أوْلى المسلمون في صدر الإسلام اهتمامًا عظيمًا بالمعرفة؛ ما مكَّنهم من تحقيق نهضة علمية، حقَّقوا في إطارها إنجازات كبيرة في مختلف المجالات، وأثَّروا بواسطتها في الحضارة الإنسانية بأسرها، لكن هذه الحضارة العظيمة فقدت توهُّجها في عصر الانحطاط الذي يتواصل إلى اليوم.
الريادة العلمية للمسلمين
مثَّل القرنان الثالث والرابع للهجرة (التاسع والعاشر الميلاديان) العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية. وقد انبنى ذلك الرقي الحضاري على نهضة علمية غير مسبوقة كان المسلمون فيها روَّادًا في مختلف المجالات العلمية، وكانوا بإنجازاتهم واختراعاتهم سبَّاقين في مختلف العلوم.
فهم أول من فصل الطب عن التنجيم، وجعلوا منه تخصصًا أكاديميًّا، وأخضعوا متعلميه للامتحانات، وتفوَّقوا في تشخيص الأمراض، وفرَّقوا بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية.
وقد وضعوا قواعد صارمة لسلامة العلاج والتزموا بتطبيقها، فداوموا على تعقيم أدوات الجراحة، وابتكروا كثيرًا من التقنيات الطبية مثل خيوط الجراحة ومادة تخدير المرضى، وأجروا عمليات جراحية لم يجرها سابقوهم مثل إزالة الحصى من الكلى.
ومن أشهر أطباء تلك العصور من المسلمين ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وابن الهيثم الذي عالج العين وأجرى عليها العمليات الجراحية، وشرح بطريقة علمية طريقة الإبصار، ولا ننسى الزهراوي والرازي وابن سينا الذي يلقبه الغرب بأمير الأطباء.
وفي الهندسة والرياضيات، كان للمسلمين الفضل في ابتكار نظام الترقيم الذي نستخدمه اليوم الذي يقوم على الدمج بين الهندسة والحساب باعتماد عدد الزوايا، وقد أثَّرت أرقامه في العلم الحديث على نحو كبير. ومن بين أبرز علماء هذا المجال مؤسس علم الجبر الخوارزمي الذي امتدت شهرته إلى عصرنا عبر تسمية الخوارزميات.
وكانت الريادة للمسلمين أيضًا في علوم مختلفة أخرى، منها علم الفلك، فقد بنوا المراصد، وحدَّدوا بدقة مواقع النجوم والمسافات بينها بتطوير آلة الإسطرلاب. ولا تزال التسميات التي أطلقوها على النجوم معتمدة إلى اليوم كالدَّبَرَان والرِّجْل، إضافة إلى وضع الأزياج وهي جداول زمنية لمواقيت العبادات ومواعيد ظواهر فلكية مترقبة.
وتدين العلوم التجربية أيضًا بالفضل للعالم جابر بن حيان الذي وضع أسس الكيمياء الحديثة.
هي إذن نهضة شملت كل مجالات العلوم، وسرعان ما تقطعت ليعقبها ركود لافت أفقد الحضارة الإسلامية مكانتها الريادية في العلوم والمعرفة.
عوامل تدهور المكانة العلمية
يعود التدهور العلمي للمسلمين إلى زوال عوامل النهضة، فلم يعد الحكام يهتمون بتشجيع المعرفة، فغاب أمثال هارون الرشيد والمأمون اللذين قرَّبا العلماء، وحوَّلا بلاط الحكم إلى منتدى معرفي تُدار فيه المناظرات العلمية ويحتضن المبدعين، وأسَّسا بيت الحكمة كحاضنة للتجارب والبحوث العلمية، وأغدقا على أعمال الترجمة العطايا حتى ثقلت رفوف المكتبات الإسلامية بأمهات الكتب من أعرق الحضارات.
وقد حلَّت محل أسباب النهضة هذه عوامل التدهور وهي متعددة، وأولها تقلص الأهمية القيمية للعلم والمعرفة؛ وهو ما تسبب في تراجع الإقبال على الدراسة وضعف مستوى التعليم، ومن ثم نقص تكوين الكفاءات العلمية، وتعقدت هذه الوضعية أكثر بهجرة "الأدمغة" إلى البلدان الغربية.
ومن عوامل التدهور الأخرى، ضعف مستوى البحث العلمي. لأنه من الجلي أن الدول الإسلامية والعربية بالخصوص لا تولي اهتمامًا كافيًا لتطوير قاعدة العلوم والتكنولوجيا، فأقصى ميزانية ترصدها دولة عربية للبحث والتطوير لم تتجاوز نسبة 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 مقابل 4.2% في كوريا الجنوبية.
لقد أسهمت هذه الأسباب مجتمعة في تخلي الحضارة الإسلامية عن دورها الريادي في العلوم والمعرفة لأمم أخرى تُنزل العلم والتعليم المنزلة التي يستحقها.
رائع جدا تحياتى وتقديرى لك
شكرا هذا من رفعة اخلاقك
ممتاز المزيد من التألق
مقال في قمة الروعة والمعلومات التاريخية القيمة ،دائم التوفيق والنجاح
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.