المسكوكات في عهد الخليفة مروان بن محمد
عُدت النقود التي ضربت في عام 127هـ/744م نقودًا تابعة لمدة حكم آخر الخلفاء الأمويين، مروان بن محمد، إذ وصل هذا الخليفة إلى الحكم في صفر من عام 127هـ وهو الشهر الثاني من السنة الهجرية، في حين كان في الحكم في الشهر الأول من تلك السنة سلفه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك الذي لم تستقم له أمور الحكم والإدارة.
حتى تحرك مروان بن محمد للإمساك بزمام الحكم والخلافة. وقد بقي الخليفة مروان في الحكم حتى هُزم في معركة الزاب الفاصلة في ربيع الثاني 132هـ/ تشرين ثاني 479هـ.
وقد استمرت النقود تضرب على النمط الأموي نفسه بقية عام 132هـ، في حين بدأت في عام 132هـ نفسه تظهر النقود العباسية الجديدة.
ضربت في عهد مروان بن محمد المعادن الثلاثة (الذهب والفضة والنحاس)، وفيما يأتي استعراض لجميع ما ضرب في هذه الحقبة:
اقرأ أيضاً المسكوكات النحاسية في العهد الأموي
الدنانير
لم يحصل على الدنانير التي ضربت في عهد مروان بن محمد تغير يذكر، باستثناء تغير التاريخ الذي ينقش في هامش ظهر الدينار. الجدول الآتي يبين عدد الدنانير التي اطلعت عليها، وأوزانها وأقطارها:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
السنة |
19.48 |
4.22 |
8 |
127 |
19.51 |
4.11 |
17 |
128 |
19.3 |
4.13 |
11 |
129 |
19.9 |
4.18 |
16 |
130 |
19.57 |
4.20 |
17 |
131 |
19.58 |
4.19 |
13 |
132 |
بالنظر إلى الأوزان في الجدول أعلاه يتبين أن الوزن في عام 127هـ كان الأعلى، في حين أصبح الدينار في عام 128هـ الأقل وزنًا، ثم عاد يتحسن في السنوات اللاحقة شيئًا فشيئًا، ويبدو أن لذلك علاقة مباشرة بالأحداث الجسيمة التي وقعت في عام 128هـ، إذ إن معظم أقاليم الدولة الإسلامية كانت في حالة ثورة وانتفاض على الحكومة المركزية.
فضلًا على ثورة الخوارج بزعامة الضحاك التي هددت عمق الدولة الإسلامية باحتلال العراق جميعه، كل ذلك تطلب مزيدًا من الإنفاق على الجيوش والأنصار والمؤيدين من أجل كسب المعارك لمصلحة الحكومة المركزية.
اقرأ أيضاً المسكوكات الأموية 125-127 هجريًّا في العهد الأموي
ما الدليل على التسيب المالي في عهد مروان بن محمد؟
والدليل على التسيب المالي في عام 128هـ/745م أيضًا فقد تعرفت على دينار مزيف محفوظ في المتحف الأردني، وهو أنموذج للنقود المزيفة، عبارة عن نقد فضي مطلي بالذهب. ونُشرت في بعض الكاتالوجات نماذج من الدينار لسنة 128هـ ذات أوزان خفيفة تصل إلى 3.28 غم 3.5غم 3.89 غم.
وفي ذلك إشارة واضحة على عدم الالتزام بمقاييس ضرب الدنانير في تلك السنة، ومع أن النقص في أوزان النقود أمر شائع في معظم السنوات؛ فإنه شاع في عام 128هـ أكثر من غيرها، أما معدلات أقطار الدنانير فلا تُعد مؤشرًا على جودة أو عدم جودة تلك الدنانير، مع العلم أنها كانت أقل من 20 ملم بقليل.
ومن بين الدنانير التي ضربت في عام 127هـ دينار من ضرب الأندلس نشره (ووكر walker) سنة 1953م في كاتالوجه، ضم هذا الدينار على هامش الظهر عبارة (بسم الله ضرب هذا الدينر بالأندلس سنة سبع وعشرين ومئة)، كما ضم على الوجه نقطة كبيرة حجبت جزءًا من كلمات أعلى الوجه. وزن هذا الدينار كان أعلى قليلًا من الوزن الشرعي إذ بلغ 4.37غم، وقطره 20.25 ملم.
اقرأ أيضاً معلومات عن الفلوس في العصر الأموي
الدراهم
لقد وصلتنا دراهم لمروان بن محمد في أثناء سنوات حكمه جميعها، وذلك من سنة 127 ولغاية سنة 132هـ. وظلت الدراهم في عهد مروان بن محمد تحمل نصوص الدراهم الأموية نفسها منذ التعريب، والشيء الذي كان يتغير هو ترتيب بعض الحلقات أو الدوائر، فضلًا على ظهور بعض النقاط السرية على الوجه أو الظهر (سيأتي الحديث عنها لاحقًا). وإن دراهم مروان بن محمد هي كما يأتي:
دراهم عام 127هـ/744م
إن الدراهم التي ضربت في هذا العام جاءت في ستة من دور الضرب هي واسط والجزيرة وجي ودمشق وسجستان ومرو والكوفة. ونلاحظ هنا توقف مؤقت لدار الضرب في الباب، التي حلت محلها دار ضرب أخرى مثل سجستان في الأقاليم الشرقية من العالم الإسلامي.
أما جي ومرو فلا نملك أن نحسبها على أملاك الخليفة، نظرًا لوقوعها في قبضة المتغلبين، كما سيأتي بيانه لاحقًا. وبقيت دار الضرب في الأنبار غير مؤكدة من قبل علماء النميات، فقد بقيت الشكوك تدور حول كونها ضربت نقودًا في عام 127هـ أم لا؟ إذ لم يشر أي من المصادر إلى دراهم من ضرب الأنبار. وكذلك الحال فيما يتعلق بدار ضرب الأندلس التي نادرًا ما ذكرتها المصادر.
ومعنى ذلك أن دور الضرب الفعّالة في عام 127هـ كانت ثلاث فقط هي الجزيرة ودمشق وواسط.
وبإلقاء نظرة سريعة على أوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في عام 127هـ نجد ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
25.1 |
2.84 |
34 |
واسط |
26.5 |
2.86 |
12 |
دمشق |
25.6 |
2.83 |
6 |
الجزيرة |
26.2 |
2.73 |
2 |
سجستان |
24 |
2.77 |
1 |
الكوفة |
- |
- |
- |
الأندلس |
إذا إعتمدنا دور الضرب الرئيسة الثلاث (الجزيرة، دمشق، واسط) نجد أن معدلات أوزانها متقاربة تقاربًا كبيرًا، وكذلك الحال في الأبعاد، وقد حافظت دمشق بذلك على أبعاد دراهمها مقارنة مع السنة السابقة، في حين ازدادت أوزان دراهمها، أما واسط فقد ازداد قطر الدرهم قليلًا، وهي التي كانت ملتزمة (بتصغير السكة) منذ عهد يوسف بن عمر.
بقي أن نشير إلى أن عام 127هـ/744م ممتلئ بالأحداث الجسام على مستوى الدولة الإسلامية، ما انعكس سلبًا على المقاييس التي كانت تضرب فيها الدراهم.
فقد كانت دور الضرب الرئيسة الثلاث العاملة في هذه السنة هي (الجزيرة، دمشق، واسط)، وقد سجلت في هذه الدور الثلاث في هذه السنة أخطاء ومخالفات كشفت عنها النقود نفسها. منها الدرهم المحفوظ في متحف البنك الأهلي الأردني الذي سجل في هامش الظهر خطأً إملائيًّا في كلمة (ولو) فقد حذفت اللام.
والمثال الثاني هو درهم دمشق المزور من النحاس الذي أُشير إليه أعلاه، والمثال الثالث هو الخطأ الذي وقع في هامش درهم واسط المحفوظ في المتحف العراقي من حذف الحرفين (لو) في {ولو كره المشركون}.
إن تكرار مثل هذه الأخطاء والمخالفات ما كان ليكون لولا انشغال القيادة السياسية والإدارية والاقتصادية في أمور أكثر جللًا من ذلك. إذ لم نكن نعهد مثل هذه الكثرة في الأخطاء والمخالفات في السنوات السابقة، وذلك لتشدد القائمين على دور الضرب وعدم تهاونهم في مثل هذه الأمور، إذ لم يكن بالإمكان التجاوز عن الوقوع في مثل هذه الأخطاء، نظرًا لما تمثله المسكوكات من سكة الدولة الرسمية ذات الأهمية الكبيرة.
دراهم عام 128هـ
ضربت الدراهم في هذه السنة في عدد كبير من المدن المعروف منها 17 دار ضرب هي (إفريقيا، الباب، البصرة، بلخ، التيمرة، الجزيرة، جي، داربجرد، دمشق، رامهرمز، الري، إصطخر، سجستان، الكوفة، ماهي، مرو، واسط)، وذلك للمرة الأولى منذ بداية القرن الثاني الهجري.
