المنتحرة يوميًا بجرعة زائدة من الحياة

ذهب الجميع

وبقيتُ وحيدة

الظلام يحلل أعضائي،

وعند انحناءات جسدي،

 يقف طويلا،

النهار لا يعني سوى الفضيحة،

والأصدقاء دائما

ما يمزقون أوردتي

ليمتصوا التجربة

حتى تنبت على أجسادهم

زهورٌ سوداء ملطخة بالدم..

الظلام يقف طويلا،

يتكوم في جسدي،

ليفجر القصيدة..

أنا المنحنية دائما،

المنتحرة يوميا بجرعة زائدة من الحياة،

المرتجفة في الأماكن المفتوحة،

خوفا من ضياعي المكتوب سلفا

على كف أمي،

الضياع السابح مثل الدم في عين أبي،

المنسوج في ثوب جدتي،

أمي، أبي، جدتي،

هؤلاء صنعوا ضياعي بحنان زائد،

دون أن يدروا،

كانوا يمهدون له في ظهيرة ساخنة،

لا تعرف إلا وجه الغرابة،

وأنا أتبعها متحاشية الضوء الساذج،

كل الأشياء حقيقية في العتمة،

العتمة هي الذروة،

هي الموت الناعم الذي يسقط،

دون أن يجرح الآخرين،

وأنا أبحث عنه،

من الصباح إلى المساء،

أصنعه بيدي الذابلتين

وحين يأتي إلى غرفتي

لا يجد شيئا،

فالموت يحب الامتلاء

وأنا نحيلة في الظلام،

قال لي واحدٌ:

لا تسمحي لهم،

بأن يجعلوا منك جسرا للعبور

إلى أحلامهم،

غير أنني دائما ما كنت أنحني

من أجل شيء

يفجر القصيدة!

 وحدهم يعرفون معنى الوردة

أفكر في مصاحبة وردة،

تعرف

 كيف تشدو في الليل،

دون أن تترك

صدأ الكلمات فوق أذني

أحب أن

تمتص ضوئي،

تسكب الرقة،

في يدي الملطخة بالحنين

تطفئ الحكايات،

الهائجة تحت جلدي،

الحقل الملتهب في دماغي،

الأب المسمر على الحائط،

دون أن يُسقط نقطة دم واحدة،

الجدة المحبوسة في الصور القديمة،

الأم التي تتلاشى في الأماكن الغريبة،

تاركة عينيها على الجدار،

وقدميها للطريق،

البيت العاري من الحياة،

دون رجفة واحدة،

لأنه أراد أن يكون مجهولا،

سأصاحب وردة،

تجفف الحزن السائل من عيني،

ولن أخبر الأصدقاء

الذين جاءوا بمحض إرادتهم

ثم رحلوا تاركين أكاذيبهم

تعض جسدي

سأصاحب وردة

تُذوِّبُ اسمي

في دمها المغموس بالطين

سأصاحب وردة الليل الأخرس،

كي تتغذى على حكايتي،

ثم تبعثرها في النهار،

على وجوه المجهولين؛

فوحدهم

يعرفون

معنى الوردة!

هكذا أفكر في الخريف

الكتل السوداء في أعماقي الخربة،

 أنت وحدك

من يلامسها

حين يهبط الليل،

ربما لأنك تفضل السير في العتمة،

وربما

 لأنك تحب أن ترى وحدك

لحظة موتي؛

حين ألمح دون قصدٍ

 رجلا عابرا

 يفتش في جسدي،

وامرأة

 تحلم بدفني سريعًا،

قبل أن يطل النهار.

هكذا أفكر في الخريف، وهو يمارس مهمته الأبدية، في إزالة الأشياء، التي ماتت بالفعل، هكذا أفكر في البيت المفتوح لاستقبال حفلات الصراخ الجماعي، سأتركهم جميعا، وأذهب بعيدًا إلى أطراف الحياة، ربما عثرتُ هناك على ذئبة، تغني لعظام النساء الحزينات، فالهروب فعل مناسب لفتاة مجهولة مثلي، فهل ستتركني قبل أن تحقق حلمكَ بالنوم معي على أحد أرصفة المدينة المهجورة؟!

فتحتُ نافذةً ليرحل

 ...... أما أنت يا حبيبي، فسأودعك بالكثير من القبلات، لا أود أن أوضح لك أكثر من ذلك، خوفا من اللصوص والقتلة، سأودعك بكل الود، بكل الزهور التي علمتنا معنى الجمال، وكل الطيور التي تحلق في تلك السماء الضائعة، لتحفزنا على الحرية، لكننا للأسف كنّا دوما ننحني، صوب أرض قاتلة.

لا تنزعج، أنا فقط أخذت أقراص المنوم، وفي تلك اللحظة أحب أن أقبض على الموت، أن أحدق فيه، اليوم رأيت مؤخرته العارية، فتحتُ النافذة ليرحل، لكن ما حدث هو أن جرحا جديدا انفتح، حيث ضوء النهار المجسد للعتمة.

لا تحزن يا حبيبي، فالموت لا شيء، إنه مثل شال ناصع البياض، ووحدها التفاصيل قادرة على إظهار الألم.

 

 

 

 

 

 

 

شاعرة وكاتبة صحفية مصرية

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب

شاعرة وكاتبة صحفية مصرية