في زمن أصبحت فيه كلمة تحرر شعارًا يُرفع على كل لسان، وُلدت النسوية الحديثة لتعيد تشكيل واقع المرأة.
حملت هذه الحركة وعودًا براقة بالحرية والمساواة، داعية النساء إلى كسر القيود التي طالما قيدتهن عبر التاريخ.
ولكن وسط هذا الزخم هل حققت النسوية الحديثة ما وعدت به، أم أنها وضعت المرأة في قفص جديد أكثر ضيقًا وأكثر عبئًا؟
اقرأ أيضًا تجليات ظاهرة الجندر في الحركات النسوية
بداية النسوية
كانت البداية ملهمة. فالنسوية الأولى نادت بحقوق أساسية ومشروعة، حق التعليم والعمل والتصويت.
لكن مع مرور الوقت ومع التحول نحو النسوية الحديثة تغيرت المطالب، لم يعد الهدف فقط هو المساواة، بل التمرد الكامل على كل ما يُعد دورًا تقليديًا، أصبح الزواج يصور كأنه قيد، والأمومة عبء، والأسرة عائق أمام الطموح.
وتحت هذا الخطاب انجرفت أجيال من النساء نحو فكرة واحدة، أن النجاح يعني التخلي عن كل ما يربطهن بالعائلة.
اقرأ أيضًا النسوية العربية.. نجاح متصاعد أم مغالطة سببية؟
لكن هل هذا حقًا هو النجاح في السعي وراء الاستقلالية؟
لقد وجدت المرأة نفسها وحيدة في مواجهة عالم لا يرحم. ففكرة الاستقلال التام التي تروج لها النسوية الحديثة أضافت أعباءً جديدة بدلًا من أن تزيل القديمة.
فالمرأة اليوم مطالبة بأن تكون قوية دائمًا، مستقلة دائمًا، وناجحة دائمًا، لم تعد العائلة هي السند بل أصبحت مسؤولية فردية، وغالبًا عبئًا لا ترغب في تحمله.
في ظل هذا الفكر أصبحت الأسرة الضحية الأكبر، الزواج الذي كان يُنظر إليه كشراكة أبدية بات يعامل كعقد يمكن إنهاؤه في أي لحظة، الأمومة التي كانت تُعد أعظم أدوار المرأة أصبحت تُختصر في مهام يمكن لأي شخص آخر أن يؤديها.
ونتيجة لذلك تصدَّرت نسب الطلاق المشهد، وازدادت الأسر المفككة؛ ما أدى إلى أجيال من الأطفال الذين نشأوا في بيئة تفتقر إلى الاستقرار.
لكن الغريب في الأمر أن هذا التحرر لم يجلب السعادة، على العكس وجدت كثير من النساء أنفسهن في عزلة عاطفية، وضغط نفسي لا ينتهي، يُطلب منهن أن يثبتن أنهن قادرات على فعل كل شيء بمفردهن، في حين أن طبيعة الإنسان تفرض حاجته إلى الشراكة والتواصل.
فالنسوية الحديثة لم تحرر المرأة بقدر ما زادت الأعباء على كاهلها.
اقرأ أيضًا تمكين المرأة في العمل الإنساني
التوازن هو الحل
الحل لا يكمن في محاربة هذه الأفكار، بل في إعادة التوازن. فالمرأة ليست بحاجة إلى التخلي عن أدوارها العائلية لتثبت نفسها.
والنجاح الحقيقي هو القدرة على اختيار الحياة التي تناسبها، دون أن تحاصرها الأفكار المتطرفة.
في النهايةالحرية ليست في التخلي عن الأسرة، ولا في رفض الأمومة، بل في القدرة على التوفيق بين كل جوانب الحياة.
المرأة ليست كائنًا يجب أن يتحدى فطرته، بل روح تبحث عن الانسجام بين ذاتها ودورها في المجتمع.
فالنسوية الحقيقية هي التي تحتفي بهذا الانسجام، لا تلك التي تدفع المرأة نحو طريق مملوء بالعزلة والصراع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.