تعتبر المرأة نصف المجتمع باعتبارها العنصر الفعال في التربية، وكذا النصف الآخر للرجل، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية… لكن الحديث عن المرأة في المجتمعات العربية بين آلاف الأقواس تطرح معه العديد من الإشكالات والأسئلة حول بأي معنى يمكن الحديث عن حقوق المرأة في ظل وجود إقصاء لهذا العنصر؟ وهل يمكن الحديث فعلًا عن أهمية المرأة ودورها في المجتمع مع وجود تيارات مختلفة ومنغلقة ولا تقبل حتى الاعتراف بالآخر؟ وكيف يمكن للمرأة أن تتوافق بين الواقع القاسي وبين المرجعيات التي تساهم في التخلف؟
قد يمكن للقارئ أن يتساءل ما علاقة هذه الأسئلة بواقع المرأة؟ لكن لا ننسى بأن الواقع الذي تعيشه المرأة في المجتمعات المتخلفة ناتج عن التمثلاث والتصورات السائدة داخل المجتمع كون المرأة ينظر إليها كأداة ووسيلة متعة، ووظيفتها في المجتمع الأعمال المنزلية والشاقة ولا ينظر إليها ككيان روح إنساني، فهذه النظرة الدونية والاحتقارية للمرأة في مجتمعنا، من حقنا أن نتساءل ما مصدرها؟ قد نطرح العديد من الاحتمالات حول السبب، هل هو المجتمع أم طبيعة المرأة؟ وما أصلها؟ أم الدين الذي لم يساو بينها وبين الرجل في الإرث وعدد الزوجات وكذا الشهادة، وقد نتساءل عن دور التيارات المنغلقة على ذاتها، والتي لا تعترف حتى بأبسط حقوق المرأة، أم أن هذا راجع للتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية للمجتمع؟
احتفظت لنا بأسماء نساء كان لهنّ حضور في عدة مجالات لم ولن يتعرف عليها إلا مجتمعها الذي أطلق عليها اسم "تامغارت"؛ المرأة باللغة الأمازيغية؛ أي الكبيرة والعظيمة، فكل امرأة يطلق عليها "تامغارت" إضافة إلى اسمها الشخصي، ولا يطلق اسم أمغار الكبير إلا على من تولى مشيخة القبيلة، ويفقد هذا الاسم عندما يتخلى عن وظيفته، ويرجع هذا التمايز وهذا التقدير المستمر والمعنون بعنوان "تامغارت"؛ أي المرأة الكبيرة والعظيمة في المجتمع إلى الدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة وخارجها في السراء والضراء.
المرأة القروية استطاعت فرض ذاتها وهذا ما يدل عليه مصطلح "تامغارت" الذي تلقب به المرأة في الثقافة الأمازيغية نظرًا للدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة، وخارجها في السراء والضراء، فكلمة "تمغارت" تعني الزعيمة ومذكرها "أمغار" الذي يعنى الزعيم، وإلى المرأة ينتسب الأبناء، والطلاق قليل جدًا، أو منعدم، وإذا وقع شيء منه، فكثيرًا ما يكون طلاق الخلع إذا رأت الزوج، فالمرأة السوسية مثال للتضحية والكفاح في سبيل استقرار عائلتها، فهي تتحمل مسؤوليات المنزل ونفس الشيء في حالة وفاة الزوج، فتجدها ترفض الزواج من جديد من أجل وحدة وتماسك أسرتها.
المرأة القروية في كل أنحاء العالم العربي تنتعل حذاء بلاستيكيًا كل صباح، تكنس الأرض التي يمشي عليها رعاياها، تعتني بالماشية وتنظف أوساخها، تركب دابتها لمسافات طويلة بحثًا عن الماء الصالح للشرب، تجلس القرفصاء قرب النهر لتصبين الملابس المتسخة وخياطتها، تجلب الحطب وتطهو الخبز تحت حرارة الشمس الملتهبة… تمارس الرعي، تساعد في كل الأشغال الفلاحية، يداهمها المخاض في الحقل فتنجب البنين والبنات وتقوم بالرعاية والحضانة… مهام شاقة ومسؤوليات جسام تزدحم في جدول أعمال يبدأ من الصباح الباكر وينتهي مع وضع رأسها فوق الوسادة.
