في 4 نوفمبر 1922 كان هوارد كارتر يعمل في ترميم مدخل نفق قبر رمسيس السادس في وادي الملوك في الأقصر، وأرسل أحد العمال لإحضار مياه لتساعدهم في أعمال التنقيب.
أحضر العامل زلعة فخارية ممتلئة بالمياه، ثم أحضر حجرًا حفر به مكانًا صغيرًا لتقف به الزلعة، وفي أثناء حفره بهذا الحجر وجد درجة سلم رخامية، فانطلق لينادي مستر كارتر الذي ترك عمله وانطلق مع العامل جريًا ليبدأ الحفر بهدوء، ويظهر السلم درجة وراء أخرى.
مقبرة مكتظة بالكنوز
كان في ذلك الوقت قانون يسمح لأي شخص يكتشف مقابر فرعونية أن يحصل على مكافأة مجزية من الدولة إذا كانت المقبرة جديدة ومحتوياتها كاملة، أما لو كانت المقبرة مفتوحة ومسروقًا منها بعض محتوياتها فيكون له الحق أن يأخذ ربع محتوياتها، فاتصل كارتر بصديقه اللورد جورج كارنارفون لكي يموِّل الحفر ويقسموا نصيبهم معًا، واتصل بصحيفة التايمز ووقَّع معهم عقد احتكار لكل صور وأخبار الاكتشاف.
في 16 فبراير 1923 استطاع كارتر أن يصل إلى باب المقبرة، ووجد عليها ختم واسم الملك، وعرف أن المقبرة جديدة واكتشاف جديد، وتمكَّن من فتح المقبرة، وعرف أن المقبرة هي مقبرة الملك توت عنخ آمون، وكانت المقبرة كاملة ولم يتمكن أحد من الوصول إليها قبله.
فاتفق مع اللورد كارنارفون أن يقولوا إن المقبرة كانت مفتوحة قبل ذلك ومسروقة ليحصلوا على ربع الكنوز التي في المقبرة.
وفعلًا أبلغوا الحكومة المصرية أن المقبرة مفتوحة من قبل ومسروقة، ولكن وزير الأشغال المصري حافظ حسن باشا كان له عيون من العاملين في المقبرة، فعرف أن المقبرة جديدة ومكتظة بالكنوز، وبمجرد أن أبلغ هوارد كارتر بأن المقبرة مفتوحة ومسروقة أصدر حافظ باشا أمرًا بالتحفظ على المقبرة وغلقها، وذهبت قوة من الشرطة وأغلقت المقبرة، ومنعت كارتر وعماله من الاقتراب من المقبرة.
ذهب اللورد كارنارفون وهوارد كارتر إلى يحيى إبراهيم باشا رئيس الوزراء ليقدما اعتذارهما عمَّا حدث، ويطلبا من دولة رئيس الوزراء إلغاء قرار التحفظ على المقبرة، والسماح لهما باستكمال التنقيب. فوافق يحيى باشا بعد كتابتهما تعهدًا بأن المقبرة كاملة، وبشرط أن يكون معهما مراقب مصري لحصر المقتنيات. فوافقا على كل شيء، ولكن رفضا وجود مراقب مصري، فقرر يحيى باشا منعهما من دخول الأقصر كلها.
هوارد كارتر والقضاء المصري
رفع كارتر قضية ضد الحكومة المصرية لإلزامها بالموافقة على استكمال عمله، وحكمت المحكمة بأن يكمل كارتر عمله في التنقيب، لكن الحكومة طعنت على الحكم ورفضت التنفيذ؛ لأن قرارها من أعمال السيادة. فقدم كارتر شكوى لمجلس العموم البريطاني، وأجَّل مجلس العموم مناقشة الشكوى أكثر من مرة، وكارتر يقدم التماسات لبحثها.
وفي يوم 12 فبراير 1924 أصدر مجلس العموم قراره بأن هوارد كارتر يعمل في مصر على نحو فردي ولا يمثل الحكومة البريطانية، وعليه أن يخضع للقانون المصري.
ذهب كارتر للقنصل الإنجليزي في مصر، وهدده أن معه بردية أخذها من المقبرة، ولو كشف عنها ستكون كارثة على السياسة الخارجية الإنجليزية، خاصة فيما يخص وعد بلفور (هذه النقطة مصدرها الوحيد شخص اسمه توماس هوفنج)، ولكن السفير أقنعه بأنه سيحاول على نحو ودي مع المسئولين المصريين.
وفي نهاية سنة 1924 أصبح أحمد زيور باشا رئيسًا للوزراء، وكان كارتر على علاقة قوية جدًّا بزيور باشا؛ فطلب منه السماح له باستكمال التنقيب في مقبرة توت عنخ آمون، ووافق زيور باشا بعد أن وقَّع كارتر على إقرار بالعمل تحت إشراف هيئة الآثار المصرية.
وعاد كارتر يكمل عمله، وحاول الصحفيون المصريون أن يصلوا إلى كارتر، ولكنه كان يمنع أي صحفي إلا التابعين لصحيفة التايمز؛ ما أغضب الصحفيين المصريين والأجانب، فهاجموا كارتر.
واضطرت الصحف المصرية لشراء حق نشر الصور من التايمز، فهاجمته الصحافة بعنف، وكان كارتر يمنع أي شخص من زيارة المقبرة، والحكومة كانت متفهمة هذا الأمر للحفاظ على المقبرة.
منع المصريين من زيارة المقبرة وسرقتها
في سنة 1926 ذهب الملك فؤاد الأول إلى الأقصر لافتتاح بعض المشروعات، وكان رئيس الوزراء وقتها عدلي باشا يكن، وزار جلالة الملك المقبرة ومعه الحكومة بالكامل، وكان جزء كبير من المحتويات قد انتقل للمتحف المصري، وكانت بعض الغرف داخل المقبرة لم تُفتح بعد، وسُئل الملك فؤاد الأول عن موعد فتح المقبرة للجمهور، فقال كارتر إنها من الممكن فتحها للزوار بعد الانتهاء من العمل وفتح جميع الغرف.
بعد أشهر عدة نشرت صحيفة التايمز صورًا من داخل المقبرة، وعرف الصحفيون أن هوارد كارتر فتح المقبرة للأجانب لزيارتها، ويصر على منع المصريين. وانتشرت هذه الأخبار في الصحف، وبدأت تنتشر الأقاويل عن خروج أكثر من عشرين قطعة من المقبرة، ولم يصل أيٌّ منها إلى المتحف المصري.
فأصدر وزير المالية مرقص باشا حنا قرارًا بالتحقيق في هذا الأمر، واستدعى هوارد كارتر، وحقَّق مع جميع العاملين، وتبين أن تسعة وعشرين قطعة مفقودة، ولم تتوصل التحقيقات للمتسبب، ولكن الوزير مرقص باشا حنا علم أن المتسبب هو هوارد كارتر، وأصدر أمرًا بطرده من مصر، ورحَّلته إلى إنجلترا.
بعد مدة ظهرت القطع المفقودة في أربعة متاحف في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبين أن هذه القطع قد باعها كارتر بنفسه.
وقد أعاد متحف المتروبوليتان في نيويورك سنة 2011 تسعة عشر قطعة كانت عندهم إلى مصر.
المصادر
- سرقة ملك مصر - محسن محمد.
- جنون اسمه الفراعنة - زاهي حواس.
- توت عنخ آمون - زاهي حواس.
- أرض الإله - أحمد مراد.
👍👍👍
مقال رائع، ما وراء الكواليس ينذر بما يخفيه المستقبل في جعبته من أسرار
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.