إذ أُتبعت في حينها سياسة حصر الضرب في أمكنة محدودة، أهمها دار واسط، ولكن الذي حصل في عام 128هـ ليس فقط سياسة جديدة اتبعتها الحكومة الإسلامية الجديدة، بل حالة من الانفلات الأمني والسياسي والإداري في مناطق عدة من الدولة الإسلامية تمثل في ظهور حركات المعارضة وتغلبها على بعض المدن والأقاليم، لا سيما تلك التي كانت توجد فيها دور لضرب النقود، فقامت تلك الحركات والمتغلبين بضرب النقود للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم، أو لإثبات وجودهم.
لذلك فإن مدن الضرب المحسوبة على الخلافة تسع مدن هي واسط والجزيرة ودمشق وسجستان والكوفة والباب والبصرة وبلخ وإفريقيا، مع الأخذ بالحسبان أن الكوفة كانت قد ضربت نوعين من الدراهم في عام 128هـ، أحدهما لمصلحة الدولة المركزية، والآخر لمصلحة المتغلبين.
ثم إن هذا العدد من دور الضرب التابعة للخلافة هو أيضًا عدد كبير بالمقارنة مع السنوات السابقة، لا سيما ما كان يحصل في شرق العالم الإسلامي في بلاد خراسان، وبدل أن تكون في تلك المنطقة دار واحدة تعمل لتسد احتياجاتها، أصبح فيها ثلاث دور هي (الباب، بلخ، سجستان). ويمكن تفسير ذلك بأمرين:
الأول: أن بلاد شرق العالم الإسلامي بدأت تظهر فيها بوادر استقلال عن السلطة المركزية، وذلك بعد مقتل الخليفة الوليد الثاني بزعامة والي خراسان نصر بن سيار، في منتصف عام 126هـ، فضلًا على ظهور زعماء قبليين يرغبون في بناء مجدٍ سياسيٍ خاصٍ بهم.
الثاني: إن المنطقة الشرقية من العالم الإسلامي باتت معزولة عن مركز الدولة الإسلامية في العراق والشام عن طريق بروز حركة ثورية جديدة مناوئة للدولة بزعامة عبد الله بن معاوية في بلاد فارس والجبال، ما جعل تلك المناطق الشرقية في حالة من التبعية الاسمية للدولة ليس إلا، في حين هي في حالة استقلال بشؤونها الأمنية والإدارية والمالية من الناحية الواقعية.
وإذا أضفنا أن تلك المنطقة غنية بمناجم الفضة أصبح بمقدورها أن تضرب النقود من دون الحاجة إلى انتظار الأوامر الإدارية المركزية من الدولة الإسلامية التي أصبحت معزولة عنها.
إن نظرة سريعة على أوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في عام 128هـ تبين ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
24.7 |
2.82 |
33 |
واسط |
25.6 |
2.84 |
15 |
الجزيرة |
25.2 |
2.9 |
10 |
الكوفة |
25.1 |
2.85 |
7 |
البصرة |
26 |
2.69 |
6 |
بلخ |
26.5 |
2.87 |
5 |
دمشق |
24.7 |
2.68 |
5 |
الباب |
26.25 |
2.86 |
3 |
أفريقية |
26 |
2.8 |
1 |
سجستان |
بواسطة أعداد الدراهم التي تعرفت عليها يتبين أن سجستان لم تكن دار ضرب رئيسة، في حين كانت الباب وبلخ أوفر منها حظًّا، وقد حافظت واسط على مركز الصدارة في كونها دار الضرب الرئيسة في عام 128هـ، تليها الجزيرة حسب الأهمية، وضربت الدراهم في كل من الكوفة ودمشق والبصرة أيضًا بكميات لا بأس بها.
أما فيما يتعلق بالأوزان فقد تفوقت دور الضرب في مركز الدولة الإسلامية لا سيما الكوفة على دور الضرب في شرق العالم الإسلامي مثل بلخ والباب، وهذا الأمر عكس ما كان متوقعًا، ذلك أن قرب دور الضرب الشرقية من مناجم الفضة يفترض أن يجعلها في منأى عن نقص وزن دراهمها بهذا القدر.
ولكن يبدو أن اضطراب حبل الأمن في تلك البقعة من العالم الإسلامي أدى إلى نتائج سلبية على ضرب النقود فيها.
وفيما يتعلق بأقطار الدراهم نلاحظ أن واسط لا زالت تحافظ على طابعها الخاص في إصدار الدراهم الأقل قطرًا من غيرها، أو مساوية لها كما هو الحال في درهم الباب 129هـ.
دراهم العام 129هـ
ضربت الدراهم في هذه السنة في 17 دار ضرب، منها تسع دور ضرب عملت لمصلحة الثوار المتغلبين، والدور الثماني المتبقية عملت لمصلحة الدولة التي سوف أتناولها في هذا الفصل، وهي واسط والجزيرة والكوفة والأندلس ودمشق وسجستان وكرمان وإفريقيا.
وهذا التوزيع الجغرافي لدور الضرب يبين الشكل الذي تقطعت فيه أوصال الدولة الإسلامية ضمن أقاليم منفصلة عن بعضها جغرافيًّا، فتوجد دور تعمل في مركز الدولة (الجزيرة، دمشق، الكوفة، واسط)، منفصلة جغرافيًّا عن بلاد المغرب والأندلس، ومنفصلة أيضًا عن أقصى شرق العالم الإسلامي، بحكم تمركز الثوار في بلاد فارس ومنطقة الجبال.
وما نود لفت الانتباه إليه أن البلاد التي كانت تنشط فيها الدعوة العباسية -خراسان- على يد أبي مسلم الخراساني لا زالت حتى عام 129هـ لا تضرب أية نقود بأسم تلك الدعوة.
والملاحظة الأخرى التي لا بد من الإشارة إليها أن عدد دور الضرب التي عرفت حتى الآن التابعة لعبد الله بن معاوية وأنصاره بلغت تسع دور، وهي أكثر من دور الضرب التابعة للدولة الإسلامية -ثماني دور- ولكن لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن زيادة عدد دور الضرب لا يعني دليلًا جيدًا على الازدهار الاقتصادي، بل هو حالة من الانفلات الإداري، والاقتصادي الذي تصعب السيطرة عليه.
ونذكَّر بالإجراءات التي أجراها الخليفة هشام بن عبد الملك عام 106هـ/724م عندما حصر دور الضرب في عدد محدود جدًّا بهدف السيطرة على الأمور المالية ومنع الغش والتزوير.
إن نظرة سريعة على أوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في عام 129هـ تبين ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
24.4 |
2.83 |
31 |
واسط |
26 |
2.85 |
7 |
الجزيرة |
24 |
2.87 |
5 |
الكوفة |
26 |
2.86 |
2 |
الأندلس |
26.5 |
2.87 |
1 |
دمشق |
25.5 |
2.67 |
1 |
سجستان |
24.5 |
3.05 |
1 |
كرمان |
25.5 |
2.83 |
1 |
أفريقية |
في الجدول السابق يتبين أن ثلاثاً من دور الضرب في المشرق الإسلامي هي التي كانت تعمل بشكل رئيس وهي الجزيرة والكوفة وواسط، في حين كانت إصدارات المدن الأخرى إصدارات متواضعة حسب الكمية، ما يرجح القول بأن إصدارات المدن الأخرى كانت من أجل تسيير شؤون الحياة اليومية المحلية نتيجة الظروف السياسية التي سبق شرحها أعلاه. ولا زالت دار واسط هي الأغزر إنتاجًا تليها الجزيرة ثم الكوفة.
حسب الوزن فإن واسط هي الأقل، وربما كان ذلك بسبب الضغط عليها لإنتاج كميات كبيرة من الدراهم لتلبية احتياجات الدولة الكبيرة.
أما الأبعاد فإن كل من درهم الكوفة وواسط كان الأقل قطرًا، على وفق النمط الذي التزمت به منذ السنوات السابقة. ويبدو أن الكوفة هي التي تأثرت بأسلوب واسط في تصغير السكة. أما الجزيرة فكانت أكثر تأثرًا بأسلوب دمشق في ضرب دراهم ذات أقطار كبيرة تتراوح بين 26-27 ملم.
دراهم عام 130هـ
ضربت الدراهم في هذه السنة في 11 مدينة، منها ست فقط تابعة للدولة، وتلك المدن الست هي واسط والجزيرة ودمشق وسجستان وإفريقية (القيروان) والأندلس (قرطبة). أما الخمس المتبقية فقد ضربت من قبل الثوار، وهي مدن بلخ وجرجان وجي والري ومرو.
أما في إفريقية والأندلس فلا جديد في الأمر، إذ تغطي تلك المدينتان عمومًا حاجة بلاد المغرب والأندلس من النقود، ولا بديل عنهما حتى ذلك الوقت.
أما بلاد المشرق الإسلامي فإن الاضطرابات الحاصلة فيها قد أخذت أبعادًا جديدة بإعلان الدعوة العباسية على يدي أبي مسلم الخراساني، ما نتج عنه القضاء على ثورة عبد الله بن معاوية، في حين حلت الثورة العباسية مكانها، وورثت ما كان لها في مجال النقود ودور الضرب.
