«الماسونية».. غموض كبير ونفوذ هائل

عندما يتردد مصطلح الماسونية فهو يقترن بكثير من الأمور المبهمة والغامضة والحديث عن المؤامرات والسيطرة والقوة الكبيرة التي تملكها هذه الجماعة الغريبة أو المنظمة الخفية، ما يجعل كل شخص يدلو بدلوه في موضوع الماسونية على قدر ما سمع أو عرف أو قرأ، فهل توجد حقًا أهداف خفية للماسونية؟

وهل تتمتع هذه الجماعة بنفوذ كبير وإمكانات هائلة تسمح لها بتنفيذ أغراضها أم أن الأمر مجرد ادعاءات إعلامية وتهويلات ليس لها ما يدعمها على أرض الواقع؟

انطلاقًا من هذه الأسئلة نحاول في هذا المقال توضيح صورة الماسونية، وتقديم كل المعلومات الممكنة عن تاريخها وأهدافها وتأثيرها وكيفية الانضمام إليها في السطور التالية.

الماسونية بين النشأة والأهداف

في البداية لا بد أن نتفق أن كل ما يتصل بالماسونية فهو محاط بالغموض، لا سيما فيما يتعلق بظروف نشأة الحركة التي بدأت جماعة للبنّائين الذين يعملون على تشييد الكنائس والبنايات الدينية في إنجلترا، وأطلقوا على أنفسهم (إخوة البنّائين الأحرار)، لكن الأمر لم يقف عند مهارات البناء والتعاون فيما بينهم، وإنما يعد البناء مجرد رمز لمسألة التعاون في بناء أي شيء، ما يحيلنا إلى أفكار الماسونية التي اعتنقها أعضاء الجمعية.

إخوة البنائين الأحرار

على الرغم من أن الماسونيين في كل مكان في العالم يتحدثون عن محاولات الإصلاح والتطوع والمشاركة الاجتماعية الإيجابية، فإن أفكارهم الرئيسة ترتبط كثيرًا بالأفكار اليهودية وقناعتهم الشديدة بإعادة بناء هيكل سليمان وتأسيس وطن لليهود في فلسطين، وكذلك يفتخر الماسونيون كثيرًا بحركة فرسان الهيكل التي كان يشارك أعضاؤها في الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي للسيطرة على المسجد الأقصى. 

بدأت حركة الماسونية تنشط وتتسع في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكانت التوراة بنصوصها وتعاليمها مصدر إلهام لأفكار قادة الحركة الماسونية، وفي تلك المدة أنشأ الماسونيون محفلهم الكبير في العاصمة الإنجليزية لندن الذي يعد الأكبر والأقدم والأهم عالميًا.

ثم تمددت الحركة الماسونية إلى فرنسا وأمريكا، وكان لها تأثير كبير في نشوء الثورات في مختلف البلدان الأوروبية، ما يجعل الباحثين والمؤرخين يتحدثون عن الماسونية بعدها قوة مؤثرة في الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية على نطاق واسع في كل مكان في العالم.

دور الماسونية في نشوء الثورات

لذا فإنّ أفكار الحركة الماسونية المعلنة تتلخص في التعاون والمشاركة الإيجابية والحصول على العدالة والمساواة، لكن الأهداف الخفية تتعلق بالسيطرة والنفوذ اللذين يتجاوزا حدود الدول والبلدان والأشخاص، ما يتطلب أن تكون مقدرات العالم في أيدي عدد محدود من الأشخاص الذين ينتمون بالتأكيد إلى الحركة الماسونية، وهو ما تسعى الحركة إلى تنفيذه بعدد من الأنشطة المعلنة وغير المعلنة، إضافة إلى كثير من الأنشطة الخيرية والتطوعية التي تستخدمها غطاءً لأهدافها الحقيقية. 

ماذا تقول الماسونية عن نفسها؟

بعد أن أوضحنا لك آراء المحللين والخبراء بالحركة الماسونية العالمية، فنحن نضع أمامك أيضًا ما يقوله الماسونيون عن أنفسهم، فهم يعدون كل هذه الاتهامات مجرد أكاذيب وادعاءات؛ نظرًا لأن الحركة الماسونية منطوية وغير منفتحة، وأن الماسونيين يعملون دائمًا دون صخب.

ويؤكد أعضاء الحركة الماسونية على أن أفكارهم تتعلق بتمجيدهم الرب الذي هو مهندس الكون والبنّاء الأكبر، إضافة إلى أنهم لا يمانعون انضمام أي شخص إلى جماعتهم من كل الأطياف والديانات، ويشجعون على تبني القيم الأخلاقية وحب الآخرين وحرية الفكر، ويدعون إلى التسامح والتعاون والعدالة. 

رمز الرب عند الماسونية

ويؤكد أعضاء الحركة الماسونية أن تعاليم الماسونية تحظر على أعضائها الخوض في الأمور السياسية والأمور الدينية؛ لأن هذه الأمور تؤدي إلى الاختلاف والفرقة، وتدعو الحركة أعضاءها إلى الالتزام بدياناتهم دون إقصاء للآخر من أجل الوصول إلى عالم واحد، يتجاور فيه الناس، ويعيشون بسعادة على الرغم من اختلافهم وهو الهدف الأسمى للجماعة. 

