لا نستطيع أن نختصر مفهوم الإنسان في بضعة أسطر؛ وهذا بسبب كينونته. فقد عرَّف ماهر إسماعيل إبراهيم الجعفري، في كتابه: الإنسان والتربية (الفكر التربوي المعاصر) كلمة الإنسان «لغةً من أنس، والإنس جماعة من الناس، والإنس الذي يُستأنس به، والإنسان من الناس اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والواحد والجمع».
كرَّم الله تعالى الإنسان وأعطاه مكانة شريفة في القرآن الكريم، وفضله على جميع خلقه؛ لما له من ميزان العقيدة وميزان الفكر وفي ميزان الخلق. فالإنسان يملك العقل والفطرة والغريزة، وهذا ما ميَّزه على جميع المخلوقات. يقول الإمام الزمخشري: «كرَّمه الله بالعقل، والنطق والتمييز والخط والصورة الحسنة، والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد».
وعلى الرغم من امتلاكه العقل؛ فإنه كثير النسيان. وقد نلاحظ في السنوات الأخيرة أن الناس تنسى كثيرًا على نحو غير طبيعي، على الرغم من أن ذلك يُعد أمرًا طبيعيًا وتلقائيًا ومنتظمًا، وأنه ظاهرة طبيعية تحدث لكل الناس.
وللنسيان أسباب عدة، ويختلف من شخص إلى شخص آخر، فقد يحدث هذا بسبب تراكمات وكبت، أو تعرض الشخص إلى مشكلات نفسية وتوتر حاد، وأحيانًا يكون النسيان مؤقتًا يحدث بمجرد حدوث مشكلة أو ضربة قوية، ومع انتهاء المشكلة يعود الشخص إلى حالته الطبيعية.
وتوجد لحظات نتعمد نسيانها؛ وذلك ربما بسبب ما تركته من آلام ومخاوف. وقد أصبح النسيان يلازم صاحبه أكثر من ظله، ومنا من ينسى رفاقه وأصدقاء طفولته، وقد ننسى أناسًا مروا بحياتنا، ومرات قد ننسى أشياء أين وضعناها، لتجد نفسك تحاول إعادة شريط ما فعلته في يومك من أجل أن تتذكر أمرًا قد نسيته. ومنا من يبذل جهدًا للتذكر، نحن شباب وننسى فما بالكم بكبار السن.
أحيانًا يفيدنا النسيان من ناحية أننا ننسى مواقف وأشخاصًا لا يستحقون أن نتذكرهم. قد حدثت لي مواقف مضحكة مع النسيان حتى أنني كنت أرتدي زيًّا مدرسيًّا وفي الوقت نفسه أبحث عنه والوقت يداهمني. ومرة أخرى أحمل هاتفي وأصرخ أين هاتفي، لقد أضعته! المضحك أنني أتكلم به وأنا أفكر أين وضعته!
أحيانًا أخاف أن أنسى من أكون وأين أسكن؛ لأننا في زمان كثرت فيه الفتن، زمان تجد نفسك فيه متعبًا بلا سبب أو جهد مبذول.
ما أصعب أن تنسى أيامًا جميلة عشتها مع أعز الناس، والأصعب أن تنسى أشخاصًا زرعوا في حياتك حديقة من الورود.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.