ولم يبقَ في شرق العالم الإسلامي سوى دار واحدة تضرب باسم دولة الخلافة وهي سجستان، البعيدة جغرافيًّا عن قبضة أبي مسلم وأنصاره. في حين أن مركز الدولة الإسلامية في هذه السنة لم تعمل بها سوى ثلاث دور ضرب هي: الجزيرة ودمشق وواسط.
إن نظرة سريعة على أعداد وأوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في عام 130هـ تبين ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
24.5 |
2.7 |
44 |
واسط |
25.6 |
2.8 |
7 |
الجزيرة |
24.7 |
2.73 |
4 |
دمشق |
26.7 |
2.83 |
2 |
سجستان |
23 |
2.49 |
1 |
أفريقية |
؟ |
؟ |
؟ |
الأندلس |
في الجدول السابق يتبين أن واسط هي الأغزر إنتاجًا للدراهم في عام 130هـ، تليها الجزيرة ثم دمشق، ثم إن أوزان الدراهم في كل من واسط ودمشق تراجعت تراجعًا ملحوظًا عن السنوات السابقة، ما قد يدل على وجود أزمة حقيقية في تزويد هذه المدن بخام الفضة، أو لأسباب أخرى مجهولة لنا في الوقت الحاضر.
من ناحية أخرى شهدت دراهم دمشق في هذه السنة تراجعًا ملحوظًا في قطر دراهمها. أما الجزيرة فقد كانت هي الأفضل حالًا حسب الوزن والقطر بالمقارنة مع واسط ودمشق.
أما دور الضرب في الجدول أعلاه التي لا يتوافر منها عدد كافٍ من القطع، فلا يمكن تعميم النتائج عليها، ويبقى القول إن قلة ما هو متوافر من قطع تمثل هذه المدن دليل على ضعف إنتاجها.
دراهم عام 131هـ
ضربت الدراهم في هذه السنة في 12 دار ضرب، هي السامية وواسط ودمشق والجزيرة وإفريقية والأندلس والباب والبصرة وبلخ وحديثة والري ومرو.
ثلاثة منها (بلخ، الري، مرو) كانت واقعة تحت سيطرة الثورة العباسية في تلك السنة، في حين أن الدور الباقية وعددها تسع ضربت النقود لمصلحة دولة الخلافة، أربعة منها يحوم الشك حول قيامها بضرب الدراهم في هذه السنة؟ إذ لم يثبت حتى الآن ضربها للدراهم ضربًا قاطعًا، وكل ما هناك هو توارد بعض الإشارات غير الموثوقة حول ضربها للدراهم في هذه السنة، وهي (الأندلس، الباب، البصرة، حديثة).
إن نظرة سريعة على أعداد وأوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في عام 131هـ تبين ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
24.4 |
2.83 |
43 |
السامية |
23.94 |
2.81 |
21 |
واسط |
26.6 |
2.82 |
6 |
دمشق |
25.2 |
2.88 |
5 |
الجزيرة |
25 |
2.76 |
3 |
أفريقية |
فقدت واسط في هذه السنة زعامتها لدور الضرب الأموية لمصلحة دار جديدة ظهرت فجأة هي السامية، إذ تشير الدراسة الإحصائية إلى وفرة إصدار السامية في عام 131هـ أكثر من أية مدينة ضرب أخرى. تليها واسط ثم دمشق والجزيرة، وقد حافظت دور الضرب في هذه السنة على أوزان متقاربة، مع تفوق دار الجزيرة بحكم كونها تضم العاصمة المؤقتة حران.
أما حسب الأقطار فقد حافظت مدن ضرب الشام والجزيرة على أقطار أكبر من مدن الضرب في العراق.
دراهم عام 132هـ
ضربت الدراهم في آخر سنة من الحكم الأموي في تسع دور ضرب هي واسط والجزيرة وإفريقية ودمشق وسجستان والأندلس وبلخ وفلسطين ومرو. منها مدينتا ضرب تحت سيطرة الثورة العباسية (بلخ، مرو)، والمدن السبع الأخرى تابعة لدولة الخلافة. ويوجد داران للضرب يحوم الشك حول ضربهما للنقود في تلك السنة هما دار ضرب الأندلس وفلسطين.
أما نقود فلسطين فقد استبعد ووكر ما نقله عن أحمد ضياء الذي أشار إلى وجود درهم من ضرب فلسطين لعام 132هـ. ووافق مايكل بيتس مع رأي ووكر حول رفض وجود مثل هذا الدرهم، وأضاف بيتس بأن كتاب أحمد ضياء كثير الأخطاء، وغير موضح بالصور، وقال إنه لا يعلم دراهم أموية ضربت في سوريا فيما عدا دمشق.
وقد يكون دلائل عدم إصدار سكة فضية لفلسطين وغيرها من مدن ضرب شامية هو أن مقدار خراجها قدر بالدنانير باستمرار، وذلك حسب ما أوردته المراجع الخاصة بذلك.
إن نظرة سريعة على أعداد وأوزان وأقطار الدراهم في مدن الضرب العاملة في العام 132هـ تبين ما يأتي:
معدل القطر |
معدل الوزن |
العدد |
دار الضرب |
25.3 |
2.7 |
6 |
واسط |
24.7 |
2.81 |
4 |
الجزيرة |
25.5 |
2.85 |
3 |
أفريقية |
25.5 |
2.85 |
1 |
دمشق |
26.5 |
2.6 |
1 |
سجستان |
لا شك أن الأعداد القليلة التي رصدتها للدراهم 132هـ تدل على ضعف الإنتاج في تلك السنة، حتى إن بعض المدن التي كانت مرشحة لأداء دور مركزي في ضرب الدراهم في المستقبل مثل السامية لم تضرب أية نقود في عام 132هـ، ثم إن الأعداد القليلة التي رصدت في مدن الضرب الأموية في هذا العام لا تعطي صورة متكاملة عن معدلات الأوزان والأقطار.
فيما يأتي دراسة مفصلة لدراهم مدن الضرب العاملة جميعها، والمعروفة حتى الآن في عهد الخليفة مروان بن محمد، مرتبة حسب الأهمية:
اقرأ أيضاً فهم التراث الثقافي لإعادة رسم المستقبل
دراهم واسط
ضربت واسط في سنة 127هـ طرازًا واحدًا، لم يتغير في نصوصه سوى التاريخ، دوائر الوجه ثلاث، في حين على الظهر دائرتان، واحدة داخلية وأخرى خارجية كعادة الدراهم الأموية عمومًا، أما الحلقات فهي سبع على الوجه (O O O O O O O)، وخمس على الظهر (55555)، وهذا النمط من الحلقات والدوائر قد عرفته واسط على أحد الطرز الذي ضربته في العام السابق 126هـ، واستمر حتى عام 129هـ، بغض النظر عن تعاقب الأحداث والولاة أو الثوار على المدينة في تلك المدة.
لقد رصدت 34 قطعة من هذا الدرهم، 15 قطعة منها من المتحف العراقي، والباقي من المصادر، تتراوح أوزان هذه القطع بين 2.66-2.92 غم، بمعدل 2.84 غم، والأقطار تراوحت بين 24-27 ملم، بمعدل 25.11 ملم.
لقد انفرد إسماعيل غالب في الإشارة إلى درهم من ضرب واسط عام 127هـ، يحمل ثلاث من حلقات الوجه، وقد نسب هذا الدرهم إلى مدة حكم إبراهيم بن الوليد في بداية عام 127هـ.
لكن مثل هذا الدرهم لم أتحقق من وجوده عن طريق الدراسة الميدانية أو بالمصادر والكاتالوجات التي اطلعت عليها، ما يجعلنا نشكك في صحة ما ذهب إليه غالب.
لقد كان من بين دراهم واسط 127هـ التي عاينتها ميدانيًّا في المتحف العراقي عدد من القطع التي سجل عليها خطأً إملائيًّا تمثل في حذف حرفي (لو) من الآية {ولو كره المشركون} المنقوشة على هامش الظهر، وإن الطريقة التي تمت بها هذه العملية تدل على أن ما حصل ليس خطأً إملائيًّا، بل الراجح هو أن النقّاش اكتشف عندما شارف على الانتهاء من نقش قالب الظهر أن المساحة المتبقية في هامش الظهر لا تكفي لنقش بقية الآية القرآنية كاملة.
فعمد إلى حذف بعض حروف كلمات الآية بحيث لا تؤثر في المعنى، ولا تجلب الانتباه إلى ما حصل فيها من النقص، فحذف كلمة (لو) لتصبح الآية (ليظهره على الدين كله وكره المشركون). وبذلك يكون النقّاش قد تجنب عملية إلغاء قالب السك نهائيًّا، وهو الذي بذل في نقشه الجهد والعناء الكبير.
