صديقي المعلم.. هل أنت تربوي؟
أن تكون مربياً يعني أن تمتلك أُفقاً واسعاً، ونفَساً طويلاً، ومعرفة عميقة، فالتربية لا تؤتي أُكُلها بعشية وضحاها ولا بسنة أو سنتين وإنما تحتاج وقتاً طويلاً يمتد مع امتداد مراحل العمر لمن تُربيهم، ولكل مرحلة من هذه المراحل طبيعتها الخاصة بها، تنشئة، وتنمية وترقية.
وتختلف التربية بطبيعة الحال عن الرعاية، فالرعاية تهتم بتوفير متطلبات الجسد من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن، أما التربية فتهتم بمتطلبات بقية جوانب الشخصية والتي تتمثل بالجانب المعرفي، والروحي، والنفسي، والاجتماعي.
فالمربي الناجح هو من فطن لتلك الجوانب وتثقف وازداد علماً ومعرفة للتعامل معها كيلا يذهب جهده أدراج الرياح.
ولذا كانت مهمة المعلمين بدرجة أساسية هي مهمة تربوية قبل أن تكون تعليمية، وقد أجاد وأفاد من سمى الوزارة الخاصة بتلك المهمة بوزارة التربية والتعليم؛ فالتربية هي الأساس.
اقرأ أيضًا: ماهي التربية ؟ وهل مشكلة التربية وصعوبتها هي السبب وراء اختلاف المربين في تعريف مفهوم التربية ؟
ويجدر بكل معلم ومعلمة ألا يكتفي بما يحمله من شهادات علمية في مجاله واختصاصه، بل لا بد وأن يطور من أدائه بالقراءة والاطلاع على بقية الجوانب المتعلقة بهذه المهنة المهمة كعلم النفس وعلم الاجتماع التربوي وغيرها من المجالات، فتَمكُّنُه في تخصّصه الدقيق لا يعفيه من ذلك، كون المستهدف في هذه العملية ليس فكر الطالب فحسب وإنما فكره، وروحه، ونفسيته، ومهاراته، وسلوكه وعلاقاته.
ونجاح المعلم في تغذية هذه الجوانب مجتمعةً تغذية متوازنة هو النجاح الحقيقي الذي يحسب له في نهاية المطاف، فينبغي أخذ ذلك بعين الاعتبار لكل من رشّح نفسه لتلك المهنة المهمة، ولكل ولي أمر محاضن، ومدارس، ومعاهد التربية.
ولكي نؤصّل لما قلناه هنا، فقد لفت انتباهي قول ربنا سبحانه واصفاً معلم البشرية النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام حين قال: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ "، ولك عزيزي القارئ الكريم أن تلاحظ تلك المواصفات هنا " يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " سورة الجمعة (2).
ما الذي تلاحظه يا ترى؟
اقرأ أيضًا: دور الإشراف التربوي في تمهين التدريس
وقبل إجابتك فإنني أكاد أجزم -إن كنت معلماً بالطبع- أنك لاحظت الأهداف السلوكية التي تدوُّنها في كراسة الإعداد اليومي للدروس ماثلةً أمامك.
نعم.. ها هي جلية وواضحة بالفعل، الهدف المعرفي، الهدف المهاري، والهدف الوجداني فقوله سبحانه: "يتلو عليهم آياته" توحي بالهدف المهاري حيث الإصغاء للتلاوة إحدى المهارات، وقوله تعالى: "ويزكيهم" يتحقق من خلالها الهدف الوجداني؛ فالتزكية هي التطهير للنفوس.
وأما قوله سبحانه: "ويعلمهم الكتاب والحكمة" ففيها يتجلى الهدف المعرفي وذلك من خلال تعليمهم الأحكام الواردة في الكتاب والحكمة الواردة من وراء ذلك.
ومن هنا أستطيع القول إن البعض قد يتفق معي في هذا الإسقاط وقد يختلف البعض الآخر، ولكلٍ رؤيته وفهمه، وعليه فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة إلمام المعلم بمجاله التخصصي أولاً، واتساع أُفُقه في تعامله، واستحضار مختلف مجالات الأهداف في أدائه ثانياً، وبذلك نستطيع القيام بمهمة تعليم وتربية أجيالنا تربية سوية متكاملة متوازنة.
اقرأ أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.