الفاسدين المفسدين من اللصوص أو تجار الممنوعات أو محتكري السلع الغذائية حتى تُنفق الحكومة والدولة ما يقرب من ألف ليرة في الأقل ثمن تسيير ثلاث سيارات شرطة على مدار أسبوعين لإلقاء القبض على مواطن مديون بمئة ليرة فقط، فكان من الأولى أن تسدَّ عنه الدولة هذا المبلغ البسيط كغارمٍ.
وتوفر كل هذه المصاريف وجهد رجال الشرطة ووقتهم، وفي آخر كلامه للقاضي قال: «خليهم يزفتوا الشارع اللي في حارتنا، بلاش سيارة الشرطة تخرب لمَّن تيجي تعتقل صليّح، وخليني أنام في السجن، وخلي البندروات ينشفن، الله لا يردني، ولا يرد بندوراتي...».
وحينئذ تُعد البندورة -وجمعها بندورات- هي ما يشغل قلب البطل صليّح وباله، فهو لم يذكر مثلًا طوال أحداث القصة أي ولد من أولاده، فهو فلاح محب جدًّا للزراعة.
«ظل صليّح يركب حماره صباحًا، ويذهب إلى أرضه التي تقع قرب عين الماء، يزرع الخضراوات، ويسقيها من قناة الماء التي تصل إليها عندما يأتيه الدور في السقاية»، فهو يقضي معظم وقته في أرضه التي يعشقها، وزرعه الذي يرعاه، لذا عندما أحبَّ أن يختبئ بعيدًا أن أعين رجال الشرطة كان يقضي نهاره كله فيها.
وظل دور المرأة البارز جليًّا في آخر فقرة من فقرات القصة، عندما وقع صليّح في قبضة رجال الشرطة، فصارت زوجته أم الخير تصرخ وتنوح، ما اضطر أبو أحمد إلى أن يذهب في اليوم التالي إلى المحكمة، ليُسقِط حقه عن صليّح، وقال له: «اقلّك، روِّح عدارك، واسقي بندوراتك، الصبر على المفلس حسنة، وقت ما اتسدّ سدّ، والله يكون بعونا كلنا...».
جميل جدًّا العفو عند المقدرة، وأن يصبر صاحب الدَّين على المتعثر، وحينئذ تبرز قيم العفو والتسامح، وما أجمل الزوجة التي تقف بجوار زوجها في جميع المواقف! وتكون هي كل جيشه الذي يدافع عنه، فلا بد من وجود قيمة الوفاء بين الزوجين دائمًا.
لا شك في أن قضاء أوقات طويلة مع مجموعة من الأشخاص سيؤثر في طريقة تفكيرك وتحديد أولوياتك.. أذكر قصة حدثت لصديق كانت لديه طموحات وأهداف رائعة، ولكن ما أعاقه هو أنه كان محاطًا بأصدقاء ليس لديهم أهداف سوى الاستمتاع بالوقت، وجاء إليَّ هذا الرجل وأخبرني أن لديه كثيرًا من الأشياء التي يريد إنجازها.
لكن كان لديه خوف غريب من أن ينظر إليه أصدقاؤه بسخرية، لأنهم يعتقدون أن هذا الرجل رجل عادي ولا يمكنه إنجاز أي شيء مفيد.
وبمرور الوقت، تتجذر هذه الرؤية أيضًا وتتعمق في الإنسان الذي يريد الإنجاز والعمل، فيرى نفسه شخصًا عديم الفائدة، وأنه موجود في هذه الحياة فقط للاستمتاع، وبالطبع إن بطل قصتنا «صليّح» محاط بأفراد القرية منذ سنوات طويلة، «لم يكن يعرف صليح عن نفسه فإنه رجل بسيط في عيون الآخرين.
فهو لا يملك وظيفة عُليا أو دُنيا ليقبض راتبًا في آخر الشهر يُباهي به باقي الفلاحين، ولا يلبس (بذلة) جميلة، ولم يعلم أن الناس تستدعيه عند الإصلاح بين الناس أو لحضور وليمة، وهو الرجل البسيط الذي يحرث أرضه»، لذلك كان سعيدًا للغاية عندما عاد ذات مساء من حقله «فهبَّ إليه أولاد الحارة مقبلين» لكي يستفسروا ويطرحوا عليه السؤال التالي: «هي يا صليّح، الشرطة بتدور عليك، هيهم صاروا على باب الدار».
فلمجرد أن جاءته الشرطة لإخباره بموعد جلسة المحكمة بسبب القضية التي رفعها عليه أبو أحمد البقال لأنه مديون له بمبلغ زهيد، صار مهمًّا في أعين الناس، على الرغم من أنه أمر سلبي، فماذا فعلوا هؤلاء عندما علموا بأن الشرطة تبحث عن صليّح لكي تُعلمه بوجود محضر وقضية ضده بسبب دين بقيمة 100 ليرة فقط؟! لا شيء! لم يهتم أحد منهم، ولم يفكر أحدهم في سدِّ دين جاره الفقير.
ويصبح تصرفه إيجابيًّا بدلًا من الكلام والهراء الذي لا يُقدم ولا يؤخر!
فبدلًا من إرهاق نفسك بالتركيز على ما يتوقعه الآخرون منك، يجب عليك معرفة ما إذا كان هذا الذي يتوقعونه يتوافق مع رغباتك أم لا، فلا أحد يستطيع أن يُقرِّر أين ستكون وكيف ستعيش! فما لا تراه داخل نفسك من جمال هو مجرد نتيجة حتمية لقرارك بعدم الاهتمام بالجمال من حولك، لأنك تظهر ما تراه داخل نفسك.
قد تُشعرك أيضًا بعض الاستراتيجيات بأهميتك الذاتية بدلًا من السماح للأنا بالسيطرة عليك! على سبيل المثال، توقف عن الشعور الدائم بالاستياء والعجز والضعف، وتخلَّ عن الرغبة المستمرة في الفوز والحاجة إلى أن تكون على حق! فذلك يضعك دائمًا في صراع مع الناس؛ لأنك تراهم دائمًا على خطأ.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.