وبهذا فتاريخ المرأة القروية يشهد لها بدورها المتميز داخل الأسرة، وتحمل مسؤوليتها ناهيك عن
الأدوار الطلائعية التي تقوم بها في شتى المجالات:
1. القيام بالأعمال الخارجية والمنزلية… إلخ.
2. جمع المياه واستخدامها وإدارتها لتلبية احتياجات الأسرة.
3. جلب حطب الوقود، وهو يعد من المهام الشاقة المكلفة من ناحية الوقت والجهد، وخاصة في المناطق الوعرة.
4. جمع العلف ورعي الماشية.
5. جني، نقل، تخزين، تجهيز وتحويل الثمار إلى مواد صالحة للتسويق والاستهلاك.
6. التربية والأشغال المنزلية، التدبير الاستراتيجي التشاركي والتضامني من أجل النهوض بالمرأة القروية.
7. التشخيص القبلي المصاحب والبعدي للوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة القروية.
8. إعداد تصور أو مخطط استراتيجي من أجل التغلب على مختلف المظاهر التي لا زالت تحد من
الرقي بوضعية المرأة القروية لضمان مساهمتها بشكل سليم ومتوازن في صنع الخريطة التنموية للدولة.
فالمرأة بصفة عامة والقروية بصفة خاصة ولدت معززة مكرمة لقوله تعالى :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ". سورة النساء، لكي تستمتع بحقوقها اتجاه زوجها وأولادها وأسرتها، إلا أنها ليست دابة كما يعتبرها البعض.
إلا أنه رغم كل هذا الإقصاء الاجتماعي والتهميش بشتى تلاوينه في حق المرأة القروية، تبقى مرأة عفيفة وشجاعة دون امتياز... لا نملك إلا أن ننحني إليها تواضعًا، ونرفع لها القبعة احترامًا وتقديرًا على كل ما تقوم به.
تمضي سحابة يومها في تحدي الحياة بكل صعابها وجراحها، وتمنح مساءها بلا سأم إلى الأمل في الحياة وفي غد أفضل..
تلك المرأة التي تصنع من جفاء الطبيعة القروية رخاء، وتحول صعوبة الحياة القروية إلى متعة بلمسة سحرية سرها الأمل اللامتناهي…
المرأة القروية رمز الصمود الحقيقي… المرأة التي تدبر الحياة بحنكة متناهية…المرأة التي أنجبت رجالًا ونساءً ذوي شأن في المجتمع… المرأة القروية التي قاومت مختلف أشكال الحرمان، وضحت بالغالي والنفيس لتصنع من أبنائها نخبة الوطن…
المرأة القروية التي صانت التراث والموروث الثقافي… وحافظت على العادات والتقاليد… تحية إجلال لكل نساء البلدة، أوجه ندائي إلى الحركات النسائية المدعية للحداثة والديموقراطية، وإلى كل الحركات الحقوقية، أوجه ندائي أيضًا إلى وزراء الأسرة في العالم العربي والتضامن، فأقول لهم جميعًا: مرحبًا بكم في بوادينا، وقرانا، وفي أحيائنا المهمشة بالمدن الكبرى، لتروا بأم أعينكم النضال الحقيقي والفعلي والواقعي للمرأة…
في البادية تعمل المرأة في البيت وبالحقل: تربي الأبناء وتطبخ وترعى الماشية وتحفر بالفأس، والفتيات يقمن بكل ذلك، ومع ذلك يذهبن ليلتحقن بالمدرسة… حينما أرى ما يحدث بباديتي أكماض كل المواثيق والقوانين المتعلقة بالمرأة، والدفاع عن المرأة، وضرورة مساواتها مع شقيقها الرجل مع احترام ثوابتنا الدينية المعروفة شرعًا… إن اللواتي يدعين القيام بقضايا المرأة المنخرطات في مختلف الجمعيات لا يعرفن واقع المرأة الحقيقي بباديتنا.
أيها السادة اليوم نريد فقط كلمة حق في هذه المرأة القروية المجاهدة التي تعيش حرة مع الطبيعة في عيدها الأممي 8 مارس وعيد الأم 21 مارس.
تلعب المرأة دورًا أساسيًّا في العالم القروي خصوصًا في الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي، لذلك يجب أن تحظى باهتمام كبير؛ بحيث لا يمكن الحديث عن التنمية القروية دون التطرق إلى موضوع المرأة القروية، والتي تشكل نموذجًا حول التآزر والتعاون والكفاح المشترك داخل الأسرة المغربية من أجل لقمة العيش.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.