يقول الشاعر إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا كانت وستظل الأخلاق دائمًا هي معيار قياس قيمة الإنسان وقيمة المجتمع، بل أيضًا قيمة الحضارات والدول على مر التاريخ، فالإنسانية هي مجموعة من القيم، وإلا فإن الإنسان سيكون أقل شأنا وقيمة من الحيوانات.
وفي مقالنا هذا سنقدم بعض النصائح الخاصة بالأخلاق بطريقة غير معتادة، سنقدم لك حوارًا بين شخصين يمكنك استنتاج أهمية القيم والأخلاق بواسطته، وكذلك كيف يمكن اكتسابها ونشرها في المجتمع.
اقرأ أيضاً هل يمكن أن نقسم الأخلاق ونختار المناسب لنا من بينها ؟
حوار بين شخصين عن الأخلاق الحسنة
الشخص الأول: أتمنى لو لم توجد قوانين تمنع السرقة، إذ يمكنني سرقة مبلغ كبير وأعيش به طوال عمري، دون أن أحتاج إلى العمل والاستيقاظ باكرًا وكل هذه الأشياء المتعبة.
الشخص الثاني :أعتقد أنك لا تفهم أن المسألة لا تتعلق بالقوانين فقط، فالمسألة تتعلق بالدين والعرف وعلاقات الناس ببعضها.
الشخص الأول: أنا أتحدث عن مصلحتي الخاصة ولا يهمني أي شيء بعد ذلك، فالسرقة ستمنحني المال في وقت قليل وبمجهود قليل، ومن خلاله سوف أعيش حياتي بطريقة مريحة.
الشخص الثاني :حتى من ناحية المصلحة فإن السرقة ستضرك أكثر مما ستنفعك أيها الذكي.
الشخص الأول :كيف ستضرني السرقة إذا استطعت الحصول على مبلغ كبير من المال، بسرقة أحد البنوك أو حتى من أحد الأشخاص.
الشخص الثاني: إن القانون الذي يمنعك من سرقة الآخرين يمنع الآخرين أيضًا من سرقتك، فكيف ستستمتع بالمال الذي تسرقه إذا كان الجميع يستطيع السرقة؟ كيف ستحميه من الجميع إذا كانت السرقة مباحة؟ فالحارس الذي ستستأجره سيسرقك، والسائق الذي يقود سيارتك يستطيع سرقتها، والخادم الذي يقوم على خدمتك في المنزل أو الفندق الذي تقيم فيه يستطيع سرقة أشيائك بسهولة، فإذا كان القانون لا يمنعك من سرقة الآخرين فإنه يحميك من الآخرين أيضًا.
الشخص الأول: كيف لم أفكر في هذا الأمر من قبل؟ إذن فالقانون أمر جيد ويفرض على الناس عدم السرقة للمصلحة العامة، لمصلحتي ومصلحة الآخرين.
اقرأ أيضاً الرياضة منهج للقيم والأخلاق الرفيعة
الأخلاق الحسنة وأثرها في المجتمع
الشخص الثاني :يجب أن تفهم أيضًا أن المسألة لا تتعلق بالقانون فقط، فالأخلاق هي ما تجعلك إنسانًا راقيًا، فأنت لا تسرق لأنك إنسان متدين ومهذب ومؤدب لا تأخذ مجهود الآخرين، وتفضل أن تعمل وتتعب وتشقى لتستحق أجرك بشرف، فالأخلاق هي الإنسان والإنسان هو الأخلاق.
الشخص الأول: لا أفهم هذا الكلام، فأنا أعد الإنسان هو المال والمال هو الإنسان.
الشخص الثاني: تستطيع أن تفهم كلامي إذا أجبت عن أسئلتي مثلًا، ماذا تحب في أصدقائك؟ وماذا يجعلك ترتاح لجارك في حين لا تحب جارك الآخر؟ ولماذا تختار هذه المرأة بالذات لتتزوجها؟
الشخص الأول: أحب في صديقي أنه يقف بجانبي في وقت الشدائد، وأرتاح لجاري لأنه يعاملني معاملة حسنة ويقدم لي بعض الخدمات، واخترت هذه المرأة لأتزوجها لأنها حنون ومعطاء.
الشخص الثاني: لقد أجبت بنفسك وشرحت المسألة لنفسك ببساطة، صديقك ساعدك ووقف بجانبك لأنه يمتلك الأخلاق، وجارك يعاملك معاملة حسنة وهذه هي الأخلاق، وزوجتك حنون ومعطاء هذه أيضًا أخلاق، فكيف كنت ستعيش دون هذه الأخلاق ممن حولك؟
الشخص الأول: نعم لقد فهمت الآن أنني أحتاج إلى أخلاق الآخرين، والآخرون يحتاجون إلى أخلاقي، لكي أكون إنسانًا سعيدًا وأكون سببًا في سعادتهم.
اقرأ أيضاً الأخلاق و الإيطيقا والسياسة
علاقة الأخلاق بحياة الإنسان
الشخص الثاني :ها قد فهمت المعنى الحقيقي للأخلاق، وكيف أن الحياة لا تصبح حياة إنسانية صحيحة، إلا إذا كانت الأخلاق هي العملة المتداولة بين الناس.
الشخص الأول: ولكنني لا أستطيع أن أقنع كل الناس بهذه الأمور التي أقنعتني بها، فكيف أقنع السارق بالأخلاق؟ وكيف أقنع الشخص الطماع بالأخلاق؟ وكيف أناقش الشخص الكاذب وأقنعه أن هذا الكذب مضر له ومضر للمجتمع؟ إنها مسألة شاقة وتبدو مستحيلة.
الشخص الثاني: هوِّن على نفسك، فالمسألة أكبر منك ومني، وتحتاج إلى أن يضبط كل شخص أخلاقه، ويحاول نشر هذه الأخلاق في محيطه بين أبنائه وأصحابه وأصدقائه قدر الإمكان، ثم إن كل شخص في عمله يحاول أن ينشر هذه الأخلاق، المدرس في مدرسته، والطبيب بين مرضاه، ويجب أن يصبح كل شخص قدوة لمن حوله، ليصبح المجتمع أقرب إلى الأخلاق الحسنة، وهو ما يجعله مجتمعًا راقيًا مملوءًا بالإنسانية والمحبة.
الشخص الأول: ولكنني متحقِّق من وجود أشخاص كثيرين لا يقتنعون بهذا المبدأ، وسيظل كل منهم بأخلاقه السيئة، من يسرق ومن يكذب ومن يؤذي الآخرين في مشاعرهم وفي أملاكهم.
الشخص الثاني: لهذا يا صديقي يجب أن يوجد قانون يحاكم هؤلاء الخارجين عن الأخلاق، وليحمي أصحاب الأخلاق الحسنة، ليصبح المجتمع مكانًا آمنًا لأصحاب الأخلاق، ولا يوجد مكان لمن يخالف أخلاق ومبادئ وقوانين المجتمع.
الشخص الأول: نعم نعم فهمت الآن كيف أن الأخلاق يجب أن تكون باختيار الإنسان؛ إذ يعلو بها شأنه وترتفع إنسانيته، كما يجب أن يوجد قانون رادع لمن يخالف الأخلاق، وذلك لحماية المجتمع، حتى لا نتحول إلى مجتمع فاسد يأخذ فيه القوي حقه من الضعيف بالقوة، وتضيع فيه الأخلاق، وتموت فيه الإنسانية.
الشخص الثاني: يبدو أنك فهمت تمامًا ما أقصده يا صديقي، وذلك لأنك شخص ذكي، وما أجمل أن يجتمع الذكاء مع الأخلاق!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.