قد يظن البعض أن صلاح الأسرة واستقامتها مهمة الرجل بالدرجة الأولى، ويمكنه بعد ظنه أن يُحمِّل الرجل كل التبعات، دون أن يجرح كبرياء المرأة بكلمة تأنيب تُشعرها بالتقصير.
ولكن من وجهة نظري أن المرأة هي الأساس، والدعامة الرئيسية التي إن استقامت استقامت الأسرة، وإن اعوجت اعوجت الأسرة..
معها مفتاح سعادة الأسرة وبقائها وصمودها، وفي يدها الأخرى مفتاح تعاسة الأسرة وانهيارها، ولا أعني بهذا أن الرجل غير مسؤول، أو أقلل من قيمته..
ولكن أخبرنا الرسول أن المرأة من أسباب السعادة.
فكم من أسرة سعدت بسبب امرأة صالحة قنوع..
وكم من أسرة دُمرت بسبب امرأة طماعة لا يملأ عينيها قليل ولا كثير..
وكم من رجل شريف مد يده ليرضي مطامع امرأته، ويلبي طلباتها التي لا تنتهي.
أذكر أن إبراهيم عليه السلام لما زار ولده إسماعيل، فقابلته امرأة إسماعيل فرأى الطمع والجحود في كلامها وفعلها، فترك رسالة لابنه يقول فيها:
-غيِّرعتبة بابك، وفهم منها إسماعيل أن أباه يطلب منه طلاق هذه المرأة، فطلقها.
ولما عاد لزيارته فوجده تزوج بأخرى شاكرة لنعم الله، راضية بما قسمه الله لها ولزوجها، كريمة تؤثر غيرها على نفسها، فترك رسالة لولده يقول فيها:
-ثبِّت عتبة بابك.
وإليكم هذه الحكاية الحقيقية التي تنبئكم أن المرأة قد تغير سلوك الرجل ومعدنه، وقد تحوله من لص إلى رجل شريف عفيف، ومن رجل عفيف شريف يخاف الله إلى متسول ولص.
ذكر الدينوري في كتابة المجالسة وجواهر العلم قال: ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ:
ﻭﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻰ ﺑﺰّﺍﺯ (بائع الثياب) ﺑﻤﻜﺔ ﺃﺷﺘﺮﻱ ﻣﻨﻪ ﺛﻮﺑﺎً، ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻤﺪﺡ ﻭﻳﺤﻠﻒ، ﻓﺘﺮﻛﺘﻪ، ﻭﻗﻠﺖُ: ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻪ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻳﺖُ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ.
ﺛﻢ ﺣﺠﺠﺖُ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺴﻨﺘﻴﻦ، ﻓﻮﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻠﻢ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﻳﻤﺪﺡ ﻭﻻ ﻳﺤﻠﻒ، ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻪ: ﺃﻟﺴﺖَ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮﺍﺕ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ.
ﻗﻠﺖُ ﻟﻪ: ﻭﺃﻱّ ﺷﻲﺀٍ ﺃﺧﺮﺟﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺃﺭﻯ؟ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﻙ ﺗﻤﺪﺡ ﻭﻻ ﺗﺤﻠﻒ.
قاﻝ: ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺇﻥ ﺟﺌﺘﻬﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻧَﺰَﺭَﺗﻪ (احتقرته)، ﻭﺇﻥ ﺟﺌﺘﻬﺎ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻗﻠّﻠﺘﻪ، ﺛﻢ ﺃﻣﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺘﺰﻭّﺟﺖُ ﺍﻣﺮﺃﺓً ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕُ ﺍﻟﻐُﺪُﻭَّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺃﺧﺬﺕ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﺛﻴﺎﺑﻲ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺎ ﻓﻼﻥ، ﺍﺗَّﻖِ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻻﺗﻄﻌﻤﻨﺎ ﺇلّا ﻃﻴّﺒﺎً، ﺇﻥ ﺟﺌﺘﻨﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞٍ ﻛﺜّﺮﻧﺎﻩ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻨﺎ ﺑﺸﻲﺀٍ ﺃﻋﻨّﺎﻙ ﺑﻤﻐﺰﻟﻨﺎ.
أي: تنسج الصوف والقطن وتبيعه وتعين بثمنه زوجها.
قد يعجبك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.