وقد ضربت واسط في عام 128هـ الطراز ذاته، وإن اللافت للانتباه في دراهم واسط لهذا العام هو أن الخوارج لم يضربوا فيها نقودًا على الرغم من سيطرتهم عليها بعد انضمام عبد الله بن عمر إلى فريق الخوارج المناوئ للدولة الإسلامية، ويبدو أن ذلك مرده إلى قصر المدة التي سيطر فيها الخوارج على واسط من ناحية، وانشغالهم بالحرب في شمال العراق من ناحية أخرى.
وربما أن ما ضربوه كان قليلًا جدًّا بحيث لم يصل إلينا أي درهم منها. وعلى أية حال فلم تنجح حركات المعارضة سواء الخوارج أو غيرهم في تشغيل دار الضرب في واسط لمصلحتهم.
رصدت 33 قطعة من هذا الدرهم، من بينها 14 قطعة من المتحف العراقي، وقطعة واحدة من متحف الآثار الأردني، وقد تتراوح أوزانها بين 2.66-2.93 غم، بمعدل 2.82غم، وتتراوح أقطارها بين 24-26 ملم، بمعدل 24.7 ملم.
وفي عام 129هـ ضربت واسط في هذه السنة طرازين من الدراهم، الخلاف بين الطرازين يكمن في شكل وترتيب حلقات الوجه والظهر، أما الدوائر فهي متماثلة في كلا الإصدارين.
الطراز الأول: استكمالًا لطراز الحلقات الذي عرفته (واسط) في العامين الماضيين، حلقات الوجه سبع حلقات كبيرة (O O O O O O O)، تحيط بثلاث دوائر متلاصقة من الخارج. أما حلقات الظهر فهي خمس متوسطة الحجم (55555) تحيط بالدائرة الخارجية.
الطراز الثاني: حلقات الوجه خمسة أزواج، مثل الحلقات التي ظهرت للمرة الأولى على دراهم الكوفة في سنة 128هـ (55 55 55 55 55)، ويبدو أنه مع توقف دار الكوفة في عام 129هـ عن العمل انتقل عمالها إلى دار واسط المجاورة، إذ نقلوا معهم تقاليدهم في العمل والزخرفة، دوائر الوجه مثل الدرهم السابق. أما حلقات الظهر فهي خمس حلقات، ولكنها أصغر من الطراز السابق (55555)، في حين دوائر الظهر مثل الدراهم الأموية الأخرى.
رصدت 31 قطعة من هذا الدرهم، بينها 8 قطع من المتحف العراقي، وقطعة واحدة من متحف البنك الأهلي الأردني، وقطعة واحدة من متحف الآثار الأردني، وغيرها من المتاحف العالمية مشار إليها في الجدول، تراوحت أوزانها بين 2.61-3 غم، بمعدل 2.83غم، وتراوحت أقطارها بين 23-26.5 ملم، بمعدل 24.4 ملم.
وفي عام 130هـ ضربت واسط طرازًا واحدًا، استمرارًا لأحد الطرز الذي بدأت تضربه في العام السابق، إذ جاءت حلقات الوجه خمسة أزواج (55 55 55 55 55) تتوزع حول الدوائر الثلاث المتلاصقة والمحيطة بكتابة الوجه. ظهر هذا الدرهم يشبه الدراهم الأموية الأخرى في كل شيء.
رصدت 44 قطعة، بينها 18 قطعة من المتحف العراقي، وقطعتان من متحف الآثار الأردني، وقطعة واحدة من كل من متاحف السلط ومادبا والبنك الأهلي الأردنية، تراوحت أوزانها بين 2.52-2.92غم، بمعدل 2.7غم، وأقطارها تتراوح بين 23.5-26 ملم، بمعدل 24.5 ملم.
استمرت واسط في عام 131هـ في ضرب الدراهم على ذات الطراز من الشكل والحلقات والدوائر الذي بدأته في عام 129هـ، وقد رصدت 21 قطعة من هذا الدرهم، بينها 11 قطعة من المتحف العراقي، وقطعة واحدة من متحف البنك الأهلي الأردني، تراوحت أوزانها بين 2.5-3 غم، بمعدل 2.81 غم، في حين تراوحت أقطارها بين 23- 25 ملم، بمعدل 23.94 ملم.
وفي السنة الأخيرة من الحكم الأموي ضربت "واسط" أعدادًا قليلة من الدراهم، مع العلم أن واسط قد تعرضت للحصار مباشرة بعد سقوط المدن العراقية في قبضة القوات العباسية في مطلع عام 132هـ؛ إذ استمر هذا الحصار حتى مقتل الخليفة مروان بن محمد في نهاية عام 132هـ.
ويبدو أن واسط لم تضرب النقود في أثناء مدة الحصار، إذ إن ندرة دراهم عام 132هـ يدل على أن المدينة قد ضربت تلك الدراهم في بداية العام قبيل اجتياح القوات العباسية لمدينة الكوفة ومحاصرة مدينة واسط.
إن طراز واسط لعام 132هـ هو ذاته الذي ضربته منذ عام 129هـ حسب الدوائر والحلقات والشكل العام. وقد رصدت ست قطع من هذا الدرهم، بينها قطع محفوظة في المتحف البريطاني، والمتحف الروسي ومتحف قطر الوطني، تراوح أوزانها بين 2.53-2.91غم، بمعدل 2.7 غم، وتراوحت أقطارها بين 24-27.5 ملم، بمعدل 25.3 ملم.
اقرأ أيضاً المسكوكات الأموية بعد التعريب
دراهم الجزيرة
إن دار الضرب في الجزيرة التي لا نعلم على وجه اليقين في أية مدينة من مدن شمال الرافدين قد ضربت طرازًا واحدًا من هذا الدرهم في عام 127هـ، ونصوصه غير مختلفة عن الدراهم الأموية ما عدا أسم دار الضرب والتاريخ، دوائر الوجه دائرتان تحيط بكتابة الوجه، تليها خمس حلقات (O O O O O) موزعة بمسافات منتظمة، يلي الحلقات دائرة خارجية أخرى، وقد وجدنا هذا النمط من ترتيب الحلقات والدوائر في درهم سجستان السابق الذكر. وكانت على الظهر خمس حلقات صغيرة (55555) موزعة خارج الدائرة الخارجية.
لقد اتخذت الجزيرة هذا النمط في ترتيب الدوائر والحلقات على دراهمها منذ عام 126هـ، أي منذ أعيد فتحها للعمل بعد توقف طويل، ثم استمرت الجزيرة على النمط ذاته في ترتيب الدوائر والحلقات على دراهمها حتى نهاية الحكم الأموي في عام 132هـ، ولم تسجل دراهم الجزيرة تغيرًا يذكر في أثناء مدة 126-132هـ سوى في كلمات التاريخ، وتكون الجزيرة بذلك قد نهجت أسلوب دمشق نفسه في المحافظة على طراز ثابت من دون إحداث أي تغيير عليه.
أما سجستان فالراجح أن تكون قد اقتبست هذا النمط عن الجزيرة لمرة واحدة فقط في عام 127هـ إلى غير عودة إلى ذلك. وما يجعل هذه الفكرة مقبولة هو المكانة التي كانت تتمتع بها الجزيرة في عام 127هـ بوصفها مكانًا أصبح يضم العاصمة الجديدة للدولة الإسلامية، بعد أن نقل مروان بن محمد عاصمته إلى تلك المنطقة.
لقد أصبحت دراهم الجزيرة في السنوات الأخيرة من الحكم الأموي موجودة بوفرة، ويمكن العثور عليها بسهولة، ما يثير التساؤل فيما إذا كان إنتاج الدنانير قد نقل في السنوات الأخيرة أيضًا إلى دار ضرب الجزيرة، أم بقي في دمشق؟
رصدت 6 قطع من دراهم الجزيرة 127هـ، بينها قطعة محفوظة في البنك الأهلي الأردني، تراوحت أوزانها بين 2.8-2.89 غم بمعدل 2.83 غم، وأقطارها تتراوح بين 25-26 ملم، بمعدل 25.6 ملم. ومن بين تلك القطع درهم محفوظ في متحف البنك الأهلي الأردني سجل في هامش الظهر خطأً إملائياً في كلمة (ولو) حيث حذفت اللام.
ومن الجدير بالذكر أن إسماعيل غالب في كاتالوجه (موزة همايون) قد أشار إلى هذا الدرهم ونسبه إلى مدة حكم الخليفة إبراهيم بن الوليد، وذلك من دون إبداء الحجة المقنعة وراء ذلك.
لقد رصدت 15 قطعة من هذا الدرهم في عام 128هـ، بينها قطعتان محفوظتان في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، تراوحت أوزانها بين 2.7-2.92 غم، بمعدل 2.84غم، أقطارها تتراوح بين 25-26 ملم، بمعدل 25.6 ملم.
رصدت سبع قطع من درهم الجزيرة عام 129هـ، بينها قطعة محفوظة في متحف برلين، وأخرى في متحف باريس، وثالثة في المتحف البريطاني، تراوحت أوزانها بين 2.8-2.92 غم، بمعدل 2.85 غم، وأقطارها واحدة (26ملم). وقد رصدت سبع قطع من دراهم عام 130هـ تراوحت أوزانها بين 2.55-2.91 غم، بمعدل 2.8غم، وأقطارها تتراوح بين 25.5-26 ملم، بمعدل 25.6 ملم.