الماسونية من الداخل

أما عن الانضمام إلى الجماعة الماسونية فهو لا يتطلب شروطًا صعبة، وإنما يستطيع أي شخص أن يصبح ماسونيًا في المستوى الأول، ويشمل نظام الجماعة الداخلي 33 درجة أو مستوًى يترقى بها الأعضاء، وفي كل درجة يوجد قسم معين يمنح صاحبه مزيدًا من الصلاحيات والمهام والمسؤوليات أمام الجماعة.

ويوضح الدارسون للجماعة الماسونية أن المستوى الثالث هو مستوى الثقة الذي يعرف به صاحبه كثيرًا من أسرار الجماعة التي لا يعرفها الناس عامة؛ وبذلك لا يمكن التراجع بعد هذا المستوى، فقد يتعرض الشخص الذي ينقلب على الجماعة بعد تجاوزه المستوى الثالث إلى عقاب شديد.

المستوى الثالث من الماسونية

كذلك فإن أكبر الاجتماعات والحفلات التي تقيمها الجماعة الماسونية يستضيفها المحفل الماسوني الكبير في العاصمة الإنجليزية لندن الذي يضم بدوره عددًا من القاعات والغرف التي تشهد الاجتماعات والجلسات الخاصة والحفلات، ويكون شاهدًا على انضمام الأعضاء الجدد أو ترقية الأعضاء الحاليين أو مساءلة الأعضاء القدامى عن أخطائهم.

إضافة إلى احتوائه عددًا من الوثائق المهمة والقطع الأثرية التي تنتمي إلى الحركة الماسونية على مر التاريخ، إضافة إلى كثير من الآثار والوثائق التي تتعلق بعشرات الشخصيات التاريخية والعالمية التي كانت جزءًا من الحركة الماسونية العالمية؛ ومن بينهم فنانون وأدباء وملوك وأمراء ومشاهير. 

ومن الشعائر التي تمارس مع الأعضاء الجدد بعد إلقاء القسم هو خطاب الرئيس الأعظم الذي يقول للعضو الجديد: "إذا حاولت الانشقاق عن الجماعة أو إفشاء أسرار البنٍائين الأحرار فسيكون عقابك كما هو معروف من تاريخ الجماعة إما بالشنق، أو الطعن، أو قطع رقبتك من جذورها".

خطاب الخبير الأعظم

الماسونية في العصر الحديث

أصبحت الحركة الماسونية أكثر انفتاحًا عما كانت عليه من قبل بعد عدد من المراجعات الفكرية والنقاشات بين أعضائها على مدار سنوات طويلة، ما جعلها تتخلى عن بعض الغموض الذي يحيط بها، وتظهر نشاطاتها في كثير من الأعمال الخيرية والتطوعية والخدمية.

لكن الأمر لم يتطور فيما يخص الحديث عن أسرار الجماعة وكيفية التعامل بينهم التي تشمل معرفة كلمة السر وأسلوبًا معينًا للمصافحة وخصوصيةً شديدة للاجتماعات التي لا يستطيع حضورها أي شخص لا ينتمي إلى الجماعة الماسونية.

غموض الماسونية

من ناحية أخرى فإن كثيرًا من الكيانات والمنظمات ترى الحركة الماسونية الحديثة بالعين القديمة نفسها؛ فهي لم تتغير، ولا تزال تسعى إلى السيطرة على العالم وبسط نفوذها على المحافل العلمية والثقافية والفكرية والسياسية والعسكرية، وتتخفى الحركة وراء عدد من أسماء الجمعيات الأهلية والمنظمات ذات الأنشطة العامة والخيرية، وتبذل الجماعة كل الجهود لدفع أعضائها إلى المناصب الرفيعة لخدمة أفكار الجماعة.

وأطلق عدد من المحللين على حركة الماسونية اسم الحكومة العالمية الخفية، واستشهد هؤلاء بعدد من المواقف التاريخية وعلى رأسها قول الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان: «يا بني حين يحل بك الظلام والوحدة ابحث دائمًا عن ماسوني وقل له إنك ابن ماسوني، وستجد فيه العون والصديق».

إضافة إلى العلاقة القوية بين الأسرة الحاكمة في إنجلترا وبين الحركة الماسونية التي وصلت إلى أن يكون الأستاذ الأعظم للماسونية في وقت من الأوقات هو الأمير إدوارد جورج ابن عم ملكة إنجلترا.

إضافة إلى أقوال الماسونيين أنفسهم عن عضوية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في منظمتهم ودعمها بكل السبل، وهو ما يمكن تطبيقه على فرنسا وألمانيا وأمريكا ما يزيد من قوة الجماعة ليس فقط بزيادة عدد أعضائها، وإنما بمدى قوتهم وتأثيرهم في مجرى الأحداث والقرارات المهمة. 

ونستون تشرشل من أعضاء الماسونية

وهكذا فإن الحركة الماسونية تبدو غولًا كبيرًا يدعو الأطفال ليلعبوا معه وهو يبتسم، ويتحدث عن قلبه الكبير ونياته الطيبة. 

وفي الختام، نرجو أن يكون مقالنا عن الماسونية قد أجاب عن كل الأسئلة التي تدور في ذهنك بخصوص هذا الموضوع، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال عبر مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة