بوصول الطفل مرحلة المراهقة أو البلوغ، وبمجرد أن تبدأ علاماتها في الظهور، تنتاب الطفل مشاعر غريبة لم يعتدها من قبل، ينتابه الفضول عن بروز بعض الأعضاء وكبر حجمها مقارنة بما كانت عليه في السابق، يشعر بالانجذاب نحو الجنس الآخر، ويُثار عندما يشاهد لقطة أو مشهدًا أو امرأة متبرجة، وغيرها من الأشياء الجديدة عليه، فماذا يجب على الوالدين فعله في ما يتعلق بالمراهق والجنس؟
دور الآباء مع الابن المراهق
للوالدين دور في غاية الأهمية والخطورة في علاج هذه النقطة تحديدًا، غير أنه وللأسف الشديد، يتأخر كثير من الآباء والأمهات في توعية الأبناء حتى مرحلة المراهقة، وتبدأ التغيرات النفسية والجسمية والعاطفية والجنسية في الظهور، عندها يلاحظ أن طفله الذي كان يحبو قبل أعوام قليلة، قد نبت الشعر في لحيته وأنحاء متفرقة من جسده! نعم لقد كبر الطفل الصغير وأصبح شابًّا يافعًا. لكن السؤال: هل كبر الولد فجأة، أم شغلتنا عنه مشاغل الحياة؟
حقيقة، كثير من الآباء والأمهات تشغلهم الحياة ومشاغلها عن أبنائهم، حتى إنهم يُفاجؤون بأن الابن أو الابنة أصبح في مرحلة البلوغ، ولا يدري ماذا يفعل أمام هذه التغيرات التي تحدث. فالولد أصبح عصبيًّا، عنيدًا، لا يسمع ولا يطيع لوالديه، ويريد أن تنفذ طلباته، وأن يعامل معاملة الرجل، لا معاملة الطفل.
وللأمانة فإن تقصير الوالدين، وعدم إتقان غالبيتهم فن التعامل مع المراهقين، هو السبب الرئيس وراء كثير من المشكلات التي تظهر في مرحلة المراهقة، بداية من عدم تفهمهم للتغيرات التي تصيب الابن في هذه المرحلة، وهي تغيرات عامة، أي أنها توجد لدى كل من يصل هذه المرحلة، وليس ابنه فقط؛ لذا، إذا أدرك الوالدان هذه الحقيقة، أمكنهم التعامل مع الأمر بسهولة ويسر، دون عصبية أو عناد، أو محاولة فرض الرأي بالقوة على الابن أو الابنة، لكن بالاعتماد على أسلوب الحوار والنقاش.
ولأن العلامات تبدأ في الظهور منذ سن التاسعة أو العاشرة، وتختلف من الذكور عنها لدى الإناث، فإنه يجب على الآباء والأمهات أن يجلسوا مع أبنائهم وبناتهم، الأب مع ابنه، والأم مع ابنتها؛ مراعاةً لخجل الأبناء في التحدث في مثل هذه الموضوعات مع الجنس الآخر. إن كثيرًا من أبنائنا المراهقين يصاب بالحيرة والقلق والتوتر، وقد يصل به الأمر إلى الاكتئاب واعتزال الناس وعدم الرغبة في مخالطتهم، لماذا؟ لأن الأب لم يجلس معه ويعرِّفه بحقيقة التغيرات التي سوف يمر بها خلال هذه المرحلة؛ فيتهيأ نفسيًّا، ويدرك أنه ليس الشخص الوحيد الذي تحدث لديه هذه التغيرات.
ماذا لو تأخر الوالدان في الجلوس مع الأبناء المراهقين؟
كثير من الانحرافات بين المراهقين اليوم سببها تأخر الوالدين في الجلوس مع الأبناء، وتعريفهم بالتغيرات التي سوف تحدث لديهم؛ نفسيًّا، وجسديًّا، وعاطفيًّا، واجتماعيًّا، وجنسيًّا؛ فتكون النتيجة أحد شيئين: الأول أن يتجه الابن أو الابنة إلى الإنترنت للحصول على معلومات حول حقيقة هذه التغيرات، وبدلًا من أن يصبح الأب أو الأم مصدر المعلومات لابنهما، يصبح الإنترنت، وهنا تكمن الخطورة.