وقد رصدت خمس قطع من هذا الدرهم في عام 131هـ تراوحت أوزانها بين 2.8-2.98غم، بمعدل 2.88غم، وتراوحت أقطارها بين 24-26.5 ملم، بمعدل 25.25ملم.
أما في عام 132هـ فقد ضربت الجزيرة في هذه السنة أنموذجين من الدراهم، وكلاهما استمرار للطراز السابق الذي عرفته في عام 126هـ، الأنموذج الأول كتبت فيه كلمة (ثنتين) من دون ألف، والثاني كتبت (إثنتين) مع الألف. وعلى الرغم من أهمية دار ضرب الجزيرة في تلك المدة؛ فإن العباسيين أغلقوها، ولم تضرب الدراهم في المدة العباسية المبكرة على الأقل.
رصدت أربعة قطع من دراهم الجزيرة 132هـ تراوحت أوزانها 2.73-2.89غم، بمعدل 2.81غم، وتراوحت أقطارها بين 24.5-25 ملم، بمعدل 24.7ملم.
اقرأ أيضاً الخوارج في العصر الأموي.. تعرف الآن
دراهم دمشق
ضربت دمشق في سنة 127 طرازًا واحدًا، وقد كانت نصوص ودوائر وحلقات الوجه والظهر مثل تلك التي كانت في السنة السابقة، (ثلاث دوائر على وجه + دائرتان على ظهر، خمس حلقات صغيرة على كل من الوجه والظهر) وهذا ما يميز دار ضرب دمشق في كونها تحافظ على نمط ثابت ومحدد للخط والدوائر والحلقات.
بلغ عدد القطع التي رصدت في عام 127هـ 12 قطعة، بينها قطعة واحدة محفوظة في المتحف العراقي وأخرى في متحف البنك الأهلي الأردني، تراوحت أوزانها بين 2.78-2.93غم، بمعدل 2.86غم، أما الأقطار فقد تراوحت بين 26-27.5ملم، بمعدل 26.5 ملم.
ومن بين الدراهم التي نسبت إلى دمشق عام 127هـ درهم مزور من النحاس، وهذا الدرهم وإن كان لا يختلف عن الدرهم الرسمي في شيء من النصوص، فإنه يختلف عنه كلياً في شكل الخط، والهيئة العامة للدرهم، إذ يمكن تمييز ذلك بوضوح وسهولة، فضلًا على وزن القطعة المزورة المتواضع الذي يبلغ الآن 2.14غم، أما القطر فهو 28 ملم، وهو بذلك أكبر من المعدل العام لأقطار دراهم دمشق عام 127هـ.
وهذا يدل على أن تزييف هذا الدرهم كان خارج دار الضرب، وربما في مدينة أخرى غير دمشق.
وفي عام 128هـ رصدت خمس قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة محفوظة في المتحف العراقي، تتراوح أوزانها بين 2.74-2.94 غم، بمعدل 2.87 غم، وأقطارها تتراوح بين 26-27 ملم، بمعدل 26.5 ملم.
ويُعد درهم دمشق في عام 129هـ درهم نادر جدًّا، حتى إن المصادر والكاتالوجات المهمة في العالم لم تشر إليه من قريب أو من بعيد. والقطعة التي نكتب عنها في هذا البحث يملكها ميشيل كلات Michel G. Klat، كان قد نشرها في كاتالوجه عن الدراهم الأموية في عام 2002م، وزن هذا الدرهم 2.87 غم، وقطره 26.5 ملم.
إن دراهم دمشق للسنوات الأخيرة من الحكم الأموي نادرة الوجود، إذ إن ثلاثًا من السنوات الأربع الأخيرة من الحكم الأموي غير ممثلة في كاتالوج (ووكر) مثلًا، على الرغم من أنه ثبت مؤخرًا وجود التواريخ كلها التي كانت مفقودة، وإن تلك الندرة في دراهم دمشق ذات التواريخ المتأخرة ناتج عن إعادة سك الدراهم في دار ضرب (الجزيرة) منذ سنة 127هـ/744م.
لا سيما بعد أن جعل الخليفة مروان بن محمد من حران عاصمة له من الناحية العملية. فواردات الخلافة أصبحت تذهب إلى دار سك في بلاد ما بين النهرين، وهي التي كانت سابقًا تغذي دار الضرب في دمشق، فضلًا على ذلك فإن عدم ولاء الجزء الشرقي من بلاد الخلافة كان سببًا في الإقلال من واردات الخلافة.
ويعد درهم دمشق في عام 130هـ نادرًا؛ إذ لم تشر إليه إلا القليل من المراجع. وهو لا يختلف عن الدراهم الدمشقية الأموية الأخرى حسب الدوائر أو الحلقات أو النصوص.
لقد رصدت أربع قطع من هذا الدرهم، بينها قطعتان من المتحف العراقي نشرهما النقشبندي، تراوحت أوزانها بين 2.5-2.91 غم، بمعدل 2.73غم، وأقطارها تتراوح بين 23.5-26.5 ملم، بمعدل 24.7 ملم.
لا بد من الإشارة هنا إلى درهم نحاسي مزور يحمل اسم دمشق 130هـ، وهذا الدرهم المزور لا يختلف عن درهم دمشق السالف الذكر حسب الشكل العام (النصوص، الدوائر، الحلقات)، فإن الدرهم أصبح الآن غير مستدير، ويبدو أن ذلك قد حدث بسبب كثرة الأخذ من أطرافه، إذ أصبح له ما يشبه السبعة أضلاع، إن وزن هذا الدرهم (2) غم، وقطره (25) ملم، وتعلوه طبقة من الصدأ ذات لون برتقالي مائل إلى الاصفرار، ويبدو أن هذا النقد النحاسي قد طُلي بمادة الزئبق أو القصدير.
ما أدى إلى ظهور لون لمّاع يشبه الفضة، وطبقة القصدير هذه لا تزول إلا بعد مدة طويلة من الاستعمال، إذ يبدأ النحاس بعدها بالبروز على شكل نقاط. ويبدو أن عمليات القص التي تعرض لها هي بسبب الشك الذي حام حوله؛ إذ لا يمكن كشف زيف هذا النقد إلا بالقص، ما أدى إلى هذا الشكل المضلع، ونقص وزنه إلى هذه الدرجة.
إن الدلالة الإعلامية الاقتصادية والسياسية في هذا النقد تكمن في معدنه (النحاس)، فالمعروف أن الدراهم الأموية كانت من الفضة؛ إذ اهتم الأمويون في ذلك وسعوا منذ بداية القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي إلى تجويدها وتنقيتها، لكن وجود مثل هذا الدرهم يعيد إلى الأذهان إمكانية تزييف الدراهم.
إذ استمر التزييف طوال العصور قبل وبعد الإسلام على الرغم من التشديد الذي كان يبديه الخلفاء والقائمون على ضرب النقود في الدولة الإسلامية، إذ عَدَّ عبد الملك التزييف جريمة يعاقب عليها عقابًا صارمًا.
وقد تنوعت طرق التزييف واتخذت أشكالاً مختلفة، عُرف منها العيار الرديء، والتبطين بالنحاس كما هو الحال في هذا الدرهم، وهو عملية تمويه على المتعامل بهذه النقود، وغش له، ولا يظهر إلا بكسره أو بالحك أو بمرور الزمن، ويمكن الآن كشف ذلك بالتحاليل المخبرية.
إن ضرب الدراهم من النحاس لم يُعرف قبل القرن السادس الهجري في عهد نور الدين زنكي 541-569هـ/1146-1173م.
لذا فإن هذا الدرهم النحاسي له دلائله الإعلامية الخاصة على هذه المدة المضطربة من الحكم الأموي، فهي مدة فتن وحروب وحركات خارجة ومعارضة للدولة الأموية في شتى بقاع المعمورة. من منظور آخر فإن هذا الدرهم من الإتقان بمكان يجعلنا نشك أن يكون أعداء مروان بن محمد قد استغلوا غيابه عن دمشق -إذ كان يتخذ من حران في بلاد الجزيرة مقرًّا له- وضربوا هذا الدرهم لخلق بلبلة اقتصادية ضده.
ونظرًا لأن نمط الخط على هذا الدرهم المزيف يشبه تشابهًا كبيرًا نمط الخط على دراهم دمشق الرسمية، فإن ذلك يدعو إلى الشك بأن يكون قالب الدرهم الأصلي قد سُرق من دار الضرب الرئيسة، أو إن النقاش الذي يعمل في دار دمشق هو الذي زور قالبا آخر خارج دار الضرب الرسمية.
بقي أن نشير إلى أن عملية التزوير هذه في دمشق لم تكن الأولى، إذ كانت عملية أخرى في عام 127هـ، ولكن نوع الخط وشكل القالب كان مختلفًا عن الدرهم الأصلي كما ذكر أعلاه.
