في هذا الكون الهائل الصامت والمظلم، حيث تتراقص الأجرام السماوية في مدارات كونية، نتساءل عن موقعنا كبشر في هذا الفضاء الشاسع، بعد رحلة استكشافية في عوالم الكون في الحلقات السابقة، نركز في هذا المقال على مفهوم المجرات، تلك الكيانات العملاقة التي تحتضن أنظمتنا الشمسية. سنتعرف على مكوناتها الأساسية وأنواعها المذهلة، ونستكشف النظريات العلمية لنشأتها، لنقف أخيرًا على مكان كوكبنا المتواضع في هذا العالم الغامض والمهيب.
ما المجرة؟
لنفترض أننا نعيش داخل رقعة ضخمة تحمل مئات المنازل مثلنا، كل منزل يحمل عشرات السكان موزعين على غرف كثيرة داخل كل منزل، فإن هذه الرقعة الضخمة من الأرض تُسمى المجرة.
فالمجرة باختصار هي تجمعات هائلة من النجوم والكواكب والأجسام المختلفة المتحركة، ولا تخلو أيضًا من الغبار والمادة المظلمة التي تحدثنا عنها سابقًا، فهي كالأرض الواسعة التي تحوي مئات المنازل، وأنت فرد من منزل تعيش في غرفة واحدة فقط من كل هذا.
والكون يتكون من مجموعة من المجرات، كل منها تحتوي على كواكب ونجوم أخرى، وربما عوالم كثيرة لا تعرفها، فالكون واسع على نحو لا يمكن تخيله، وما أكثر غموضه.
ممَّ تتكون المجرة؟
تتكون المجرة من جزأين أساسيين هما:
- القرص: ويظهر غالبًا في المجرات الحلزونية، وتتجمع النجوم في منطقة القرص على شكل عناقيد أو مجموعات أو بشكل منفرد، ويعتبر القرص هو مركز المجرة الذي تدور حوله النجوم وسُحب الغاز والغبار المسماة بالسُّدُم.
- الانتفاخ: وهو كرة كبيرة مضغوطة تحيط بالقرص، يتكون من النجوم الأكبر سنًّا، والسُّدُم فيه تكون بنسبة أقل، وهو الجزء الذي يعكس ضوء المجرة.
كيف نشأت المجرات؟
من نحو 14 بليون سنة كان الكون كتلة ضخمة من الحرارة والغازات الكثيفة، ثم حدث الانفجار العظيم كما ناقشنا في مقال (ما الفضاء؟ وكيف تكوَّن؟)، وتناثرت وحدات من هذه الكرة في كل صوب بعد عمليات مختلفة من التبريد والتمدد لتكوِّن أجزاء الكون الواسع.
توجد نظريات عدة لتفسير نشأة المجرات، لكن كلها تجتمع على نشأتها من كرات سحب غاز الهيدورجين والمادة المظلمة، بدأ الهيدروجين بالاتجاه إلى مركز الدائرة لأنه الأخفُّ وزنًا، وبقيت المادة المظلمة خارج الدائرة تحيط بها، وبالتدريج تكونت المجرات عبر ملايين السنين.
إن الناظر لتكوُّن المجرات وما تحويه من كواكب ونجوم وغازات وعوالم أخرى يتيقن أن الكون لا يمكن أن يكون نشأ صدفة كما يقول بعض البشر، فالصدفة لا تصنع هذا الترتيب والتميز، ولا تعمل كرة بسيطة من الغاز على نشأة عالم كامل وحدها، بل هناك خالق عظيم لهذا الكون أنشأه وخلقه ونظَّمه بهذا التركيب المهيب.
أنواع المجرات
تُصنَّف المجرات حسب أشكالها في الفضاء إلى ثلاثة أنواع كالتالي:
المجرات البيضاوية
وهي الأكثر انتشارًا في الكون، وتتخذ الشكل البيضاوي، كما تبعد عن الأرض بنحو 600 سنة ضوئية، وتُعد هي أقدم المجرات التي نشأت في الكون وتحوي بداخلها أقدم النجوم نشأة أي نحو تريليون نجم، لأن النجوم مثلنا لها مراحل حياة فهي تولد وتعيش مدة من الزمن ثم تموت، وسنعرف هذا بالتفصيل إن شاء الله.
المجرات الحلزونية
وهي مجرات تميل للشكل الكروي، وتحوي بداخلها النجوم الأصغر عمرًا، ويُعتقد أن أذرعها الحلزونية تكونت عن طريق موجات من الغازات تتحرك باستمرار؛ ما ينشأ عنه نجوم جديدة في تلك الأذرع، لذا تظهر الأذرع الحلزونية لهذه المجرة بالألوان الزرقاء والبيضاء، وتكون أكثر سطوعًا وإشراقًا.
المجرات غير المنتظمة
وهي تلك المجرات التي ليس لها شكل منتظم، وتتكون من مجموعتين، الأولى تحتوي على غاز الهيدروجين وعدد من النجوم الوليدة، والمجموعة الثانية تحتوي على غبار كثيف يحجب ضوء النجوم الشابة فلا يظهر ضوؤها بالمجرة.
هذا النوع هو أصغر أنواع المجرات، فلا يتخطى عدد النجوم داخله مليون نجم، وقد تكون نواة لتكوين مجرات أكبر حجمًا.
إننا ذرة متناهية في الصغر وسط كل هذا الكون الشاسع، فنحن نعيش داخل أحد هذه المجرات، وعلى جزء بسيط جدًّا منها، ومجرتنا من النوع الحلزوني، وتُسمى درب التبانة.
ختامًا.. الفضاء ليس مجرد فراغٍ مظلمٍ وساكن، بل هو مسرح هائل تدور فيه الأجرام والمجرات، وتنبض فيه طاقات خفية لا ترى بالعين. لكن، وسط هذا الامتداد اللامتناهي، أين نحن؟ وعلى ماذا نعيش؟ الجواب يبدأ بكلمة واحدة المجرة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.