الأمر الثاني أن يلجأ إلى أصدقاء السوء؛ ليتعرف من خلالهم على حقيقة هذه التغيرات، وقد ينتابه الفضول إلى رؤية أعضائهم الجنسية، ومقارنتها بعضوه، وغيرها من الانحرافات التي صارت منتشرة بين المراهقين هذه الأيام، والسؤال الآن: لماذا يترك الآباء والأمهات أبناءهم للوصول لهذه المرحلة؟ أليس الأولى بهؤلاء الآباء والأمهات الجلوس مع الأبناء بالحوار والنقاش؛ لبيان حقيقة التغيرات التي سوف ترافقهم خلال المرحلة المقبلة لكي لا يصابوا بالقلق أو التوتر؟
لا تتجاهل ولا تتهرب.. واجه ابنك المراهق
للأسف، من الظواهر المنتشرة بين عموم الآباء والأمهات، هي الخجل من طرح هذه الموضوعات والتحدث فيها مع الأبناء، كما لو كانت أمرًا معيبًا أو لا يجوز التحدث بها مع الأبناء، اعتقادًا منهم أنهم لا يزالون صغارًا، ومن شأن الحديث معهم أن يفتح أعينهم على أشياء تسبق سنهم، وللأسف هذا اعتقاد خاطئ؛ فالتأسيس يبدأ من الطفولة، والمراهق لديه من المعلومات ربما ما يفوق توقعاتك، ولذلك يعيش حالة من الاضطراب والقلق والتوتر والشتات أحيانًا، ويكون بحاجة لأن يصارحه الأب بحقيقة هذه التغيرات، فهو أشبه بالتائه في الصحراء، الذي يبحث عن مرشد ينقذه من هذا التيه.
عندما يتدخل الآباء ويقدمون المعلومات الصحيحة، ويربطونها بالدين، الذي يمثل الجانب الروحي للابن، فإن ذلك يكون أدعى أن يهدئ من روع الابن ويجنبه القلق والتوتر، ويُشعره بالراحة والهدوء والسكون. ما يجب على الوالدين إدراكه جيدًا، أن النصائح والتوجيهات لا تفيد، بل المصاحبة، أن تكون صديقًا لابنك، وأن تكوني صديقة لابنتك، تتحاورين معها كما يتحاور الأصدقاء في الأمور العادية والاهتمامات المشتركة.
في هذه المرحلة تتجلى أهمية الحكمة القائلة "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"؛ لأنها تتجسد أمام أعين الآباء والأمهات والمربين في هذه المرحلة، فأنت تحصد ما زرعت وغرست في طفلك منذ أن كان صغيرًا، عندما كنت تعلِّمه مفهوم المراقبة، وأن الله يراه ومطلع عليه في كل مكان وزمان، تحصد ما زرعته من تدريب الطفل على الضمير اليقظ، بحيث يشعر بالحزن عندما يخطئ في حق والده أو والدته؛ لأنه نشأ وترعرع على أن الجنة تحت أقدام الأمهات، وأن الآباء يتوسطون أبواب الجنان.
ماذا إن أهمل الوالدان تعليم أطفالهما في الصغر؟
إذا كان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وما شبَّ عليه الابن يشيب عليه، لكن التقصير والإهمال في تعليم الطفل وغرس القيم والمبادئ الجميلة في شخصيته منذ صغره، لا يعني أن الفرصة قد فاتتك، بل لا تزال بين يديك، بأن تقترب أكثر من ابنك، حتى تصبح أقرب الأقربين له، تجلس معه، تنصت إليه، تستمتع لأحاديثه، لمزاحه، لقصصه وحكاياته، تبدي اهتمامك بكل كلمة يقولها، تبحث عن نقاط الاهتمام المشتركة بينكما، قد تكون الرياضة، أو الموضة، أو الفن وغيرها.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، من واقع تجربتكم وخبراتكم في تربية الأبناء، كيف تعاملتم مع مسألة الجنس في حياة المراهق.
موضوع رائع دكتور
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.