وقد استمرت دمشق في عام 131هـ تضرب الدراهم على الطراز السابق ذاته في السنوات الماضية. رصدت ست قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة محفوظة في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، وأخرى في المتحف البريطاني، وثالثة في متحف برلين، تراوحت أوزانها بين 2.62-2.94 غم، بمعدل 2.82غم، وتراوحت أقطارها بين 25.5-27.5 ملم، بمعدل 26.6 ملم.
وفي عام 132هـ ضربت دمشق طرازين مختلفين، الطراز الأول كان استمرارًا للطراز الأموي السابق الذي حافظت عليه منذ عام 79هـ، والطراز الثاني هو الذي أبدعه العباسيون بمجيئهم إلى السلطة في عام 132هـ. إذ تغيرت فيه مأثورة قالب الظهر من سورة الإخلاص إلى مأثورة (محمد / رسول / الله) في ثلاثة أسطر.
لقد كان ضرب الدراهم في دمشق بالذات من قبل العباسيين في السنة نفسها التي تسلموا فيها السلطة 132هـ/749م له دلالة سياسية ومعنوية، ترمز إلى سقوط الدولة الأموية وخضوع عاصمتهم التاريخية في أيدي القوات الجديدة. ولعل ذلك يمثل دليلًا على أن دمشق لا زالت تتمتع بقيمة معنوية وسياسية كبيرة، على الرغم من انتقال مروان بن محمد إلى حران في بلاد الجزيرة.
التركيز في هذا الفصل كان على الطراز الأول من درهم دمشق لعام 132هـ، وقد رصدت قطعة واحدة من هذا الدرهم محفوظة في مجموعة Klat الخاصة، وزنه 2.85 غم، وقطره 25.5 ملم.
دراهم سجستان
بواسطة النقود التي وصلتنا يمكن القول إن سجستان عادت إلى ضرب الدراهم في عام 127هـ بعد توقف دام نحو ربع قرن، عرف من هذا الدرهم طراز واحد فقط في عام 127هـ، ونصوصه مثل الدراهم الأموية السابق ذكرها، الدوائر على وجه هذا الدرهم كانت دائرتان محيطة بالهامش، ودائرة أخرى خارج الحلقات، وحلقات الوجه سبع حلقات داخل كل منها نقطة (● ● ● ● ● ● ●)، أما حلقات الظهر فهي خمس حلقات صغيرة (5 5 5 5 5)، كما يوجد أسفل الظهر نقطة.
لقد رصدت قطعتان من هذا الدرهم، (إحداها محفوظة في المتحف البريطاني، والآخر ضمن مجموعة كلات Klat الخاصة)، تراوح أوزانها بين 2.71- 2.75غم، بمعدل 2.73غم، وقطرها تراوح بين 25.5-27 ملم بمعدل 26.2 ملم.
وفي عام 128هـ ضربت سجستان طرازًا واحدًا من الدراهم يختلف عن الطراز السابق، دوائر وحلقات الظهر لا تختلف عن الدراهم الأموية السابقة الذكر، في حين أن حلقات الوجه صارت خمس حلقات تتخللها خمسة تجمعات من النقاط، كل منها عبارة عن ثلاث نقاط بشكل مثلث، وتلك الحلقات والنقاط تنحصر بين دائرتين متلاصقتين من الداخل ودائرة أخرى خارجية (\ O \ \O O \\O O).
إن هذا الترتيب من الحلقات والدوائر على دراهم سجستان يظهر للمرة الأولى والأخيرة في عام 128هـ، وإن كانت الفكرة ذاتها من تعاقب الحلقات مع النقاط الثلاثية قد ظهرت على دراهم المباركة في الأعوام 118-120هـ، فإنها كانت بترتيب مختلف عما وجد في درهم سجستان.
رصدت قطعة واحدة من هذا الدرهم نشرها كلات Klat في كتابه عن الدراهم الأموية المعربة، ما يدل على أنه درهم نادر جدًّا، وزنه 2.8 غم، وقطره 26 ملم.
إن ما قيل عن درهم دمشق 129هـ وفقًا لندرته يمكن أن يقال أيضًا عن درهم سجستان للسنة نفسها، فقد ضربت سجستان في هذه السنة طرازًا واحدًا، يشبه في نصوصه الدرهم السابق. دوائر الوجه عبارة عن دائرتين تحيطان بكتابة الوجه، تليها خمس حلقات كبيرة الحجم (O O O O O)، والكل محاط من الخارج بدائرة خارجية. أما الظهر فلا يختلف عن الدراهم الأموية الأخرى في شيء.
لقد تعرفت على قطعة واحدة من هذا الدرهم محفوظة في مجموعة Klat الخاصة وزنها 2.67غم، وقطرها 25.5ملم.
ضربت سجستان في سنة 130هـ طرازين من الدراهم، لا سيما وأنها دار الضرب الوحيدة التي بقيت تعمل لمصلحة دولة الخلافة خارج سيطرة حركات المعارضة في شرق العالم الإسلامي في عام 130هـ، وإن الاختلاف بين الطرازين كان في حلقات الوجه فقط:
الطراز الأول: حلقات الوجه الخمس كبيرة الحجم، تتقاطع مع دوائر الوجه الثلاث المتلاصقة التي تدور حول كتابة الوجه (O O O O O). وهذا الطراز قد ابتكر على ما يبدو في دراهم سجستان في العام السابق129هـ. إلا أنه غُير إلى طراز ثانٍ.
الطراز الثاني: حلقات الوجه أربعة أزواج، تتقاطع هي الأخرى مع دوائر الوجه الثلاث، كما في الحالة الأولى (55 55 55 55).
ومن الجدير بالذكر أن سجستان كانت في كل سنة جديدة تغير من طرازها في ترتيب وعدد وشكل حلقات الوجه والظهر على الدراهم، إذ استمر ذلك في كل سنة من السنوات التي ضربت فيها خلال القرن الثاني الهجري من الحقبة الأموية، (سنوات 100- 102، 127-130، 132هـ)، وكثيرًا ما كانت تستعمل في السنة الواحدة أكثر من طراز واحد. وذلك على عكس سياسة الاستمرار على طراز واحد كما هو الحال في مدينة دمشق على سبيل المثال.
أما النصوص فلا جديد فيها سوى التاريخ، ثم إن قالب الظهر لا يختلف شيئًا عن الدراهم الأموية المعاصرة. رصدت قطعتان من هذا الدرهم أوزانها 2.83غم، وأقطارها 26.5-27 ملم.
لم نعثر على دراهم من ضرب سجستان في عام 131هـ، كما لم تنشر الكاتالوكات المختصة أي إصدار لها في تلك السنة، ولعل الأحداث الجسام التي عصفت بتلك المنطقة الشرقية من العالم الإسلامي قد أثرت تأثيرًا كبيرًا على ضرب النقود فيها في تلك السنة، ثم إن الدراهم في السنة اللاحقة كانت نادرة أيضًا.
ومن الأمور الملاحظة أن درهم سجستان لعام 132هـ يشبه درهم مرو للسنة نفسها مع الاختلاف في عدد حلقات الوجه والظهر، مع العلم أن مرو خضعت لسيطرة أبي مسلم منذ عام 130هـ، وضربت نقودًا في عام 130هـ تحمل الشعار العباسي، ثم عادت في عام 131، 132هـ لتضرب النقود خالية من أي شعار. فهل كان ما ضربته سجستان ومرو في العام 132هـ خاضع للظروف نفسها أم لا؟
بقيت سجستان تضرب الدراهم لمصلحة دولة الخلافة حتى السنة الأخيرة من الحكم الأموي، غير عابئة بما كان يدور من أحداث في بلاد خراسان المجاورة الأخرى، ويبدو أن المناطق الجنوبية من خراسان وما يمثل اليوم جنوب أفغانستان كانت بمنأى عن سيطرة الثورة العباسية التي اجتاحت في عام 132هـ معظم أقاليم الدولة الإسلاميةالشرقية.
إذ إن الطراز الذي ضربته في عام 132هـ كان طرازًا أمويًّا خاليًا من أية شعارات أو إشارات عباسية. ثم إن التشابه مع درهم مرو في عام 132هـ ناتج عن تقليد دار ضرب سجستان لدراهم المدن المجاورة، تماشيًا مع سياسة دار سجستان في تغير الطراز الذي تضرب به في كل سنة جديدة. أما مدينة مرو فسوف أتحدث عنها في الفصل القادم.
إن حلقات الوجه في درهم سجستان 132هـ خمسة تجمعات، كل تجمع عبارة عن ثلاث حلقات في شكل مثلث (\ \ \ \ \)، وتحيط هذه الحلقات بثلاث دوائر، أما حلقات الظهر فعددها ست، ولا تظهر جميعها بسبب تآكل أطراف الدرهم؟ (5555)55. وقد رصدت قطعة واحدة من هذا الدرهم وزنها 2.6غم، وقطرها 26.5 ملم.
