الليالي العربية وثورة التشكيل الغربي

لم يستطع كبار الفنانين التشكيليين في الغرب، الإفلات من غواية النص الأدبي العملاق "ألف ليلة وليلة"، الذي حمل سحره فوق بساط الريح، ليتجسد هذا السحر بكامل زهوه في الكثير من اللوحات والأعمال الفنية، التي كانت بمثابة ثورة في التشكيل الغربي الذي إتجه نحو المرحلة الحديثة من الفن المتمثلة في "التجريد، السريالية، التأثيرية الجديدة، والوحشية" عبر تأثيرات حكايات ألف ليلة وليلة بعوالمها الأسطورية والغرائبية على أشهر الفنانين.

 القيمة التشكيلية لليالي لا تقل عن نظيرتها الأدبية، فمبدعو "ألف ليلة وليلة" امتلكوا من الوعي التشكيلي ما وسع وعمق وأثرى نصوصهم الأدبية، فالكلمة عندهم لم تكن تقريرية خالصة، بل هي تشكيلية في المقام الأول، ولذلك كان من السهل على القارئ أن يتخيل نصوصهم بالصورة التشكيلية أكثر من فهمه المباشر للكلمة المجردة، وهذا ما ظهر واضحًا، فور الترجمة الأولى لنصوص ألف ليلة وليلة عبر المستشرق الفرنسي أنطوان جالان (1704 1717)، فبعد ترجمة جالان وما تلاها من ترجمات إلى مختلف اللغات الأوروبية، كثرت الرسوم التزيينية والتوضيحية التي رافقت معظم الترجمات، ساهم فيها مئات الفنانين التشكيلين، هؤلاء الذين لم يكتفوا بتلك الرسومات، بل انطلقوا في رحلة فنية، مع الليالي العربية التي فتحت أمامهم آفاقًا جديدة، ومنابع خصبة للإبداع، حيث قادتهم إلى الشرق، بثقافته الفريدة وعوالمه السحرية والغرائبية، التي أطلقت خيالهم إلى الحدود القصوى للفن.

قبل ترجمة "جالان" كان الفن التشكيلي الغربي، يستلهم موضوعات قديمة من التراث الإغريقي الروماني، ومن ثم كانت الأعمال الفنية تكاد تكون صامتة، وساكنة في الزمن، هذا على عكس اللوحات والأعمال، التي أعقبت ترجمة "الليالي العربية"، حيث الانفتاح على آفاق لانهائية، تلاشت فيها المسافة بين الواقع والخيال، فكان السحر، قيمة فنية وجمالية ملازمة لهذه اللوحات التي أحدثت ثورة في الفن التشكيلي الغربي، فبحسب قول الفيلسوف الفرنسي "جوستاف لوبون": كانت الليالي أول الطريق إلى الاستشراق". هذا الطريق الذي افتتحه الفنان الفرنسي "ديلاكروا 1798 – 1863 "؛ سافر زعيم الرومانسيين "ديلاكروا" إلى طنجة ومكناس بالمغرب، وإلى وهران بالجزائر، وفي تلك البلدان، انفتحت آفاق مخيلته على العوالم السحرية والغامضة للشرق، فاصاغ منها أروع لوحاته، وأهمها: لوحته "نساء الجزائر"، التي وصفها "رينوار" قائلًا: إن المرء عند وقوفه أمامها، تغمره السعادة، وكأنه في الجزائر بكل أجوائها الساحرة"، فيما وصفها جوستاف بلانش بالقصيدة، وقد صور فيها "ديلاكروا" أدق التفاصيل، والتقاليد، مجسداً بحيوية صورة حقيقية ساحرة لنساء وهران، وللفنان الكبير عدد كبير من اللوحات المستوحاه من عوالم ألف ليلة وليلة، وهي محفوظة في متحف اللوفر ومن أشهرها: الحرية تقود الشعب، وسلطان المغرب.

شاعرة وكاتبة صحفية مصرية

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب

شاعرة وكاتبة صحفية مصرية