دراهم الكوفة
لقد دار جدل كبير حول قيام دار الكوفة بضرب الدراهم أم لا في عام 127هـ، لا سيما وأن دار ضرب الكوفة توقفت عن العمل منذ عام 108هـ، وكانت كلمة سبع يقرأها بعضهم تسع، ما جعل بعضهم يشكك في نسبة هذا الدرهم إلى الكوفة لعام 127هـ، في حين رجح (ووكر) أن تكون سبع وعشرين، لدرجة أنه قال إن دراهم الكوفة المؤرخة 129هـ هي في الغالب 127هـ.
ضربت الكوفة في هذا العام طرازًا واحدًا، وقد نشر مايلزMiles صورة لوجه هذا الدرهم تظهر فيها دوائر وحلقات الوجه وعددها ثلاث دوائر، وخمس حلقات (5 5 5 5 5)، وهو بذلك يختلف عن درهم الكوفة 129هـ الذي كانت حلقاته خمسة أزواج من الحلقات على وجه الدرهم (55 55 55 55 55). أما وزنه 2.77 غم، وقطره 24 ملم.
ومما يلفت الانتباه في دراهم الكوفة للأعوام 108، 127، 128، 129هـ أنها ذات أقطار متساوية مقداره 24ملم فقط، ويبدو أن ذلك أصبح ميزة خاصة بدراهم الكوفة. وعلى أية حال فإن دار الكوفة لم تكن دار ضرب مهمة في عام 127هـ، بدليل ندرة ما نحصل عليه من ضرب هذه الدار في تلك السنة.
وفي العام التالي ضربت الكوفة طرازين من الدراهم، الأول على يد الخوارج. والثاني درهم أموي عادي ضرب بعد استرداد المدينة على أيدي القوات الأموية، ويبدو أن ضرب هذا الدرهم كان بمنزلة الإعلان عن عودة المدينة إلى العصمة الأموية في السنة نفسها التي أعلن الخوارج سيطرتهم عليها عن طريق ضرب نقدهم المؤرخ 128هـ.
ومع ذلك لم يحمل هذا الدرهم أية إشارة لذلك، والسبب هو أنه باستثناء نقود الثوار لم تكن النقود الرسمية في ذلك الوقت تحمل أية إشارات إلى حاكم أو مناسبة خاصة أو غير ذلك.
النصوص والدوائر لم تختلف عن درهم دمشق السابق أما الحلقات فكانت كما يأتي:
حلقات الوجه خمسة أزواج (55 55 55 55 55)، ظهرت المرة الأولى على دراهم الكوفة عام 128هـ، ثم انتشر استعمال هذا النمط في دراهم واسط والسامية وغيرها في السنوات اللاحقة. أما حلقات الظهر فهي مثل الدراهم الأموية خمس حلقات صغيرة موزعة على الدائرة الخارجية (55555).
رصدت 10 قطع من هذا الدرهم، بينها قطع محفوظة في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والمتحف البريطاني، ومتحف إسطنبول والمتحف العراقي، تتراوح أوزانها بين 2.83-2.95 غم، بمعدل 2.90 غم، وتتراوح أقطارها بين 24-27 ملم، بمعدل 25.25 ملم.
وفي عام 129هـ ضربت الكوفة الدراهم على الرغم من تشكيك البعض في قراءة تاريخ هذا الدرهم كما سبق ذكره، ولكن من الثابت الآن أن الكوفة ضربت الدراهم الأموية في السنوات الثلاث 127، 128، 129هـ. وكان درهم الكوفة في سنة 129هـ هو إصدارها الأخير في العهد الأموي، وهو لا يختلف عن نقدها الأموي من السنة السابقة 128هـ سواء كان ذلك من حيث النصوص أو الدوائر أو الحلقات، ما عدا التاريخ.
رصدت خمس قطع من هذا الدرهم، بينها قطع محفوظة في المتحف البريطاني ومتحف برلين والمتحف الروسي، تتراوح أوزانها بين 2.8-2.94 غم، بمعدل 2.87 غم، وقطره 24 ملم.
دراهم إفريقيا
لم يُعثر على دراهم من ضرب إفريقية في السنتين 126، 127هـ، وقد تكون دار الضرب قد توقفت عن إصدار الدراهم بعد عام 125هـ، ثم عادت إلى الضرب في عام 128هـ، إذ عرفت طرازًا واحدًا لم يختلف في نصوصه عن الدراهم الأموية العادية إلا في اسم دار الضرب والتاريخ.
إن دوائر الظهر في هذا الدرهم دائرتان؛ الأولى تحيط بالمركز، والثانية خارجية تحيط بالهامش، أما دوائر الوجه فإنهما دائرتان تحيطان بكتابة الوجه، يليهما خمس حلقات صغيرة (55555)، ثم دائرة ثالثة خارجية تحيط بالحلقات، أما حلقات الظهر فهي مثل حلقات الوجه تمامًا (55555) تتوزع على دائرة الظهر الخارجية.
ومما تجدر ملاحظته هنا أن أهم ما يميز هذا الطراز هو نقش نجمة ثمانية مكونة من تقاطع أربعة خطوط قصيرة، مثبتة أسفل كتابة مركز الوجه، تحت حرف الكاف في كلمة "شريك". وهذا النمط من ترتيب الدوائر والحلقات والنجمة استمر حتى العام التالي 129هـ على دراهم إفريقيا ثم اختفى.
رصدت ثلاث قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة محفوظة في المتحف البريطاني وأخرى نشرها "العش" ضمن مجموعة كنز دمشق الفضي، تتراوح أوزانها بين 2.85-2.88غم، بمعدل 2.86غم وأقطارها تتراوح بين 26-26.5 ملم، بمعدل 26.25 ملم.
دوائر وحلقات دراهم إفريقية 129هـ مثل درهم إفريقية في العام السابق تمامًا. لقد رصدت قطعة واحدة فقط من هذا الدرهم، كُشف عنها ضمن كنز دمشق الفضي، وزنها 2.83غم، وقطرها 25.5 ملم.
ضربت إفريقية في سنة 130هـ طرازًا واحدًا من الدراهم، ويُعد هذا الدرهم نادرًا، ولم تذكره أي من المصادر والكاتالوجات المشهورة في العالم، وقد ورد ذكره ضمن مجموعة كلات Klat الشخصية. نصوص ودوائر وحلقات هذا الدرهم لم تختلف في شيء عن درهم إفريقية في العام السابق، ولم تعد تظهر النجمة أسفل الوجه. وقد رصدت قطعة واحدة من هذا الدرهم وزنها 2.49غم، وقطرها 23 ملم.
أما القطعة الأخرى التي أشار إليها حتاملة في رسالته للماجستير عن النقود الأموية في متحف الآثار الأردني (متحف القلعة في عمان) فهي موضع شك، لعدم تحقق الباحث من القراءة السليمة لها.
ضربت إفريقيا في سنة 131هـ طرازًا واحدًا، وهو لا يختلف عن طراز السنة الماضية إلا في التاريخ. وقد سجل خطأً إملائيًّا في السطر الأول من كتابة مركز الظهر في كلمة (أحد) إذ جاءت الكتابة (اللـه حد اللـه)، وقد استمر هذا الخطأ في السنة التالية 132هـ مع العلم أن القالب كان مختلفًا.
لقد ظهرت على النقود العربية عامة أخطاء نحوية وإملائية، لا سيما النحاسية منها، وقد يعزى ذلك إلى إهمال القائمين أو المشرفين على ضرب النقود، أو لربما كان الفنان أو النقاش الذي يرسم النصوص على القالب قليل الخبرة باللغة العربية، وبقواعدها ورسم حروفها، إذ كان ينقل الكلمات من دون الالتفات إلى ما فيها من أخطاء.
وإذا كان الصفح عن مثل هذه الأخطاء جائزًا على الآثار الأخرى، كالحجر والخشب، أو النسيج أو غيرها؛ فإن ذلك غير جائز على النقود التي تمثل الجانب الرسمي لاقتصاد الدولة، فالخطأ فيها يعني التقصير في الواجب القومي، فضلًا على ضياع هيبة الحاكم نفسه.
أما إذا كان الخطأ يتعلق بآية من القرآن الكريم على النقود، كما حصل في هذا الدرهم ودرهم واسط 127هـ فإن الأمر يبدو أكثر خطورة.
رصدت 3 قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة واحدة في متحف باريس، تراوحت أوزانها بين 2.7-2.82غم، بمعدل 2.76غم، وأقطارها 25 ملم.
وفي السنة الأخيرة من الحكم الأموي 132هـ ضربت إفريقية درهمًا على الطراز السابق ذاته في السنة الماضية. وقد رصدت ثلاث قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة في المتحف البريطاني وأخرى في المتحف الروسي، والثالثة في مجموعة Klat الخاصة وزنها 2.85 غم، وقطرها 25.5 ملم.
دراهم الأندلس
أشار ووكر إلى درهم الأندلس المضروب في سنة 127هـ من دون ذكر أية تفاصيل أخرى. في حين لم تذكر أي من المصادر المهتمة بالمسكوكات شيئًا عنه، كما لم نعثر عليه في المتاحف التي تيسر لنا الإطلاع عليها في العراق والأردن، ما يترك المجال مفتوحًا حول احتمال ظهور هذا الدرهم في مكان ما.
ولم نعثر في عام 128هـ على دراهم من ضرب الأندلس. أما عام 129هـ فقد ضربت الأندلس طرازًا واحدًا من الدراهم، وكان آخر درهم جرى التحقق منه للأندلس قد ضرب في هذا العام في الفترة الأموية.
ولم يختلف طراز هذا الدرهم عن الطراز الذي ضربته الأندلس في عام 125هـ، حسب الدوائر والحلقات والشكل العام (55 55 55 55)، والشيء الوحيد المتغير هو التاريخ فقط، ولم نتمكن في أثناء الدراسة من رصد أية دراهم من ضرب الأندلس في المدة 125-128هـ.
لقد رصدت قطعتان من هذا الدرهم، بينها قطعة محفوظة في المتحف البريطاني، الأوزان تتراوح بين 2.86-2.9 غم، وقطرها 26 ملم.
أما درهم الأندلس المضروب في سنة 130هـ فقد أشار إليه كل من ووكر وتيزنهاوزن في كاتالوجاتهما عن المتحف البريطاني وأحد المتاحف الروسية، من دون ذكر أية تفاصيل أخرى، ما أبقى المعلومات عنه قليلة وناقصة، ويبدو أن الأندلس قد ضربت فعلًا عددًا قليلًا من هذا الدرهم في بداية عام 130هـ قبل أن تتوقف عن الضرب بقية الحقبة الأموية، ما سمح لبعض الباحثين الإطلاع على إحدى نماذج هذا الإصدار الفريد، في حين لم تسنح الفرصة لكثيرين للاطلاع على مثل هذه القطعة النادرة جدًّا.
دراهم السامية 131هـ:
لم تضرب السامية في أثناء الحكم الأموي الدرهم إلا في عام 131هـ، وقد كان إنتاج هذه الدار في هذه السنة من الغزارة إلى أن تجاوزت في ذلك ما عرف عن واسط من غزارة الإنتاج. وهي ميزة لم تحظ بها حتى العاصمة الأموية نفسها. الطراز الوحيد الذي ضربته السامية في تلك السنة ضم ثلاث دوائر متلاصقة محيطة بكتابة الوجه، تحيط بها خمسة أزواج من الحلقات (55 55 55 55 55).
أما الظهر فلا يختلف عن الدراهم الأموية في تلك السنة في شيء، والجديد في نصوص الوجه هي عبارة الهامش (بالسامية سنة احدى وثلثين ومئة).
رصدت 43 قطعة من هذا الدرهم، بينها 14 قطعة محفوظة في المتحف العراقي، وقطعة في متحف الآثار الأردني، تراوحت أوزانها بين 2.65-3.05 غم، بمعدل 2.83 غم، وتراوحت أقطارها بين 23.5-27 ملم، بمعدل 24.4 ملم.
دراهم البصرة 128هـ
عادت مدينة البصرة في هذه السنة إلى الضرب لمرة واحدة فقط، بعد توقف دام ربع قرن، منذ عام 103هـ، ضربت طرازًا واحدًا فقط، ثم اختفت دراهمها ثانية بقية الحقبة الأموية. ويأتي تفسير هذه الظاهرة ضمن السياق العام لما جرى في عام 128هـ من تقطع أوصال الدولة الإسلامية، لا سيما منطقة العراق وشرق العالم الإسلامي، نتيجة ظهور حركات المعارضة وسيطرتها على تلك المناطق.
وإن دور الضرب جميعها التي ظهرت فجأة تقع ضمن هذه المنطقة الجغرافية المضطربة من العالم الإسلامي. وإذا كنا نفهم دوافع المتغلبين في ضرب نقود خاصة بهم؛ فما هو الدافع وراء ضرب نقود في البصرة القريبة من مركز الدولة الإسلامية؟ ثم اختفاء تلك الإصدارات في الأعوام اللاحقة؟
لا شك في هذه الحالة أن ضرب البصرة للنقود كان نتيجة ظروف طارئة في عام 128هـ، عولجت في الأعوام التالية، بمعنى أن ضرب البصرة للنقود لم يكن سياسة عامة تتبعها الدولة بحجة عجز دور الضرب العاملة عن الوفاء بالتزاماتها، وإذا علمنا أيضًا أن البصرة في تلك الحقبة بقيت تحت سيطرة القوات الحكومية.
يتبين لدينا أن حاكم البصرة في تلك السنة ضرب الدراهم ضمن حالة عدم المركزية الإدارية من أجل تسيير أمور الحياة في المدينة بعد أن أصبحت البصرة معزولة عن أقاليم الدولة الإسلامية الأخرى.
إذ يحدها من الشرق بلاد فارس التي يسيطر عليها عبد الله بن معاوية، ومن الشمال مدينتا واسط والكوفة التي يسيطر عليها الضحاك الخارجي، وبذلك كان لا بد لهذه المدينة من الاستمرار في حياتها الطبيعية، ضمن المحافظة على الولاء للدولة الإسلامية.
فلجأ حاكمها إلى إعادة فتح دار الضرب في البصرة بعد ذلك التوقف الطويل عن العمل، وبعد زوال خطر الخوارج من أرض العراق عادت البصرة إلى التواصل الجغرافي والإداري مع مركز الدولة الإسلامية، فلم يعد هناك حاجة إلى الاستمرار في ضرب النقود، ما يفسر توقفها عن الضرب ثانية في السنوات الباقية من الحكم الأموي.
لم يكن درهم البصرة 128هـ يختلف عن غيره من الدراهم الأموية في النصوص، ودوائر الوجه عبارة عن ثلاث دوائر تحيط بها سبع حلقات (5555555) موزعة بمسافات متساوية عليها، وتوجد دائرتان على الظهر الأولى داخلية والأخرى خارجية تتوزع عليها خمس حلقات صغيرة (55555).
رصدت سبع قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة في المتحف البريطاني وأخرى في متحف برلين، تتراوح أوزانها بين 2.65-2.95غم، بمعدل 2.85غم، وأقطارها تتراوح بين 24.5-26ملم، بمعدل 25.1ملم.
دراهم بلخ 128هـ
ضربت بلخ في عام 128هـ طرازًا واحدًا من الدراهم، وكان آخر درهم ضربته في عام 124هـ. ويلاحظ عليها أن دوائر الوجه عليها ثلاث، تتوزع حولها من الخارج أربع حلقات، أما دوائر الظهر فلا جديد فيها عن الدراهم الأموية : دائرة داخلية وأخرى خارجية تتوزع حول الدائرة الخارجية خمس حلقات صغيرة (55555).
رصدت 6 قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة في متحف قطر الوطني، وأخرى في المتحف البريطاني، تتراوح أوزانها بين 2.38-2.85غم، بمعدل 2.69غم، ومعدل أقطارها 26 ملم.
دراهم الباب 128هـ
من خلال النقود التي وصلت إلينا يمكن القول أن الباب قد ضربت في هذا العام طرازًا واحدًا، بعد توقف في العام السابق، كما توقفت الباب بعد عام 128هـ عن ضرب الدراهم في العهد الأموي. دوائر الوجه عبارة عن دائرتين متلاصقتين تحيطان بكتابة الوجه، تليها ثلاث حلقات متداخلة موزعة خارجها، ثم دائرة أخرى تحيط بالحلقات من الخارج. أما الظهر فهو مثل غيره من الدراهم الأموية فيما يتعلق بالدوائر والحلقات.
رصدت خمس قطع من هذا الدرهم، بينها قطعة محفوظة في متحف باريس، تتراوح أوزانها بين 2.5-2.83 غم بمعدل 2.68 غم، وأقطارها تتراوح بين 24.5-25ملم، بمعدل 24.75 ملم.
دراهم كرمان 129هـ
ضربت دار كرمان في هذه السنة درهمًا يُعد نادرًا جدًّا، نصوصه مثل الدرهم السابق باستثناء عبارة (بكرمان سنة تسع وعشرين ومئة). إن دار الضرب في هذه المدينة توقفت عن العمل منذ عام 103هـ/721م إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما وصلتنا من مسكوكات، وقد عادت في سنة 129هـ لتضرب عددًا قليلًا من هذا الدرهم، ثم تعود للتوقف مرة أخرى بقية الحكم الأموي.
حلقات الوجه عبارة عن ست حلقات تحدها من الداخل دائرتان ومن الخارج دائرة. أما الظهر فهو لا يختلف عن غيره من الدراهم الأموية. وفضلًا على ندرة هذا الدرهم -الذي نشره "ووكر"- فإن وزنه أكبر من المتوقع، إذ بلغ 3.05 غم، وقطره 24.5 ملم، مع العلم أن الدرهم قد تعرض لتآكل أطرافه الخارجية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.